الوليد بن يزيد


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان. (كان يلقب أبو العباس (706 - 744 م). حكم سنة موادة من 743 إلى 744 م. أمه بنت محمد بن يوسف الثقفي أخي الحجاج. تولى الخلافة بعد وفاة عمه هشام بن عبد الملك كان من فتيان بني أمية وظرفائهم وشجعانهم وأجوادهم.

 

ذكر عنه ابن كثير في البداية والنهاية أن سبب ولايته أن أباه يزيد بن عبد الملك كان قد جعل الأمر من بعده لأخيه هشام، ثم من بعده لولده الوليد هذا، فلما ولي هشام أكرم ابن أخيه الوليد حتى ظهر عليه أمر الشراب وخلطاء السوء ومجالس اللهو، فأراد هشام أن يقطع ذلك عنه فأمره على الحج سنة ست عشر ومائة، فأخذ معه كلاب الصيد خفية من عمه، حتى يقال : إنه جعلها في صناديق، فسقط منها صندوق فيه كلب، فسمع صوته فأحالوا ذلك على الجمال، فضرب على ذلك.

ووقعت بين هشام وبين الوليد بن يزيد وحشة عظيمة بسبب تعاطي الوليد ما كان يتعاطاه من الفواحش والمنكرات.

فتنكر له هشام وعزم على خلعه وتولية ولده مسلمة ولاية العهد، ففر منه الوليد إلى الصحراء، وجعلا يتراسلان بأقبح المراسلات، وجعل هشام يتوعده وعيدا شديدا، ويتهدده، ولم يزل كذلك حتى مات هشام والوليد في البرية، فلما كانت الليلة التي قدم في صبيحتها عليه البرد بالخلافة، قلق الوليد تلك الليلة قلقا شديدا وقال لبعض أصحابه : ويحك ! قد أخذني الليلة قلق عظيم، فاركب لعلنا نبسط.

فسارا ميلين يتكلمان في هشام وما يتعلق به، من كتبه إليه بالتهديد والوعيد، ثم رأيا من بعد رهجا وأصواتا وغبارا، ثم انكشف ذلك عن برد يقصدونه بالولاية فقال لصاحبه: ويحك ! إن هذه رسل هشام، اللهم أعطنا خيرها.

فلما اقتربت البرد منه وتبينوه ترجلوا إلى الأرض وجاؤا فسلموا عليه بالخلافة، فبهت وقال : ويحكم ! أمات هشام؟

قالوا: نعم !

قال: فمن بعثكم؟

قالوا: سالم بن عبد الرحمن صاحب ديوان الرسائل، وأعطوه الكتاب فقرأه، ثم سألهم عن أحوال الناس، وكيف مات عمه هشام، فأخبروه.

فكتب من فوره بالاحتياط على أموال هشام وحواصله بالرصافة وقال:

ليت هشاما عاش حتى يرى * مكياله الأوفر قد طبعا

كلناه بالصاع الذي كاله * وما ظلمناه به إصبعا

وما أتيناه ذاك بدعة * أحله الفرقان إلى أجمعا

وقال الضحاك بن عثمان، أراد هشام أن يخلع الوليد ويجعل العهد لولده، فقال الوليد:

كفرت يدًا من منعم لو شكرتها ... جزاك بها الرحمن بالفضل والمن

رأيتك تبني جاهدًا في قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني

أراك على الباقين تجني ضغينة ... فيا ويحهم إن مت من شر ما تجني

كأني بهم يومًا وأكثر قيلهم ... ألا ليت أنا حين يا ليت لا تغني

 

وقال حماد الراوية: كنت يومًا عند الوليد، فدخل عليه منجمان، فقالا: نظرنا فيما أمرتنا فوجدناك تملك سبع سنين، قال حماد: فأردت أن أخدعه فقلت: كذبا ونحن أعلم بالآثار وضروب العلم، وقد نظرنا في هذا فوجدناك تملك أربعين سنة، فأطرق ثم قال: لا ما قالا يكسرني، ولا ما قلت يغرني، والله لأجبين المال من حلة جباية من يعيش الأبد، ولأصرفنه في حقه صرف من يموت الغد. وقد ورد في مسند أحمد حديث: "ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له: الوليد لهو أشد على هذه الأمة من فرعون لقومه".

 

وأخرج الصولي عن سعيد بن سليم قال: أنشد ابن ميادة الوليد بن يزيد شعره الذي يقول فيه:

فضلتم قريشًا، غير آل محمد ... وغير بني مروان أهل الفضائل

فقال له الوليد: أراك قد قدمت علينا آل محمد، فقال ابن ميادة: ما أره يجوز غير ذلك، وابن ميادة هذا هو القائل في الوليد أيضًا من قصيدة طويلة:

هممت بقول صادق أن أقوله ... وإني على رغم العداة لقائله

رأيت الوليد بن اليزيد مباركًا ... شديدًا بأعباء الخلافة كاهله

 

لم يقم الوليد في عهده الذي جاوز السنة قليلًا بعملٍ ذي بال، سوى إيجاده الفتنة بين يمن وقيس كما رأينا، كما أوقع الفتن بين يوسف بن عمر، ونصر بن سيار؛ وسبب ذلك أنه وَلَّى نصر بن سيار خراسان كلها، ثم وفد عليه يوسف، فاشترى منه نصرًا وعُماله، فردَّ إليه الوليد خراسان، وكتب يوسف إلى نصر يأمره بالقدوم عليه، فلم يمضِ إليه نصر، ووقعت الفتنة بين الاثنين، ولم يهدئها إلا وصول الخبر بقتل الوليد.

وكان الوليد شاعرًا مجيدًا في الخمر والعتاب، سطا الشعراء على معانيه في هذه الأبواب، كأبي نواس ومسلم بن الوليد وغيرهما من فحول هذه الصناعة.

 

وكانت له جولات في الغزل تدل على سمو خياله ورقة عاطفته، ويظهر أن الناس قد تزيدوا كثيرًا من أخباره، ونسبوا إليه كثيرًا مما لم يقله أو لم يفعله. قال شبيب بن شيبة: كنا جلوسًا عند المهدي، فذكروا الوليد، فقال المهدي: كان زنديقًا.

 

فقام أبو علاثة الفقيه الجليل، وقال: يا أمير المؤمنين! إن الله عز وجل أعدل من أن يولِّي خلافة النبوة وأمر الأمة زنديقًا. لقد أخبرني من كان يشهد في ملاعبه وشربه عنه بمروءات في طهارته وصلاته، وكان إذا حضرت الصلاة يطرح الثياب التي عليها المطايب المصبغة، ثم يتوضأ ويحسن الوضوء، ويؤتى بثياب نظاف بيض فيلبسها ويصلي فيها، فإذا فرغ عاد إلى تلك الثياب فلبسها، واشتغل بشربه ولهوه. فهذا فعال من لا يؤمن بالله؟

 

فقال المهدي: بارك الله عليك يا أبا علاثة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply