حديث عن العبقرية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الحديث عن العلماء مُحبّبٌ إلى النفوس، كيف لا؟ وهي أخبار القوم وأخلاقهم.

ويجمل هذا الحديث إن كان عن إمام كالإمام أبي عبدالله الشافعي، ومما يزيده جمالًا أن كان بقلم أخي الشيخ البحاثة مشاري الشثري وفقه الله.

ونعود إلى ما نحن بصدده.

يعتبر كتاب عبقرية الإمام الشافعي (المَدد والمِداد) للشيخ مشاري الشثري من الدراسات الرصينة والإضافات المهمة للمكتبة الإسلامية.

فالكتاب ليس سيرة سردية للإمام الشافعي فحسب، وإنما عرض مبدع مبتكر لسيرة علم من الأعلام المركزية لهذه الأمة.

وهذا الكتاب وثيقة تاريخية عن تكوين الإمام الشافعي ونافذة نطِلُّ من خلالها على العوامل التي جعلت من الشافعي الشافعي.

وما أجمل الدراسات التي تصحح تصوراتك وتضيف إلى عقلك، فقد كان تصوري لعظمة الإمام الشافعي وعظيم مكانته في الفقه والعلم مجملًا، فغدًا مفصلًا بفضل هذه الدراسة الرصينة.

وقد بيّن المؤلف وفقه الله أن جوهر المقصد من هذا الكتاب (أن يقف القارئ على أحد تمثُّلات العبقرية متشخصة في أحد أعلام التراث، رجاء أن يكون ذلك مُعديًا له، فإن البيئة العلمية المعاصرة أحوجُ ما تكون إلى طلاب علم ذوي اقتدار على الإبداع والابتكار، ليكون لهم إسهام نوعي في واقع العلم المعاصر الذي جمدت فيه عروق الإبداع، وتصلبت شرايينه .. ففي تقريب إبداع الأئمة إلى طلبة العلم تمهيد لإبداع الطلبة إذا ما حاذوهم، واستلهموا عبقريتهم).

وأنا كفيل لك أخي المبارك أنك بعد إنهائك هذا الكتاب ستتجلى لك صورة الشافعي العظيمة، وستعرف لماذا تبوأ هذه المنزلة العلية في تاريخ الإسلام، وأثره الممتد على الفقه الإسلامي خاصة، والمعارف الإسلامية عامة.

فالشافعي من الشخصيات المركزية في تاريخ الإسلام، بل والمعارف الإسلامية كافة، وذلك بتأصيله لمنهج النظر والاستدلال، وتقعيده لمسالك الاجتهاد والتعامل مع نصوص الوحي.

وكتاب العبقرية حصيلة مراجعة فاحصة لكتب الشافعي، وقراءة شاملة لما كتب في تراجم الإمام الشافعي، كان الهدف منها التدسس في أعطاف هذه المواد بغية الكشف عن مكامن الإبداع ومواطن العبقرية في شخصية الشافعي ومشروعه .

وفي رأيي أن الشيخ مشاري أحسن في بيان دعائم هذه العبقرية وكيف تشكّلت وأبرز عواملها، وقد كان هذا نصيب القسم الأول من الكتاب وهو دعائم العبقرية بفصوله السبعة.

ومن الأمور التي لا تخطئها عين الناظر في الشافعي وسيرته؛ أن منهجه عبارة عن خلاصة وزبد المناهج والمدارس التي اتصل بها، وكمّل بها منهجه وطوّر أفكاره.

وجذر عبقرية الشافعي يكمن في الاتصال والانفصال .

اتصال استوعب من خلاله أفكار محيطه العلمي بمختلف مدارسه المعرفية، وهضم هذه الأفكار وأحسن التعامل والتأثر معها على نحو عال من الوعي والنضج. (ولذا فإن كتب الشافعي تعتبر وثيقة تاريخية ليست من جهة الوقوف على فقهه والنظر في حججه فحسب، بل لكونها تبصرك بأصول الأئمة الذين رد عليهم، فقد نثر أقاويلهم الأصولية والفروعية في سياق ردوده عليهم، فكانت معينًا وموردًا ثجاجاً لا ينضب).

وانفصال جعل له فرادته الخاصة، وبصماته العالية وتأثيره الذي جاوز به الزمان والمكان،

وكان هذا نصيب القسم الثاني من هذا الكتاب وعنوانه: اتصال العبقرية وانفصالها.

 

ثم خُتِمت هذا الدراسه بنجاز المَددِ والمِدادِ بأمر لا بد أن يستقر في قلب طالب العلم وشادي العبقرية وهو حسن الصلة بالله والإقبال عليه واستمداد العون والتوفيق منه، ثم ذكر شيئًا من أخبار الشافعي في هذا الباب.

 

وأشير قبل الانصراف إلى أمر جعل لهذا الكتاب فرادة وميزة وهو النقول العالية من بطون كتب التاريخ والتراجم والبلدان وحسن التصرف فيها، واستنطاقها وتحليلها والاستعانة بها في الكشف عن مكامن العبقرية.

ولا أخفيك أخي القارئ أنه بعد إنجازي قراءة هذا الكتاب، وجدت من نفسي شعورًا حثيثًا على معاودة قراءته مرة أخرى.

اللهم ارض عن الإمام الشافعي وارفع درجته في عليين، وارض عن الشيخ مشاري الشثري الذي جلّى لنا شيئا من عبقرية هذا الإمام بأسلوبه العذب وبيانه الجميل، وجعلنا نعيش شيئًا من الأجواء العلمية في تلك الحقبة الزمنية المباركة .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply