وأحسن كما أحسن الله إليك


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسنُ الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} .. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} ..

معاشر المؤمنين الكرام: لقد أخبرَ الله جلّ جلالهُ عبادهُ أنه سيبعثُهم جميعًا في يومٍ لا ريب فيه، وسيجمعُهم في مكانٍ واحد، لا يغادرُ منهم أحدًا .. فتُنشَرُ الصحف، وتعرضُ السجلات، وتوزَنُ الأعمال، وتكشفُ السرائر، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}، فينظرُ كلٌّ منهم لميزانه بإشفاقٍ ووجَل، {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}، يتمنَّى أنه أحسنَ فيما قدَّم .. نعم أيها الكرام: سيأتي ذلك اليوم العصيبُ الرهيب: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} .. {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} .. {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} .. فما مِن أحدٍ إلاَّ وسَيعضُ أصابع الندم، المقصِّرُ, يتحسَّرُ على تقصِيره، {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} .. ويتمنى الرجوعَ لعلهُ يعملُ صالحًا، فيقال له كلَّا .. والمحسنُ, يندَمُ أن لو كان قد ازدادَ إحسانًا ... ولأنَّ الرسولَ الكريم صلوات الله وسلامهُ عليه كان حريصًا كلَّ الحرصِ على مصلحة أُمَّتهِ، فقد أكثرَ من وصاياهُ العظيمةِ لهم، ومن أعظم تلك الوصايا وأجلِّها، ما جاء في حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: "يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"، صححه الألباني.. هذا الدعاء العظيم يا عباد الله: هو طلبٌ لتحقيق مُرادِ اللهِ جلَّ وعلا في قوله: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، وقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}،  فحُسنُ العبادةِ مرتَبَةٌ زائدةٌ على مجرَّد الأداء، وهي التي تبلُغُ بالعبدِ منازلًا عظيمةً من القَبولِ والمغفرةِ وحُسنِ الجزاءِ ..

وايمُ الله يا عباد الله: إنّ الرجلين لينصرِفان من صلاتهِما خلفَ إمامٍ واحدٍ وبَينهما كما بين السماءِ والأرض .. نعم يا عباد الله: قد يتساوَى العابدان في العمل الظاهر، لكنهما يختلِفان كثيرًا في القبولِ والثوابِ، وهذا الاختلافُ الكبير مردُّهُ إلى حِرصِ أحدِهما على تحسِين عبادتهِ وإتمامها، وتقصيرِ الآخرِ فيها وعدمِ الاهتمام بها .. في صحيح مسلِم أنّ عثمانَ بن عفان رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله يقول: "ما مِن امرئٍ مسلم تحضرُه صلاةٌ مكتوبة فيُحسِن وضوءَها وخشوعَها وركوعَها إلاَّ كانت كفّارةً لما قبلَها من الذنوبِ ما لم تُؤتَ كبيرةٌ، وذلك الدهرَ كلَّه" .. وقد أوصى رجلًا أن يُصلِّيَ صلاة مودع؛ يَعني: أن يستشعرَ أنه يُصلي آخرَ صلاةٍ له، وأنهُ لن يُصلي بعدها صلاةً أخرى، مما يَحمِلهُ على إتقانها، وتكميلها، وتحسينها ... ولذلك شُرعَ للمسلم أن يُحسِّنَ ويكمَّلَ عباداتهِ الواجبة، بنوافلَ من جِنسِها، كالسنن الرواتب بالنسبة للصلاة المفروضة، وكصيام الاثنينِ والخميسِ بالنسبة لصوم رمضان، وكالصدقة بالنسبة للزكاة المفروضة، وكنافلة العُمرةِ بالنسبة لفريضة الحج .. فكلُّ ذلك جبرٌ وتحسينٌ وإتمامٌ لما نقَصَ من الفرائض والواجباتِ، كما جاء في الحديث القدسيّ الصحيح: "أنّ الله عزّ وجلّ يقول يومَ القيامة: انظروا هل لعبدي من تطوّع، فيُكمَّلَ بها ما انتقَصَ من الفريضة" ... كما أنَّ مَن إحسانِ العملِ المحافظةِ عليه بعد أداءه، وذلك بتجنُّب ما قد يُبطِلُ ثوابَهُ، أو يُنقصُ جزاءهُ، تأمَّل قولهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}، وفي صحيحِ مسلمٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ قال: أَتَدْرُونَ من المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: المُفْلِسَ مِن أُمَّتي من يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ ... ولذا كان الإحسانُ هو أعلى مراتبِ الدين، وهو أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك .. قال الامام النوويّ رحمه الله تعالى: "هذا من جوامع كلِمهِ ؛ لأنّا لو قدّرنا أنّ أحدَنا قامَ في عبادةٍ وهو يُعايِن ربَّهُ سبحانهُ وتعالى لم يترُك شيئًا ممّا يقدِرُ عليهِ من الخضوعِ والخشوعِ وحُسنِ السَّمتِ واجتماعِه بظاهره وباطنهِ على الاعتناءِ بتتميمها على أحسنِ وجوهِها إلاَّ أتى به" ... إذن فأمرُ النبي لأمته أن ندعو الله بهذا الدعاء، عقِب كلِّ صلاة، أمرٌ هامٌ وعظيم، يحبهُ اللهُ ويُريدهُ من عباده .. وإذا كان الناسُ في أمسِّ الحاجةِ إلى عون اللهِ وتوفيقهِ في كل أمورهم، فكيف بما يُقربهم لمولاهم, ويُكسِبهم رضاهُ ومحبتهُ، ويكفِّرُ عنهم سيئاتهم ويرفعُ درجاتهم .. فحقٌّ على كلِّ مُسلِمٍ يرجو ما عند الله, ويسعى لمرضاته, أن يجتهد في تحسينِ عبادته, فالمحسِنُونَ همُ الفَائِزون بمحبَّةِ اللهِ جلَّ وعلا: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وهمُ السُّعدَاءُ بمعيَّتهِ جلَّ وعلا: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}، وهمُ المنتفِعونَ بآياتِ القُرآنِ العَظيمِ: {الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ}، وهمُ الأقْرَبُ لنَيلِ رَحمةِ ربِّ العالمين: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، وهمُ الأكرمُ على اللهِ: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ}، أجرُهُم محفُوظٌ: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، ولا يَزالونَ مُبشَرِينَ: {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}، ومَوعُودُونَ بالمزيد: {وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ..

ولتحقيق الإحسان في العبادة أسبابٌ كثيرة .. أوَّلُها وأهمها الإخلاصُ .. فالإخلاص هو الأساس، وهو أن يبتغي بعبادته وجه الله تعالى وحده .. قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .. وفي الحديث القدسيّ: قال الله تبارك وتعالى: "أنا أغنى الشّركاء عن الشركِ، من عمِل عملًا أشرك فيه معِيَ غيري تركتُه وشركه" رواه مسلم ... وثانيها دقةُ المتابعةُ للرسول الكريم ، "صلوا كما رأيتموني أصلي"، "خذوا عني مناسككم"، "من عمِل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رد"، والأحاديث كلها صحيحة .. ومن أعظم الأسباب المعينة على تحسين العبادة: الاستعانة بالله جلَّ وعلا وكثرةِ دعاءه، كما جاء في حديث معاذ السابق: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك .... قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "تأمَّلت أنفع الدعاء: فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته" .. وجاء في حديث صحيح: "أتُحبُّون أن تجتهدوا في الدعاء؟ قولوا: اللهمَّ أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك" .. ومن الأمور المعينة كذلك: قراءةُ سِيَرِ وتراجم السلف، لا سيما المجتهدونَ في العبادة منهم، خُصوصًا قبل المواسِم الفاضلة، فهي ترفعُ الهمة، وتقوي العزيمة، وترغِّبُ في الاجتهاد .. بلغنا الله وإياكم رمضان، ونحن في أحسن حال، وأعاننا فيه على إحسان الصيام والقيام، وعلى كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال .. وجعلني الله وإياكم من المحسنين الذين قال عنهم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، وقال عنهم أيضًا: {فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} ..

أقول ما تسمعون ...

 

الحمد لله وكفى ..

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، ومن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة ...

معاشر المؤمنين الكرام: الدِّفاعُ عن الدين والشَرِيعَة، وحفظُ الأمن, ومحاربةِ الفساد والمفسدين في الأرض، فَرْضٌ عَلى الجميع، كل بحسب مكانتهِ واستطاعته، وما ذاك إلا لأنَّ الأَمْنَ أمرٌ ضروريٌ للجميع، ولا يَعْرِفُ قَدْرَهُ وقيمته إلَّا مَنْ اكْتَوى بِنيران فقده، نسأل الله السَّلامةَ لنا ولجميع المسلمين ..

نعم يا عباد الله، ففِي ظِلّ الأَمْنِ تُحْفَظُ النُّفُوسُ, وتُصَانُ الأَعْرَاضُ والأمْوَالُ والممتلكات، ويَسُودُ الْمَعْروفُ, ويضمحل المنكر، وتُعمَرُ المسَاجِدُ, وتقامُ الشعائرُ، ويحْصُلُ الاستِقْرارُ، وتزدهر البلاد، ويطيبُ العيشُ, وتحلو الحياة، ففي الحديث الحسن قال : «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا» ..

وَفِي يَوْمَ النَّحْرِ العظيم, خَطَبَ النَّبِيُّ الكريم فَقَــالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟! قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟! قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟! قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ؛ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَــدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْـلِـغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لَا تَـرْجِعـُوا بَعْــدِي كُفَّـارًا يَضْـرِبُ بَعْضُـكُمْ رِقَـــابَ بَعْضٍ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ  .. وفي صحيح البُخَارِي، قال : (لَا يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَـةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَــمْ يُصِبْ دَمًا حَـرَامًا) ... وفي تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .. يَقُولُ الإمامُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُ عِظَمِ هَذِهِ الجَرِيْمَةِ، عُلِمَ أَنَّ تَطْهِيْرَ الأَرْضِ مِنَ المُفْسِدِينَ، وَتَأْمِينَ السُّبُلِ وَالطُّرُقِ عَنِ القَتْلِ وَأَخْذِ الأَمْوَالِ وَإِخَافَةِ النَّاسِ؛ مِنْ أَعْظَمِ الحَسَنَاتِ وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ، وَأَنَّهُ إِصْلَاحٌ فِي الأَرْضِ، كَمَا أَنَّ ضِدَّهُ إِفْسَادٌ فِي الأَرْضِ ... فلَا تُقْمَعُ الفِتَنُ، وَلَا يُوْقَفُ الظُّلْمُ، وَلَا يُزْجَرُ الظَّالِمِ، وَلَا يَتِمُّ العَدْلُ، وَلَا يَسْتِتْبُ الأَمْنُ؛ إِلَّا بِتَطْبِيقِ شَرْعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَبِقَتْلِ القَاتِلِ تُحْفَظُ الأَنْفُسُ، وَبِجَلْدِ الزَّانِي وَرَجْمِهِ تُحْفَظُ الأَعْرَاضُ، وَبِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ تُحْفَظُ الأَمْوَالُ، وَبِجَلْدِ القَاذِفِ تُكَفُّ الأَلْسِنَةُ الآثِمَةُ، وَبِجَلْدِ شَارِبِ الخَمْرِ تُحَفْظُ العُقُولُ .. فَإِقَامَةُ الحُدُودِ صَلَاحٌ لِلْعِبَادِ والبلاد، ومَطْهَرَةٌ لِلْأَرْضِ مِنَ الفَسَادِ .. جاء في حديث حسنه الامام الألباني، قال : "حدٌّ يَعملُ بِهِ في الأرضِ، خيرٌ لأَهْلِ الأرضِ من أن يُمطَروا أربَعينَ صباحًا" ... وفي قول الحقِّ جلَّ وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} .. نعلم يقينًا أن الاعتصامَ بحبلِ اللهِ جميعًا، والتمسكَ بكتابِ اللهِ وسنةَ رسولهِ ، وتطبيقَ شرع الله تعالى، هو السبيلُ الوحيدُ الذي يجمعُ الأمَّةَ على الحقِّ، ويوحِّدُ الكلمةَ، ويُقوِّي اللُّحْمةَ، ويقطعُ الطريقَ على الأعداءِ المتربصين بالأمن والاستقرار .. نسألُ الله تعالى أن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يردَّ كيدَ الكائدينَ في نحورهم ..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply