انعدام صفة النقدية والثمنية في العملات الرقمية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

سنناقش الاعتراض الثاني على العملات الرقمية وهو عدم تحليها بصفة النقدية والثمنية، يقول المعارضون الأفاضل للعملات الرقمية أن هذه العملات لا تتمتع بصفة النقدية ولا بصفة الثمنية، وسنبين هذا الأمر في المقال التالي.

 

بدايةً فإن مسألة تحقق صفة النقدية، هذه عبر الأزمان لم تتحقق لشيء إلا للذهب والفضة، ذلك أن الذهب والفضة لها قيمتان، قيمة سلعية وقيمة نقدية. القيمة النقدية مستمدة من قيمتها السلعية، وبالتالي من غير الممكن أن تفقد قيمتها، الذهب والفضة من غير الممكن فقدانهما لقيمتهما، لأن قيمتهما كنقد مستمد من قيمتهما كسلعة.

أما ما دون ذلك من العملات الورقية التي يتم تداولها وغير ذلك، فهذه حقيقةً لا تعد نقودًا وإنما نقول عنها نقود مجازًا، فهي لم تحز صفة النقدية وإنما هي عملات.. لماذا؟ لأنها ليست لها قيمة سلعية، هي مجرد أوراق وقيمتها النقدية لا تستمد من قيمتها الذاتية. قيمتها الذاتية مجرد ورق، فكيف ستستمد قيمتها من الورق!

إذن نحن نطلق على العملات كالدولار والعملات الورقية أنها نقود مجازًا لعدم تحقق صفة النقدية لا فيها ولا في غيرها، إلا في الذهب والفضة، لذلك طالما أجزنا هذا الأمر في العملات الورقية فنحن نقوم بجوازه في غيرها من الأشكال كالعملات الرقمية اليوم.

هذا بخصوص الاعتراض الأول بعدم نقدية العملات الرقمية، أما الاعتراض الثانية هو عدم ثمنية العملات الرقمية، بمعنى هل حازت هذه العملات صفة الثمنية، أي أن تكون ثمنًا لما سواها تقوّم به وتستبدل به وتكون كوسيط للدفع كثمن؟ هذه العملات لم تتحقق فيها هذه الصفة، هذا هو الاعتراض.

صفة الثمنية لا بد من تحققها في العملات لتقوم بدورها، ولتحقق هذا الأمر في أي نوع من الأموال لا بد من حصول القبول له عرفًا، يعني كي يقبل الناس التعامل به كثمن، هذا معنا حصول القبول له عرفًا، لكن ليس الأمر في الشرعية الإسلامية محصور في نوع من الموجودات، أنه هذا هو فقط الذي يكون ثمنًا لما دونه من الأشياء، لا.. الأمر متروك للعرف ليحدده.

القبول العام عرفًا.. نظر هل تحقق للعملات الرقمية، طبعًا قائل سيقول لا طبعًا لم يتحقق فإننا نمشي في الشوارع لا نتعامل بالعملات الرقمية بل بالعملات الورقية ولو قدمنا لمحل وطلبنا بيعه لشيء من الأشياء بالعملات الرقمية سيرفض البيع، طبعًا يا أخوة العملات الرقمية عملات دولية، لا يمكن قياس القبول العام الخاص بها على القبول العام للعملات المحلية، بمعنى أن يقاس القبول العام لهذه العملات من خلال النظر إلى حجم الانتشار الدولي لها، بمعنى أنك اليوم لو جُلت العالم شرقًا وغربًا ستجد في كل بلد من يقبل بهذه العملات الرقمية، في كل بلد في هذه الأرض ستجد من يقبل بها، لا نقول أن كل من في البلد سيقبل بها، لكنك ستجد من يقبل بها، فضلًا عن أن كثيرًا من الشركات الكبرى عالميًا والتي تعمل على نطاق دولي تقبل الدفع بهذه العملات، فلو أنك في بلدك واشتريت بضائع من أمريكا أو الصين أو اليابان، اليوم بإمكانك الدفع عبر هذه العملات عند كثير من الشركات، بل إن بعض الشركات ميزانياتها تكافئ دول مجتمعة، إذن قياس القبول العام للعملات الرقمية لا يمكن قياسه من خلال اعتراض دولة هنا أو دولة هناك، لا.. يعرف القبول العام لها بحجم انتشارها دوليًا لأنها عملة دولية وليست عملة محلية، هذا الأمر باعتقادي؛ مسألة الثمنية والقبول العام تحقق للعملات الرقمية بل بدأ بالتحقق بسرعة فائقة فاقت التوقعات.

إذن بالنسبة لمسألة النقدية والثمنية هذان الاعتراضان لا ينطبقان على العملات الرقمية والله تعالى أعلى وأعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply