بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذا المقال سيناقش بإذن الله تعالى الاعتراض الثالث من الأخوة المعارضين للعملات الرقمية، وهي المسألة المتعلقة بعدم ثبات قيمة هذه العملات، وبالتالي فإنها لا تصلح لكي تقوّم بها الأشياء، فبدون ثبات القيمة لا يمكن لهذا الأمر أن يتم، فمثلًا أردت أن تشتري سلعةً ما ولتكن موبايل، كيف ستقيم سعره بالبيتكوين وسعره متقلب بانخفاضٍ وارتفاع، وعليه فإن هذا التقلب في السعر يفقدها صفة العملات، هذا هو الاعتراض باختصار.
هنا يوجد رد على هذا الكلام، وهذا الرد نابع من التصور الحقيقي لهذه العملات، العملات الرقمية الغير ثابتة القيمة، هي عملات عالمية وليست محلية، لكن لا يتعامل معها إلا كعملات مساعدة للعملات المحلية، في هذا الظرف يتعامل معها كعملات مساعدة للعملات المحلية، أو للعملات الدولية الأخرى كالدولار، وتستخدم للقيام ببعض المهام التي يصعب القيام بها بالعملات الورقية المتداولة في بعض الأحيان، مثلًا أن تحويل الأموال في أوقات الأزمات الاقتصادية حيث يحظر تحويل الأموال من البلد الذي أنت فيه، فيتم تحويل الأموال بوساطة البيتكوين، كما حدث في لبنان مثلًا، من استعمالاته الحفاظ على السرية، السيادة الشخصية على المال، بل حتى الاستثمار على المدى البعيد.
جميع هذه الأمور المذكورة لاستعمالات العملات الرقمية لا تحتاج إلى صفة الثبات، بل إن الواقع المعمول به يشهد بذلك، لأنه من النادر بل لعله من المستحيل أن نجد شخص يتملك البيتكوين ثم ينفقها على الطعام والشراب، الناس لا تشتري البيتكوين لكي تقوّم به الأشياء وتشتري به الطعام والشراب، إنما من يتملكه فهو لأجل استخدامه في تحويل الأموال والحفاظ على سرية الثروات والاستثمار، بل صارت العملات الرقمية علامة لهذه الأمور، وإن استمر استخدام العملات الرقمية كعملات مساعدة بهذا الشكل، فإنها لن تحتاج أصلًا لمسألة الثبات، لأنها غير مسؤولة عن تقييم الأشياء، هذه مهمة العملة الرئيسية في بلد المعاملة، العملات المحلية هي التي تقوّم بها الأشياء، وعند الدفع يكون البيتكوين وسيلة دفع إن شئت تدفع به، بل إننا لو نظرنا إلى العملات الورقية المتداولة اليوم، هل سنجد هذه العملات تتحلى بصفة الثبات أو بعبارةٍ أخرى لو نظرنا إلى كثير من العملات اليوم سنجد أنها تتقلب بشكل رهيب، بعضها فقد 30% و40% خلال شهر وشهرين، الليرة التركية ليست علينا ببعيد، الليرة اللبنانية وصلت إلى مستويات قياسية، الليرة السورية، الدينار العراقي، الجينه السوداني، الجنيه المصري، تقلبات 100% و150% و600% ولم يقل أحد أنها فقدت صفة العملة، رغم هذا التقلب الشديد في أسعارها.
الاستقرار هو وصف كفاءة وليس شرطًا في العملة، كلما كانت العملة مستقرة هذا يدل على كفاءتها، هذا في حال كانت عملة محلية تتداول في الاستخدام اليومي، لكن عندما نتكلم على عملة مساعدة، عملة دولية مساعدة، هذه لا تحتاج أصلًا إلى صفة الثبات.
أيضًا لو أننا أردنا اختبار أي عملة عالمية ولتكن الدولار، من خلال مثلًا استخدام الدولار في شراء بعض السلع في بلد آخر غير أمركيا، سنجد غالبًا أن العملية ستتم بالعملة المحلية، أي استخدام الدولار لشراء أشياء من مصر، ستتم العملية بالعملة المحلية بالجنيه المصري، ثم يقوم البائع بتحويل القيمة إلى الدولار كي تتمكن أنت من الدفع، وهكذا أصبحت عملية صرف مستقلة عن عملية البيع، إذن تقييم الأشياء تم بالعملة المحلية والدولار هو كان عملة للدفع فقط، الشاهد في هذا المثال أن العملات اليوم وحتى العالمية كالدولار، يحتاج بعضها إلى بعض للقيام بكامل مهام النقد، دائمًا العملات هذه ليست نقد، لو معك دنانير ذهبية فادينار الذهبي تستطيع صرفه في تونس والجزائر وأمريكا وروسيا، ولكن ما معنا هو عملات، ستقيم السلع بعملة البلد الذي أنت فيه، وإذا أردت أن تدفع عليك الدفع بعملة البلد أو العملات الأخرى وغالبًا ستكون العملة العالمية، وهي ما سيكون مقبول بجوار العملة الرئيسية في ذلك البلد.
ولو أننا فرضنا أن جميع العملات الرقمية -الكلام هنا مهم- وصلت إلى قيمة ثابتة، وممكن تصور ذلك من خلال النظر إلى العملات الرقمية ذات القيمة الثابتة والانتشار والقبول الواسع -TEATHER USDT- عملة ثابتة ولها قبول واسع وقيمة ثابتة، لنفرض أن كل العملات أصبحت بهذا الشكل، عند الشراء بوساطتها ستقيم أيضًا مشترياتك بالعملة المحلية ومن ثم تقوم بصرف المبلغ بالTEATHER شأنها في ذلك شأن الدولار في غير بلده، يعني نفس الحالة السابقة في اختبار الدولار.
هذا هو واقع النقود في عصرنا الحاضر، نحن اليوم أمام عملة جديدة، لها استخداماتها الخاصة، أسلوب عملها الخاص وشكلها الخاص، لا يمكن بحال أن نطلب منها أن تحقق كافة مهام الذهب والفضة والعملات الورقية كي نحكم أنها عملات معتبرة شرعًا، لكن الصواب هو النظر إلى ما حققته هذه العملات حتى الآن ونحكم عليه، وما حققته هو العمل بجدارة كعملة عالمية مساعدة، هذا الذي استطعت تحقيقه إلى حد الآن وهو كافي للحكم عليها بأنها عملة عالمية مساعدة، وهذا الأمر لا يحتاج إلى ثبات القيمة كما بينّا من خلال هذا المقال والله تعالى أعلى وأعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد