بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الله جل جلاله كريم، رحيم بعباده، يجيب دعائهم، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله، فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار. وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: هل يجيب المضطر الذي أقلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب، واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده؟ ومن يكشف السوء أي البلاء والشر والنقمة إلا الله وحده.؟
فيا سعادة من كان دعاء الله عز وجل عبادة دائمة له، لا يفتر عنها في ليل أو نهار، فهي عبادة يسيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الدعاء هو العبادة )) [أخرجه أبو داود والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح] وقد الله الكريم بإجابة من دعائه، فقال الله عز وجل: : ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر:60]
للسلف أقوال في الدعاء، جمعت بفضل الله وكرمه بعضًا منها، أسأل الله الكريم أن ينفعني والجميع بها.
• الإلحاح والاجتهاد في الدعاء:
** قال سفيان: الإلحاحُ لا يصلح ولا يجملُ إلا على الله عز وجل.
**قال الأوزاعي رحمه الله: كان يُقال: أفضلُ الدعاء الإلحاحُ على الله والتضرعُ فيه.
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: قالوا: إن الله يحب أن يسأل، ولذلك أمر عباده أن يسألوه من فضله، وقالوا: لا يصلح الإلحاح على أحد إلا الله عز وجل.
• من أسباب إجابة الدعاء:
** قال سهل بن عبدالله التستري: شروط الدعاء سبعة: التضرع، والخوف، والرجاء، والمداومة، والخشوع، والعموم، وأكل الحلال.
** قال مورق العجلي دعوت ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضها لي ولم أيأس منها
** قال سفيان الثوري: ترك الذنوب هو الدعاء.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: إذا جمع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادق وقتًا من أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تنقضي الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يدي الرب، وذلًا له، وتضرعًا ورقةً، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله، وألحّ عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يُردّ أبدًا، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم.
** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: من دعا ربه بقلب حاضر ودعاء مشروع ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء كأكل الحرام ونحوه فإن الله قد وعده بالإجابة وخصوصًا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية والإيمان به.
وقال: الإقبال على الدعاء....وإحضار له بقلبه، وعدم غفلة، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.
** قال العلامة عبدالله بن محمد ابن حميد رحمه الله: من علامات الإجابة: أن يوفقك الله للدعاء ولكن الدعاء لا يكون من طرف اللسان بل لا بُدَّ أن يصدر من صميم القلب، فإذا صدر من صميم القلب، من قلب حيّ مقبلٍ على خالقه وباريه فالله لا يخيب دعاءه ولا يرده. بل إما أنه يعطيك سؤلك، ويجيب دعاءك، أو أن يدخر دعاءك هذا في الآخرة، أو يصرف عنك من البلاء ببركة دعائك ما لا تعلمه.
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: ينبغي للعباد أن تنكسر قلوبهم بين يدي الله عز وجل، وأن تخضع وتذل جوارحهم بين يده سبحانه، وأن يكثروا من دعائه.
• نعمة أن ألا يستجاب للعبد عاجلًا حتى يكثر من الدعاء والتضرع:
** قال سفيان الثوري: لقد أنعم على عبد في حاجة أكثر تضرعه إليه فيها.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال بعض الشيوخ إنه ليكون لي إلى الله حاجة فأدعوه فيفتح لي من لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحبُّ معه أن يعجل قضاء حاجتي خشية أن تنصرف نفسي عن ذلك لأن النفس لا تريد إلا حظها فإذا قضي انصرفت. وقال بعض السلف يا ابن آدم بورك لك في حاجة أكثرت فيها من قرع باب سيدك
• أسرع الدعاء إجابة:
قال سلمة بن دينار: أسرع الدعاء إجابة: دعاء المحسن للمحسنين.
• الاجتهاد في الدعاء:
قال الحسن: كانوا يجتهدون في الدعاء، ولا تسمع إلا همسًا.
• الاعتداء في الدعاء:
** قال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت والنداء بالدعاء والصياح.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الاعتداءُ في الدعاء تارةً بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المُحرمات، وتارةً بأن يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو يسأله أن يُطلعه على غيبه، أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدًا من غير زوجة ولا أمةٍ، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء، فكل سؤال يُناقضُ حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحبُّ سائله، وفسر الاعتداء برفع الصوت أيضًا في الدعاء، قال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت والنداء بالدعاء والصياح.
ومن العدوان أن يدعو ربه غير متضرع بل دعاء مُدلِّ، كالمستغني بما عنده المُدل على ربه به وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فما لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد.
** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: الاعتداء في الدعاء يقع بزيادة الرفع فوق الحاجة، أو بطلب ما يستحيل حصوله شرعًا، أو بطلب معصية، أو يدعو بما لم يؤثر، خصوصًا ما وردت كراهته كالسجع المتكلف، وترك المأمور.
• الدعاء ولو كان الإنسان مقصرًا في طاعة الله، مرتكبًا للذنوب:
قال سفينان بن عيينه: لا يمنعن أحد من الدعاء ما يعلمه من نفسه، فإن الله قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس: ﴿قالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ [الحجر:36_37]
• الدعاء في زمن الرخاء:
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ادع الله تعالى في يوم سرائك لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك.
• الدعاء للإمام المسلمين بالصلاح:
قال الفضيل بن عياض: لو كانت لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا في الإمام،...ففيه إصلاح العباد والبلاد.
• الدعاء للذرية:
** قال مالك بن مقول: اشتكى أبو معشر ابنه إلى طلحة بن مصرف، فقال: استعن عليه بهذه الآية: ﴿ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأحقاف/15]
** قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: ﴿ وأصلح لي ذريتي﴾ دعا لذريته أن يصلح الله أحوالهم وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله: ﴿ وأصلح لي﴾
• دعاء من أعظم الجوائز:
قال الحسن: لما ورد البشير على يعقوب، لم يجد عنده شيئًا يثيبه به، فقال: والله ما أصبتُ عندنا شيئًا، وما خبزنا شيئًا منذ سبع ليال، ولكن هوّن الله عليك سكرات الموت. قلت [القائل الإمام القرطبي] : وهذا الدعاء من أعظم ما يكون من الجوائز، ومن أفضل العطايا والذخائر.
• الدعاء للزوجين بالخير والبركة:
قال الإمام النووي رحمه الله: استحباب الدعاء بالخير والبركة لكل واحد من الزوجين.
• فوائد إخفاء الدعاء:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: في إخفاء الدعاء فوائد عديدة:
أحدها: أنه أعظم إيمانًا، لأن صاحبه يعلم أن الله تعالى يسمعُ دعاءه الخفيَّ.
ثانيها: أنه أعظم في الأدب والتعظيم، ولهذا لا تخاطب الملوك ولا تُسألُ برفع الأصوات، وإنما تخفض عندهم الأصوات، ويخفى عندهم الكلام بمقدار ما يسمعوه.
ثالثها: أنه أبلغُ في التضرع والخُشوع الذي هو رُوح الدعاء ولُبُّهُ ومقصوده.
رابعها: أنه أبلغُ في الإخلاص.
خامسها: أنه أبلغُ في جمعية القلب على الله تعالى في الدعاء، فإن رفع الصوت يفرقه.
سادسها: وهو من النكت السرية البديعة جدًا، أنه دال على قرب صاحبه من الله،...فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد.
سابعها: أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال، فإن اللسان لا يملُّ والجوارح لا تتعب
ثامنها: أن إخفاء الدعاء أبعد من القواطع والمشوشات والمضعفات فإن الداعي إذا أخفى دعاءه لم يدر به أحد...وإذا جهر به تفطنت له الأرواح الشريرة والباطولية والخبيثة من الجن والإنس فشوشت عليه ولا بد، ومانعته وعارضته.
تاسعها: أعظم النعم الإقبال على الله والتعبد له والانقطاع إليه والتبتلُ إليه ولكل نعمة حاسد على قدرها دقَّت أو جلَّت، ولا نعمة أعظم من هذه النعمة...وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد.
عاشرها: أن الدعاء هو ذكر للمدعو سبحانه،....فهو ذكر وزيادة...وقد قال تعالى: ﴿ وَاذكُر رَبَّكَ في نَفسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً وَدونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ ﴾ [الأعراف/205] فأمر نبيه أن يذكره في نفسه.
• أنفع الدعاء سؤال الله العون على مرضاته:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه: تأملت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في ﴿ إيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
• مقام الدعاء مع البلاء:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وله مع البلاء ثلاث مقامات: أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه. الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه، وإن كان ضعيفًا. الثالث: أن يتقاوما، ويمنع كل واحد منهما صاحبه. ومن أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء.
• عدم الاعتراض في حالة عدم الإجابة
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: من دعا فلم ير أثر الإجابة لم يختلج قلبه اعتراض لأنه مملوك مدبر.
• الدعاء للمحسن:
قال الإمام النووي رحمه الله: الدعاء لمن فعل خيرًا أو طاعة سواء تعلقت بالداعي أم لا....والدعاء للمحسن، والخادم، ولمن سيفعل خيرًا
ويستحب لمن صُنِعَ إليه معروف أن يدعو لفاعله.
• دعاء لابن عباس رضي الله عنهما عند شربه لماء زمزم:
كان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وشفاء من كل داء.
• عدم الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا:
قال الإمام النووي رحمه الله: النهي عن الدعاء بتعجيل العقوبة.
• الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة فيهما:
قال الإمام النووي رحمه الله: جواز الدعاء بكثرة المال، والولد، مع البركة فيهما.
• العدل والإنصاف في الدعاء على المعتدي:
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: من أعجب العجب أن سعدًا مع كون هذا الرجل واجهة بهذا وأغضبه، حتى دعا عليه في حال غضبه، راعى العدل والإنصاف في الدعاء عليه، إذ علقه بشرط أن يكون كاذبًا، وأن يكون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي.
• الدعاء بالثبات على الدين وحسن الخاتمة:
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: الأقدار غالبة، والعاقبة غائبة، فلا ينبغي لأحد أن يغتر بظاهر الحال، ومن ثم شرع الدعاء بالثبات على الدين، وبحسن الخاتمة.
• الدعاء عبادة سهلة ميسورة:
قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: والدعاء عبادة سهلة، ميسورة، مطلقة غير مقيدة أصلًا بمكان ولا زمان ولا حال.
• الدعاء بالمأثور:
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: أعظم ما يكون من الدعاء الذي يستعمله المؤمنون هو الدعاء المأثور، لأن فيه من المعاني البلاغية، والمعاني الشرعية ما يعجز الناس من إنشاء دعاءٍ يكون شاملًا قويًا عامًا بليغًا مثل الأدعية في الكتاب والسنة.
• قصد التقرب إلى الله عز وجل بالدعاء:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: مما ينبغي لمن دعا ربه في حصول مطلوب أو دفع مرهوب: أن لا يقتصر في قصده ونيته في حصول مطلوبه الذي دعا لأجله، بل يقصد بدعائه التقرب إلى الله بالدعاء، وعبادته التي هي أعلى الغايات، فيكون على يقين من نفع دعائه، وأن الدعاء مخ العبادة وخلاصتها، فإنه يجذب القلب إلى الله، وتلجئه حاجته للخضوع والتقرب لله الذي هو المقصود الأعظم في العبادة، ومن كان هذا قصده في دعائه التقرب إلى الله بالدعاء وحصول مطلوبه، فهو أكمل بكثير ممن لا يقصد إلا حصول مطلوبه فقط، كجال أكثر الناس، فإن هذا نقص وحرمان لهذا الفضل العظيم، ولمثل هذا فليتنافس المتنافسون، وهذا من ثمرات العلم النافع، فإن الجهل منع الخلق الكثير من مقاصد جليلة ووسائل جميلة، لو عرفوها لقصدوها، ولو شعروا بها لتوسلوا إليها. والله الموفق.
• الدعاء بتلف المال على من كان ماله سبب طغيانه:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الدعاء بتلف مال من كان ماله سبب طغيانه وكفره وخسرانه، خصوصًا إن فضّل نفسه بسببه على المؤمنين، وفخر عليهم.
• الفرق بين الدعاء والاستغاثة:
قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين رحمه الله: أن الدعاء يكون من المكروب، ومن غير المكروب والاستغاثة: لا تكون إلا من المكروب.
والمكروب: هو الذي وقع في شدة وضيق، وحرج ومشقة، فإذا دعا والحال هذه فإن دعاءه يسمى: استغاثة.
• من آداب الدعاء:
** قال الإمام النووي رحمه الله: فيه استحباب ابتداء الإنسان بنفسه في الدعاء.
** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: قوله: السلام علينا، استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء.
** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: استحباب الدعاء ثلاثًا
**قال العلامة السعدي رحمه الله: من آداب الدعاء: الإخلاص فيه لله وحده إخفاؤه وإسراره، أن يكون القلب خائفًا طامعًا، لا غافلًا، ولا أمنًا، ولا غير مبال بالإجابة.
• تأخير إجابة الدعاء:
** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: رأيت من البلاء العجاب أن المؤمن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء وتطول المدة، ولا يرى أثرًا للإجابة، فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر.
وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب.
ولقد عَرَض لي من هذا الجنس، فإنه نزلت بي نازلة فدعوتُ وبالغتُ فلم أر الإجابة، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده.
فقلت له: إخسأ، يا لعين،...ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياك...ووسوسته، فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك...في محاربة العدو لكفى في الحكمة.
** قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: اعلم أنه سبحانه وتعالى حكيم عليم، قد يؤخر الإجابة لمدة طويلة كما أخر إجابة يعقوب في رد ابنه يوسف عليه وهو نبي عليه الصلاة والسلام...ومكث يوسف في السجن بضع سنين، والداعي نبي كريم، هو يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام.
• أسباب عدم إجابة الدعاء وتأخرها:
** قيل لإبراهيم بن أدهم: ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟ قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نِعم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الموتى فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس
** قال يحيى بن معاذ: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقاتها بالذنوب.
** عن مالك بن دينار قال: بلغنا أن بني إسرائيل خرجوا يدعون، فقيل لهم: يا بني إسرائيل تدعونه بألسنتكم وقلوبكم بعيدة ؟! باطل ما ترهبون.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل ويستبطئ الإجابة، فيتحسر، ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذرًا، أو غرس غرسًا، فجعل يتعاهده، ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه، تركه وأهمله. وفي صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوتُ، فلم يستجب لي ))
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: عدم إجابة دعاء العبد بسبب أفعال العبد، ...التوسع في الحرام أكلًا وشربًا ولبسًا وتغذيةً يُعدُّ من موانع إجابة الدعاء. وقد دلت نصوص أخرى على أن هناك أسبابًا أخرى لمنع إجابة الدعاء، منها: التوسع في المعاصي. ومنها أيضًا ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولذلك ينبغي للعباد أن يحرصوا على جلب أسباب إجابة الدعاء، ودفع موانع إجابة الدعاء.
** قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: عليك أيها السائل وعلى كل مسلم ومسلمة، إذا تأخرت الإجابة أن ترجع إلى نفسك، وأن تحاسبها، فإن الله حكيم عليم، قد يؤخر الإجابة لحكمة بالغة، ليكثر دعاء العبد لخالقه، وانكساره بين يديه، وذله لعظمته، وإلحاحه في طلب حاجته، وكثرة تضرعه إليه، وخشوعه بين يديه، ليحصل له من الخير العظيم والفوائد الكثيرة، وصلاح القلب والإقبال على ربه، ما هو أعظم من حاجته، وأنفع له منها.
وقد يؤجلها سبحانه وتعالى لأسباب أخرى، منها: ما أنت متلبس به من المعاصي: كأكل الحرام، وعقوق الوالدين، وغير ذلك من أنواع المعاصي. فيجب على الداعي أن يحاسب نفسه، وأن يبادر إلى التوبة رجاء أن يتقبل الله توبته، ويجب دعوته.
**قيل لجعفر بن محمد إنا ندعو الله فلا نرى الإجابة قال لأنكم تدعون من لا تعرفون
• الدعاء للشخص دليل على محبته:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الدعاء للشخص من أدل الدلائل على محبته، لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه.
• الدعاء والبركة في الوقت:
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: المتقدمون بارك الله عز وجل لهم في أوقاتهم ولا شك أن هذا له أسباب، وأظن أن أعظم تلك الأسباب هو إخلاصهم لله عز وجل، وكثرة الرغب والدعاء إلى الله عز وجل بالمباركة.
الدعاء عبادة وخير:
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: الدعاء خير كله، وعبادة وحسن عمل، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
• الدعاء على الكفار قد يكون من الإحسان إليهم:
قال الشيخ الشثري: الدعاء على الكفار إذا كان المرء محسنًا بهم إليه فهو مشروع، وذلك أنه إذا كان هناك من يصد عن دين الله، فتدعو الله بأن يبعد عنه قوته وقدرته ولا يمكنه من الاستمرار في إضلال الخلق، فهذا من الإحسان إليه مع أنه دعاء عليه فقد تدعو عليه بالموت من باب الإحسان إليه حتى لا يستمر في كفره ومضادته لله
• حكم وأسرار في عدم استجابة الدعاء:
قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: دعوات الأنبياء وغير الأنبياء قد تستجاب لما فيها من المصالح العظيمة، وقد لا تستجاب لحكمة بالغة أرادها الله سبحانه وتعالى، فليس كل دعوة من الأنبياء وغيرهم تستجاب أبدًا وإن كان الأنبياء أولى الناس بالاستجابة، وأحقهم بالاستجابة لفضلهم وتقدمهم على غيرهم بالعلم والعمل ولكن ربك حكيم عليم جل وعلا فهو أحكم وأعلم سبحانه وتعالى، فهو أعلم بأحوال عباده، فقد تكون الدعوة محل استجابة لحكم وأسرار، وقد تكون ليست محل الإجابة لحكم وأسرار خفيت على من دعا.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية، وسُهيل بن عمرو والحارث بن هشام، فنزلت: ﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ [آل عمران:128]
وفي هذا دلالة على أنه وإن كان هو رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن دعوته قد تستجاب وقد لا تستجاب، لأن الله حكيم عليم سبحانه وتعالى، فهو أعلم بأحوال عباه، فقد يستجيب دعاءه، وينجز له ما طلبه، وقد لا يستجيب دعاءه لحكمة بالغة كما هنا، فقد دعا عليهم عليه الصلاة والسلام ولم يستجب له فيهم، بل هداهم الله وأسلموا رضي الله عنهم وأرضاهم.
• البسط في الدعاء، وفوائده:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: مقام الدعاء يقتضى البسط، لأمور:
الأول: -وهو أهمها لمن فتح الله قلبه- التلذُّذ بمناجاة الله عز وجل، لأن كل واحد منَّا لو كان له صديق محبوب إليه فإنه يحب أن يبسط ويُكثر معه القول، وإذا جلس إليه وقاما يتحدثان تمضى الساعات الطويلة وكأنها دقائق.
الأمر الثاني: أن الدعاء عبادة، وكلما كررت ازددت لله تعبدًا، فيزداد أجرك بازدياد جمل الدعاء
الأمر الثالث: أن البسط والتفصيل يُوجب تذكُّر الإنسان كل هذه الأنواع التي بسطها وبيَّنها وفصَّلها، واستحضار الإنسان لذنوبه تفصيلًا أكمل في التوبة، لأن التوبة المُجملة لا تستوعب جميع الذنوب استحضارًا وإن كانت تستوعبها لفظًا ومدلولًا، فمثلًا: لو قال الإنسان: اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه، وهو قد فعل ذنوبًا قد تكون أكبر مما يتصوره الآن، لكن غابت عن باله، فإذا ذكر وفصَّل كان هذا أبلغ في التوبة، لأن الدلالة على تعين الأفراد أقوى من الدلالة على العموم.
وقال رحمه الله: وانظر إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (اللهم اغفر لي ذنبي كُلَّهُ، دقَّهُ وجلَّهُ، علانيتهُ وسرَّهُ، وأولهُ وآخرهُ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرتُ، وما أعلنت وما أسررت، وما أنت أعلمُ به منِّي) يكفى عن هذا كله أن يقول: اللهم اغفر ذنبي، لكن البسط له تأثير على القلب.
الدعاء والعمل:
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: روى عن بعض التابعين أنه كان يقول: الداعي بلا عمل، كالرامي بلا وتر.
• من منافع وفوائد الدعاء:
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الدعاء...من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره، إما لضعف في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء،...وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، والظلم، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها.
** قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: الدعاء أكرم شيء على الله سبحانه، وهو طريق إلى الصبر في سبيل الله، وصدق في اللجأ، وتفويض الأمور إليه، والتوكل عليه، وبُعدٍ عن العجز والكسل، وتنعم بلذة المناجاة لله، فيزداد إيمان الداعي ويقوى يقينه، والله سبحانه يحب من عبده أن يسأله
وملازمة الدعاء، أخذ بأسباب دفع البلاء، ودفع الشقاء....وكم من بلاء رُدّ بسبب الدعاء، فكم من بلية ومحنة رفعها الله تعالى بالدعاء، ومصيبة كشفها بالدعاء، وذنب ومعصية غفرها الله بالدعاء، فهو حرز للنفس من الشيطان
وكم من رحمة ونعمة ظاهرة وباطنة استُجلبت بسبب الدعاء، من نصر وعز وتمكين ورفع درجات في الدنيا والآخرة، فلله ما أعظم شأن الدعاء، وأعظم فضل الله ونعمته على عباده به.
ولا يغيب عن بال الداعي أنه يحصل بسبب الدعاء: سكينة في النفس، وانشراحًا في الصدر، وصبرًا يسهل معه احتمال الواردات عليه، وهذا نوع عظيم من أنواع الاستجابة.
• دعوات الداعي لا تضيع عليه:
** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: في الحديث: ما من مسلم دعا الله تعالى إلا أجابه، فإما أن يعجلها، وإما أن يؤخرها، وأما أن يدخرها له في الآخرة، فإذا رأى يوم القيامة أن ما أجيب فيه قد ذهب، وما لم يجب فيه قد بقي ثوابه، قال: ليتك لم تجب لي دعوة قط.
** قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: هذا الحديث: (ما من مسلم يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يُصرف عنه من السوء مثلها) قالوا: يا رسول الله إذا نكثر، قال: (اللهُ أكثر)
هذا الحديث حديث عظيم جليل وهو صحيح، وهو يدل على أن دعوات الداعي لا تضيع عليه، بل هو على خير، فإما أن تعجل له الدعوة في الدنيا ويعطى مطلوبه، وإما أن تدخر له في الآخرة، ن ذلك أنفع له، والله أعلم بمصالح عباده، وهو أعلم بأحوالهم سبحانه وتعالى، وهو أعلم بما يصلحهم، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك، أشياء وقاه الله شرها بسبب دعواته.
الدعاء ذل وخضوع:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من أنواع العبادات التي يظهر فيها الذلُّ والخضوع لله عز وجل: الدعاء. قال الله عز وجل: (ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً)[الأعراف:55] وقال:عز وجل: ( إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90]
إظهار الذل والانكسار في الدعاء:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: افتقار القلب في الدعاء وانكساره لله عز وجل، واستشعار الفاقة إليه والحاجة. وفي المسند والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يستجيب دعاء من قلبٍ غافلٍ لاه)
وإظهار الذل باللسان في نفس السؤال والدعاء والإلحاحُ فيه.
الدعاء المسموع:
قال ابن مسعود رضي الله عنه: لكل شيء ثمرة، وثمرة الصلاة الدعاء، وقال أيضًا: لا يسمع الله دعاء مسمع، ولا مراء، ولا لاعب.
الذي يؤمن على الدعاء يكون شريكًا للداعي:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: قال لله تعالى: ﴿ قد أجيبت دعوتكما ﴾ هذا دليل على أن موسى كان يدعو، وهارون يُؤمّن على دعائه، وأن الذي يؤمن يكون شريكًا للداعي في ذلك الدعاء.
المواظبة على الدعاء:
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: روى أبو معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه كان يواظب على حزبه من الدعاء كما يواظب على حزبه من القرآن.
إجابة الدعاء لأهل الإيمان، ولو مرة في عمره:
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: لكل نبي دعوات مستجابات، ولغير الأنبياء أيضًا دعوات مستجابات، وما يكاد أحد من أهل الإيمان يخلو من أن تجب دعوته، ولو مرة في عمره، فإن الله عز وجل يقول: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر:60].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد