من أقوال السلف في الغضب


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

هناك من الناس من يغضب لنفسه، ولأقل الأسباب، وهذا الصنف منن الناس على خطر عظيم، لأنه قد يفعل أمورًا، أو يقول أقوالًا، في حال غضبه، يندم عليها بعد ذلك، ولهذا حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب، وقال للرجل الذي جاء إليه، وقال له: أوصني فقال له: (( لا تغضب )) فردد مرارًا (( لا تغضب )) [أخرجه البخاري] قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الغضب جماع الشر، والتحرز منه جماع الخير.

فطوبى لمن أمسك نفسه عند الغضب، وكان غضبه لانتهاك حرمات الله عز وجل.

للسلف أقوال في الغضب، يسّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

** قال لقمان الحكيم: ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان، من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له. وقال: إن أردت أن تؤاخي رجلًا فأغضبه، فإن أنصفك في غضبه وإلا فدعه

** قال علي بن محمد بن الحسين بن يوسف الكاتب: من أطاع غضبه أضاع أدبه.

** كان عبدالله بن عون لا يغضب، فإذا أغضبه رجل، قال: بارك الله فيك.

** قيل لعبدالله بن المبارك: أجمل لنا حسن الخلق في كلمة. قال: لا تغضب.

** قال مورق العجلي:

- ما تكلمت بشيء في الغضب فندمت عليه في الرضا.

- وإني لقليل الغضب، ولقلما غضبت فأقول في غضبي شيئًا أندم عليه إذا رضيت.

 

** قال الإمام ابن قتيبة: الغضب غول الحلم. وكان يقال: وإياك وعزة الغضب فإنها مصيّرتُك إلى ذل الاعتذار.

 

** قال الإمام ابن حبان:

- سرعة الغضب من شيم الحمقى، كما أن مجانبته من زي العقلاء، وسرعة الغضب أنكى في العاقل من النار في يبس العوسج؛ لأن من غضب زايله عقلُه، فقال ما سولت نفسه، وعمل ما شانه وأرداه.

- الغضب بذر الندم، فالمرء على تركه قبل أن يغضب أقدر على إصلاح ما أفسده بعد الغضب.

 

** قال الإمام الماوردي: يحذر الغضب ويتجنبه فإنه شر قاهر وأضر معاند وليس يفسد الأمور وينتقص التدبير إلا عند غلبته وشدة فورته، فإن مني به فلا يمضى فعلًا ولا ينفذ حكمًا حتى يزول

** قال الإمام ابن عبدالبر: قوله صلى الله عليه وسلم: (( لا تغضب )) هذا من الكلام القليل الألفاظ، الجامع للمعاني الكثيرة، والفوائد الجليلة، ومن كظم غيضه أخزى شيطانه، وسلمت مروءته ودينه.

** قال أبو الوفاء بن عقيل: قيل: غرّة الغضب تورث ذلّ الاعتذار.

 

** قال الإمام الغزالي:

- ومن نتائج الغضب: الحقد، والحسد، وبهما هلك من هلك، وفسد من فسد.

- الغضب شعلة نار، ويستكبرها الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد، كاستخراج الحجر النار من الحديد.

 

- قال سليمان بن داود عليهما السلام: يا بني، إياك وكثرة الغضب، فإن كثرة الغضب تستخف فؤاد الرجل الحليم.

- قيل لحكيم: ما أملك فلانا لنفسه ! قال: إذا لا تذله الشهوة، ولا يصرعه الهوى، ولا يغلبه الغضب. وقد قيل: الغضب عدو العقل، والغضب غول العقل.

- من آثار هذا الغضب في الظاهر: تغير اللون، وشدة الرعدة في الأطراف، وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام، واضطراب الحركة والكلام، حتي يظهر الزبد على الأشداق، وتحمر الأحداق، وتنقلب المناخر، وتستحيل الخلقة، ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه، حياء من قبح صورته، واستحالة خلقته، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره، فإن الظاهر عنوان الباطن.

- وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش من الكلام الذي يستحيى منه ذو العقل. ويستحيى منه قائله عند فتور الغضب.

- وأما أثره على الأعضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن.

- وأما أثره في القلب مع المغضوب عليه فالحقد والحسد وإضمار السوء.

- الأسباب المهيجة للغضب: الزهو، والعجب، والمزاح، والمماراة، والغدر، وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهي بأجمعها أخلاق رديئة، ومذمومة شرعًا، ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب فلا بد من إزالة هذه الأسباب بأضدادها

وكل خلق من هذه الأخلاق، وصفة من هذه الصفات، يفتقر في علاجه إلى رياضة وتحمل مشقة، والمواظبة على مباشرة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة مألوفة هينة على النفس، فإذا انمحت عن النفس فقد زكت وتطهرت عن هذه الرذائل، وتخلصت من الغضب الذي يتولد منها.

 

- يعالج الغضب بعد هيجانه بمعجون العلم والعمل، أما العلم فبأمور:

الأول: أن يتفكر في الأخبار في فضل كظم الغيظ، والحلم، والاحتمال، والعفو، فيرغب في ثوابه، فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفي، والانتقام، وينطفئ عنه غيظه.

الثاني: أن يخوف نفسه بعقاب الله، وهو أن يقول: قدرة الله علي أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت غضبي عليه، لم آمن أن يمضي الله غضبه عليّ يوم القيامة أحوج ما أكون إلى العفو.

الثالث: أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام، وتشمر العدو لمقابلته، والسعي في هدم أغراضه، والشماتة بمصائبه، وهو لا يخلو من المصائب، فيخوف نفسه بعواقب الغضب في الدنيا إن كان لا يخاف من الآخرة.

الرابع: أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب، بأن يتذكر صورة غيره عند الغضب.

الخامس: أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، ويمنعه من كظم الغيظ، ولا بد أن يكون له سبب، مثل: قول الشيطان له: إن هذا يحمل منك على العجز، وصغر النفس، والذل، والمهانة، وتصير حقيرًا في أعين الناس ! فيقول لنفسه: ما أعجبك !، تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزى يوم القيامة.

أما العمل: فأن تقول بلسانك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن لم يزل بذلك فاجلس إن كنت قائمًا، واضطجع إن كنت جالسًا، واقرب من الأرض التي منها خلقت لتعرف بذلك ذل نفسك، واطلب بالجلوس والاضطجاع السكون، فإن سبب الغضب الحرارة، وسبب الحرارة الحركة.

 

** قال الإمام ابن الجوزي: كم من غضب فقتل وضرب ثم سكن غضبه بقي طول دهره في الحزن والندم.

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الغضب والحمية تحمل المرء على فعل ما يضره وترك ما ينفعه.

 

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله:

-الذي يغلبُ شهوته وغضبه يفرقُ الشيطان من ظله، ومن تغلبه شهوتهُ وغضبه يفرقُ من خياله.

- قلع الغضب بمعرفة النفس وأنها لا تستحقُّ أن يغضب لها وينتقم لها، فإن ذلك إيثار لها بالرضى والغضب على خالقها وفاطرها. وأعظم ما تدفع به هذه الآفة أن يُعوِّدها أن تغضب له سبحانه وترضى له، فكلما دخلها شيء من الغضب والرضى له خرج منها مقابله من الغضب والرضى لها، وكذا بالعكس.

- قوى الناس متفاوتة تفاوتًا عظيمًا في ملك قواهم عند الغضب، والطمع، والحزن، والخوف، والشهوة، فمنهم من يملك ذلك، ويتصرف فيه، ومنهم من يملكه ذلك ويتصرف فيه.

- الغضب مرض من الأمراض، وداء من الأدواء، فهو في أمراض القلوب نظير الحُمى والوسواس والصرع في أمراض الأبدان.

- من الغضب ما يُمكنُ صاحبه أن يملك نفسه عنده، وهو الغضب في مبادئه، فإذا استحكم وتمكن منه لم يملك نفسه عند ذلك، وكذلك الحُزنُ الحامل على الجزع، يُمكنُ صاحبه أن يملك نفسه في أوله، فإذا استحكم وقهر لم يملِك نفسه، وكذلك الغضب، فهو اختياري في أوله، اضطراري في نهايته.

 

- العاقل لا يستدعي الغضب ولا يريده، بل هو أكره شيء إليه، وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ أوداجه؟ ))، والعاقل لا يقصد إلقاء الجمرة في قلبه.

- الغضبان إذا اشتد به الغضب يألَمُ بحمله، فيقول ما يقول، ويفعل ما يفعل، ليدفع عن نفسه حرارة الغضب، فيستريح بذلك، وكذلك يلطم وجهه، ويصيح صياحًا قويًّا، ويشق ثوبه، ويُلقي ما في يده، دفعًا لألم الغضب، وإلقاءً لحمله عنه، وكذلك يدعو على نفسه وأحب الناس إليه.

- يحصل للغضبان إغماء وغشي، وهو في هذه الحال غير مكلف قطعًا، كما يحصل للمريض، وقد ينكر كثير من الناس أن الغضب يُزيل العقل، ويبلغ بصاحبه إلى هذه الحال، فإنه لا يعرف من الغضب إلا ما يجد من نفسه، وهو لم يعلم غضبًا انتهى إلى هذه الحال، وهذا غلط فإن الناس متفاوتون في الغضب تفاوتًا عظيمًا.

- ما يتكلم به الغضبان في حال شدة غضبه من طلاق أو شتم، ونحو ذلك، من نزعات الشيطان .... والغضب من الشيطان، وأثرُه منه، كما في الصحيح أن رجلين استبا عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّ وجه أحدهما، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ))، وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ))، وهذا يدل على أن الشيطان يُغضبه ليحمله بغضبه على فعل ما يحبه الشيطان.

 

** قال الحافظ ابن رجب:

- قوله صلى الله عليه وسلم لمن استوصاهُ: " لا تغضب " يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون مراده: الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق، فإن النفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق، وصارت لها عادةً، أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه

والثاني: أن يكون مراده: لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه، والعمل بما يأمر به، فإذا لم يمتثل الإنسان ما يأمره به غضبه وجاهد نفسه على ذلك اندفع عنه شرُّ الغضب، وربما سكن عنه غضبه، وذهب عاجلًا، فكأنه-حينئذٍ_ لم يغضب.

- من لا يملك نفسه عند الغضب إذا غضب قال فيمن غضب عليه ما ليس فيه من العظائم، وهو يعلم أنه كاذب، وربما علِمَ الناسُ بذلك ويحمله حقده وهوى نفسه على الإصرار على ذلك.

 

** قال الحافظ ابن حجر:

- أعظم ما ينشأ عنه الغضب: الكبر، لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده، فيحمله الكبر على الغضب.

- الغضب يخرج الحليم المتقي إلى ما لا يليق به.

- الغضب...يحمل الرجل الوقور على ترك التأني المألوف منه.

- يترتب على الغضب تغير الظاهر...كتغير اللون، والرعدة في الأطراف، وخروج الأفعال عن غير ترتيب، واستحالة الخلقة، حتى لو رأى الغضبان نفسه في حال غضبه لكان غضبه حياء من قبح صورته، واستحالة خلقته.

- الغضب يغطي على ذوي العقول.

- يترتب على الغضب تغير...الباطن...وقبحه أشدّ من الظاهر، لأنه يولد الحقد في القلب والحسد، وإضمار السوء على اختلاف أنواعه.

- الذي يتواضع حتى يذهب عنه عزة النفس، يسلم من شر الغضب.

 

** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ:

- لا تسعَ فيما يغضبك، لأنه من المتقرر أن الوسائل تؤدي إلى الغايات، فإذا كنت تعلم أن هذا الشيء يؤدى بك إلى غاية تغضبك فلا تسع إلى وسائلها، ولهذا كان كثير من السلف يمدحون التغافل.

- تغافل المرء عما يُحدث له الغضب، ويُحدث له ما لا يرضيه، من أبواب الخير العظيمة، وكذلك التغافل عن الإساءة، والتغافل عن الكلام فيما لا يُحمد، والتغافل عن بعض التصرفات بعدم متابعتها ولحوقها إلى آخرها.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply