بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذا المقال مخصص للحديث عن الأحكام الشرعية المتعلقة بالطرح الأولي للعملات، الاكتتاب في الطرح الأولي لا يخلو جميع حالاته من محاذير شرعية وهي حقيقةً كثيرة جدًا، لكن سنجملها بإذن الله تعالى في 7 نقاط.
النقطة الأولى: إذا كان المشروع المعلن عنه مشروع محرم، كأن يكون مشروع أحواض سيولة يهدف إلى الإقراض الربوي أو ما شابه، أو ممكن مشروع مقامرات وغيرها من المشاريع المحرمة، هذا النوع يحرم المشاركة في عمليات الطرح الأولي الخاصة به أو الاكتتابات بلا خلاف، لأن فيه تمويل مباشر وواضح لمشاريع محرمة.
النقطة الثانية: المشروع مباح، لكنه مستقبلي وغير قائم على الأرض، غير موجود بعد، أي أن المكتتب سيشتري توكينات لمشروع غير قائم أصلًا، وبالتالي الخدمات المتوقعة التي يمكن شراءها بالتوكينات غير موجودة. فهذا طبعًا من قبيل بيع المعدوم، وبيع مالا يقدر على تسليمه، وهذا ممنوع باتفاق أهل العلم، والحديث عن الاكتتاب للتنبيه فقط، نتحدث عن الاكتتاب وليس عن تداول العملة بعد نزولها إلى المنصات، لأن التوكين بعد نزوله إلى المنصات يصبح عملة، والمتداولون يشترونه على هذا الأساس في الغالب، لكن قبل نزوله إلى المنصات وشراءه عن طريق الاكتتاب فهو في هذه الحالة هو توكين يمكنك من الحصول على خدمات المشروع في المستقبل.
النقطة الثالثة: إذا كان المشروع قائم، وليس مستقبلي، ومباح، وهذه أفضل الحالات، لكنها أيضًا لا تخلو من محاذير شرعية، المحاذير الشريعة هنا الجهالة، أي الجهالة في قيمة التوكين، لأن التوكين في الاكتتاب عند الطرح الأولي بنظام الICO، فالذي يحدد قيمة التوكين صاحب المشروع وليس جهة محايدة، مما يشكك في مصداقية هذه القيمة، بمعنى آخر الجهل بقيمتها الحقيقية، ومعلوم أنه لا خيار للرد للمكتتب إذا تبين أنها قيمة غير عادلة وفيها غبن، أي ليس له أن يطالب برد هذا التوكين إذا تبين أن قيمته غير حقيقية وغير عادلة، وفي حالات الاكتتاب من المعلوم ارتفاعه إلى قمم عالية جدًا وخاصة بعد نزوله الأولي إلى المنصات، ثم تتبين القيمة الحقيقية للتوكين بعد هبوطه إلى قيعان بعيدة جدًا، في هذه الحالة إذا كان هنالك جهالة في القيمة الحقيقية للتوكين، هذه الجهالة مؤثرة للحكم على صحة المعاملة عند جمهور أهل العلم.
النقطة الرابعة: الغالب الأعم أن هذه المشاريع هي مستقبلية وغير قائمة على الأرض، لذا شراء توكيناتها التي ليس لها قيمة حقيقية، بسبب عدم وجود أصل أو احتياطي يقف خلفها، يعتبر شراء لا يخلو من الغرر، ما المقصود بالغرر هنا؟ الغرر الذي يحذر منه العلماء؛ هو التعامل بالشيء الذي لا تعلم عاقبته أيكون أم لا يكون، هذا باختصار الغرر، وقليل من التوكينات في الطرح الأولي تستطيع الصمود والأغلب ينهار، ولا يبقى له وجود في عالم التداول، هذا غرر، تشتري توكين لا تعلم عاقبته، هل سيكون ويستمر ويدخل منصات أو ينجح المشروع وأستطيع شراء منتجات المشروع المستقبلية، أم أنه سينهار ويتلاشى ككثير من العملات.. والغرر من مفسدات المعاملات أيضًا بالاتفاق، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.
النقطة الخامسة: في عمليات الاكتتاب التي تجري وفقًا لنظام الICO، يتم دفع ثمن التوكينات ولا يتم استلامها، على القول بأن هذه التوكينات هي عملات منذ لحظة صكها، أو بعد تعدينها وتوليدها، على هذا القول سنجد أن في عمليات الاكتتاب يتم دفع ثمن هذه التوكينات هنا يتم استلامها خاصة في نظام الICO، ولكن لا يتم استلامها إلا بعد فترة من الزمن قد تصل إلى أسبوعين من تاريخ الاكتتاب، وهذا ينافي شرط التقابض عند بيع العملات، وهو ما يعني الوقوع في ربا اليد، ولا شك أن هذه الإشكالية بالنسبة لمنصة باينانس قد تم تجاوزها عندما طرحوا نظام IEO، وهو ليس حكرًا على باينانس ويوجد أكثر من منصة تبنته، ونظام IEO يوفر لك التقابض الفوري، لكن هذا الأمر لا ينفي أن أكثر عمليات الاكتتاب التي تتم حتى وقتنا الحالي تتم بنظام الICO، الذي لا يتم فيه التقابض إلا بعد فترة من الزمن. لا يتحقق فيه التقابض المطلوب شرعًا عند بيع العملات، وهو من قبيل ربا اليد.
النقطة السادسة: في حال الاكتتاب على التوكينات التي تمثل أسهمًا لشركات، قلنا عنها أنها قليلة جدًا، التوكين يأخذ أحكام السهم كاملة، قد يقول قائل هو يقوم ببعض وظائف العملات.. ولكن رغم قيامه ببعض وظائف العملات لكنه سهم وليس عملة من كل وجه، ولا يعدوا أن يكون صورة رقمية للسهم، بدل شهادة السهم تأخذ توكين، الأحكام المتعلقة في الأسهم وليس هنا محل بحثها، ولكن لها أحكام خاصة بهذا النوع من التوكينات، مثل عدم جواز شراءها إذا كان نشاط الشركة محرم أو مختلط، عدم اشتراط التقابض لأنها ليست عملة وهو سهم، عدم جواز شراء الأسهم الممتازة، السهم الممتاز الذي يضمن لصاحبه رأس ماله أو قدر محدد من الربح يخصص لصاحب هذا النوع من الأسهم.
عمومًا الأحكام المتعلقة بالأسهم كثيرة ويمكن البحث عنها في مجالها، لكن الذي نريد الوصول إليه أن الاكتتابات المطروحة اليوم في عالم العملات الرقمية غير جائزة لحد الآن بجميع أشكالها؛ ولا يخلو نوع من أنواع الاكتتاب من محاذير ومخالفات شرعية، لذا لا أنصح الأخوان بالإقبال على هذا الباب، بل أنصح بتجنب هذا المجال لأن فيه من المحاذير الشرعية ما الله فيه أعلم، والكسب الذي يأتي منها كسب غير مباح والله تعالى أعلى وأعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
[email protected]
15:49:11 2022-07-18