بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: لقد خرج علينا شانئ أبتر من عباد البقر يستهزئ بمقام أفضل البشر، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وهكذا بين الحين والآخر، يخرج علينا معتوه، أو حاقد، يريد أن ينال من الإسلام ومن نبي الإسلام، لعله يتمكن من التنفيس عن حقده، تارة بمقالة ساقطة، وتارة برسوم هابطة، وأخرى بمحتوى رخيص ينتجه داعر مأجور، وهكذا كما صنع أسلافهم: ﴿كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾.
ومهما استهزأ المستهزئون، وسخر الساخرون، فإنَّ الله تعالى قد تكفل بحماية نبيه ونصرته في آيات كثيرة، تُتلى إلى يوم الدِّين؛ ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ﴾، ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾. وصدق الله ومَن أصدق من الله حديثًا، فإنه ما تظاهر أحدٌ بمعاداة الرسول ﷺ والاستهزاء به إلاَّ أهلكه الله وأذلَّه ومن حارب الله حرب.
إخوة الإيمان: إن نصرةَ النَّبيِّ ﷺ مِن أقوى الجهاد في سبيل الله، ومِن أسمى واجبات الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، قال ابن تيمية رحمه الله: «إنَّ نصر رسول الله ﷺ فرضٌ علينا؛ لأنَّه مِن التعزير المفروض، ولأنَّه مِن أعظم الجهاد في سبيل الله، ولذلك قال سبحانه: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ﴾، وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ ﴾، بل نَصْرُ آحادِ المسلمينَ واجبٌ بقوله ﷺ: " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا"، وبقوله:" المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يُسْلِمُهُ وَلَا يَظْلِمُهُ "، فكيف بنصر رسول الله ﷺ ومِن أعظم النَّصر حمايةُ عِرضه ممَّن يُؤذيه...». (الصارم المسلول).
إن نصرة الرسول ﷺ واجب المسلمين، فالسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار صبروا على الأذى ابتغاء مرضاة الله، وفداء لرسول الله وتحملوا العذاب ولا أن يشاك بشوكة، ولما كان حصار الشعب، عاش مع عشيرته وأتباعه ثلاث سنوات من الفقر والجوع، ورغم ذلك كله كان للدور المجتمعي من المسلمين الأوائل، ونصرتهم للنبي ﷺ بمالهم، وأرواحهم، أثره وبركته، فكانت الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم الهجرة العظيمة إلى المدينة في عمل وتعاون مجتمعي لم يشهد له التاريخ مثيلا، فكان الفتح الأعظم لمكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
النصرة الشرعية هي عمل متكامل أساسه الاتباع، لا بالاستجابة لاستفزازات أعدائه فالنبي ﷺ والصحابة تعاملوا مع المشركين والمنافقين وأهل الكتاب بالصبر والحلم وعدم النزول لمستواهم الأخلاقي بالأفعال المتشنجة والممارسات غير المشروعة؛ فعندما قال رأس المنافقين عبد الله بن أبي: أما والله «لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل»، فقام عمر فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، وفي لفظ: ألا تقتل هذا الخبيث فقال: « دَعْه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه».
نصرة النبي الأكرم مبناها على الاقتداء والتأسي قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾. وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾. وفي الصحيحين قال ﷺ: « كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: « من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ». وقال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به» .
دور المجتمع المسلم ترجمة هذه المحبة لاتباع صادق وعميق، يقول تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. فليراجع كل منا نفسه ويختبر صدق محبته لرسول الله ﷺ؛ فعلامة صدقنا أن نكون متبعين لسنته، وألا يكون في حياتنا أمور تسيء إليه وتؤذيه، وأعظم ذلك الابتداع في الدين مما يؤذيه ﷺ ويسيء إليه. «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
المجتمع المسلم يحافظ على شعائر الإسلام الظاهرة فلا ينصر النبي ﷺ من ترك الصلاة وأقبل على الشهوات، ولا ينصره من ترك سنته وهجرها، ولا ينصره من يتحاكم إلى العادات والتقاليد البشرية.
واجبنا المجتمعي هو التعريف بالنبي ﷺ سيرة وهديا وسمتا، من خلال الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن كان صادقا في نصرة النبي ﷺ فلينشر سنته وهديه فهو والله خير وأبقى من مجرد الشعارات اللحظية التي سرعان ما تنتهي وينتهي أثرها بين الناس.
واعلموا أن ساب الرسول ﷺ لن يضر إلا نفسه وهو مخذول لا محالة، فإن فاتكم شرف الصُحبة فلا يفوتنّكم شرف النُصرة والاتباع فعظّموا نبيكم ﷺ وأكثروا من الثناء عليه وانصروه تفوزا وتفلحوا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية:
اتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعلموا أن من حق نبيكم ﷺ عليكم كثرة الصلاة والسلام عليه امتثالاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وقوله ﷺ: « من صلى علي صلاة صلى الله عليك بها عشرا. » اللهُم صل وسلم على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والشفيع المُشفع يوم المحشر، الذي شُق له القمر، وسلم عليه الحجر والشجر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أصحابه وأزواجه ومن تبعهم إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وموتى المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد