لو أطاعوه لدخلوا النار!


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

تأمّل معي هذا الحديث؛ وانظر خطورة الفهم الجزئي لنصوص الشريعة دون الأخذ بمجموعها.

أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن علي عنه قال: بعث النبي سرية فاستعمل رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب، فقال: أليس أمركم النبي أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: فاجمعوا لي حطبا. فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا. فأوقدوها، فقال: ادخلوها.

فهَمُّوا، وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النبي من النار!

فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة؛ الطاعة في المعروف)!

هؤلاء الصحابة عندهم نص صريح قطعي مباشر من النبي بطاعة ذلك الأمير بعينه! ومع ذلك فلو كانوا أطاعوه في هذا الشأن لعذبهم الله تعالى!

حسناً؛ أليس دخول النار يُعد طاعة للأمير؟ أليس هذا هو الظاهر اللفظي للنص؟

أليس النصّ صحيحا؟

أليس امتناعهم عن دخول النار يُعد معصية للأمير الذي أمر النبي بطاعته؟!

بلى؛ ولكن هناك قطعيات أخرى في الدين ينبغي أن يستصحبها المسلم وهو ينظر في النصوص حتى لا يصادم كُلّيات الشريعة ومقاصدها!

وهكذا فعل الصحابة هنا حين فكروا وتساءلوا. ثم أيدهم النبي حين قال: (الطاعة في المعروف).

والمعروف هذا يُعرف من محكمات الشريعة وعامة ما جاء فيها.

وليس الخطأ هنا خطأ اجتهاديا عاديا؛ بل كان خطأ سيودي بهم إلى عذاب الله، مع كونهم صحابة رسول الله وقد خرجوا في سبيل الله، وكانوا سيخالفون رغبتهم في السلامة وسيعذبون أنفسهم بنار الدنيا اتباعا لما يظنون أنه موافق لأمر رسول الله، حتى نجاهم الله بالفقه والفهم والعقل والتأني.

وهذا يدل على أن الخطورة في الإفراط لا تقل عن الخطورة في التفريط؛ فكلاهما طريق إلى النار.

وإذا كان هذا قد حصل لأولئك الصحابة تجاه نص واضح مباشر من رسول الله فمن باب أولى أن يقع لمن هم دونهم في نصوص الشريعة، فضلا عن وقوعه في نصوص العلماء التي لا ينبغي أن تؤخذ بنظر جزئي ولا بحماسة منبتّة دون فقه لموارد الكلام ومقاماته وسياقاته.

وهذا هو الفقه الذي يميز العلماء وأهل التحقيق والنظر، والذي يعجز عنه السفهاء، والمتعالمون، وقُطاع طريق العلم، والمتحمسون على غير بصيرة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply