فوضى قنوات اليوتيوب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

كان قبل أسابيع حوار مع أحد الإخوة حول صنيع بعض قنوات اليوتيوب فيما يتعلق بجمع التراث السلفي المسموع.

النتيجة التي خلصت إليها، أن كثير من القنوات المشهورة، في الحقيقة تبني وعيًا سلفيا اختزاليًا في كثير من الأمور، ثم تجدها ترسم في مخيال المتابع المبتدئ وسطا فقهيا وعقديا وسياسيا وواقعيا، ليس هو الذي يعبر عن السلفية المتكاملة.

كثير من القنوات، إنما تدل على توجه أصحابها في صورة العنوان والفتوى القصيرة التي ينقلونها عن شيخ سلفي بصورة اختزالية، لا عن قول السلفية، فمثل مسألة الإنكار على ولي الأمر، يظهر لدى كثير من السلفيين أنها مسألة لا نقاش فيها، من باب أن قنوات مثل من تتسمى بالحديث والسنة والتوحيد وسفينة النجاة، لا تختار من فتاوى أهل العلم فيما يتعلق بالإنكار العلني سوى فتاوى عدم الجواز، مع أن جوازه مبثوث في كثير من كتب العقائد السلفية، حتى إذا وصلوا لشخصيات ذات وزن ثقيل مثل ابن عثيمين، بثت ذي القنوات وركزت على فتوى عدم الجواز، دون التركيز على فتوى جوازه بشرط أن يكون المنكر علنيا، وكذلك مع الألباني في نفس المسألة.

خذ مثلا شخصية سيد قطب، ذي القنوات لا تجد فيها سوى رسم صورة معينة عن سيد، أنه أسوأ رجل أنجبته الحركات الإسلامية في هذا العصر، وأن أهل العلم لا يذكرون عناوين كتبه إلا والنكير حليفهم، وهذا الصنيع، يجعل الاطلاع اللاحق على قول مثل ابن باز في توجيه بعض الثناء عليه، أو قول ابن عثيمين "حدثونا عن المقالة لا عن القائل"، أو بعض أقوال الألباني عنه أنه أديب لا عالم، أو حتى الاطلاع على تحقيق الألباني لأحد كتب حسن البنا، يجعل هذا الأمر في خانة "الشبهة". كذلك مسألة التصوير، فقهيا، المسألة فيها خلاف، لكن كثير من أصحاب ذي القنوات، لما كان ميالا لقول عدم الجواز، يختزل السلفية في عدم جواز التصوير فلا يحشو قناته إلا بذي الفتاوى، ويغطي الفتاوى التي رأت الجواز. وكذلك الأخذ من اللحية، أو أن يكون الثوب أسفل الكعبين دون الخيلاء، حتى أن مسألة الاسبال قال لي أحدهم مرة: ذي مسألة مجمع عليها بين الألباني وابن باز وابن عثيمين، لأنه رأى مقطعا جمع فتاوى الثلاثة على إحدى ذي القنوات. مع أنه لا يوجد إجماع، ينقل ابن مفلح عن ابن تيمية عدم التحريم وعدم التعرض للكراهة. وهكذا يتم بناء ذهنية سلفية وفقا لسردية اختزالية للتراث السلفي المسموع عبر ذي القنوات، والمسائل التي تم تناولها وفقا لهذا السلوك كثيرة جدا، حتى فيما يتعلق بطلب الفقه، في الغالب تجد منهج فقه الدليل ضدًا للتمذهب هو ما يتم التركيز على نشر مقاطعه، على أساس أن التمذهب ضد السنة، وفقا لشريط ما لأحد العلماء، مع أن غيره له مقطع في ضرورة التمذهب كابن عثيمين، يُستر هذا المقطع جانبًا، لكون صاحب القناة يتبع منهج فقه الدليل.

كذلك في ما يخص تكوين وسط سلفي متخيَّل، لا علاقة له بالواقع، يجد كثيرون أنفسهم فجأة يتراوحون بين صالح الفوزان واللحيدان والبراك ونحو ذلك، ثم يجد نفس القناة التي تنشر لهؤلاء العلماء، تنشر لمثل مزمل الفقيري على أنه عالم، وغيره ممن ماثله كثيرون، فيتكون ذهنيا أن هناك وفاق فقهي وعقدي ومنهجي بين هؤلاء الحنابلة، وبين مثل مزمل فقيري. أنظر مثلًا قصة الجرح التي طال حديث الناس عنها، تجد ذي القنوات على قسمين، فئة يتبنى أصحابها هذا المنهج (اللامنهج) فيجري نشر مقاطع محمد المدخلي، ابن ربيع المدخلي، محمد عبد الواحد المدخلي، عرفات المحمدي، مزمل فقيري، ونحوهم، في مسألة ضرورة التجريح وكذا، مخلوطة بمقاطع الفوزان وباقي كبار العلماء في غير هذه المسألة، فكلامهم فيها بالإنكار على منهج التجريح تجده في القناة الأخرى التي تضرر صاحبها من هذا المنهج أو رأى عدم صحته أو جوازه، فهو ينشر للفوزان (الجرح في القبور) واللحيدان (اتركوا بنيات الطريق) والخضير (هؤلاء قطاع طرق) وعبد العزيز آل الشيخ (لا أحب الخوض في هذه المسائل) وصالح آل الشيخ (هؤلاء ممتطون من حيث لا يعلمون) وغير هذا، فيتم تصوير مقاطع هؤلاء في (السلفية) التي يبثها الآخر على أنها شبهة، أو كلام مجمل، يفصله مزمل الفقيري ومحمد المدخلي ومحمد عبد الواحد ونحوهم ممن وقع في المخيال أنهم يشكلون وحدة مع الفوزان وغيره عبر خلط القناة مقاطع هؤلاء وهؤلاء مع بعضها، هذا الخلط، يحصل دوما لمن يأخذ سلفيته من قنوات يوتيوب مجهولة الصاحب، بخلاف من يعمد للقنوات الرسمية للعلماء مباشرةً.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply