بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كان هذا السؤال، ليس الساخر فقط بل المرتبك والقلق، قد صدر من سيمون دي بوفوار وهي ترى الحشود المتلهفة تتوافد بحماس وشوق وإعجاب وانبهار إلى محاضرة الفيلسوف الكبير جان بول سارتر!
كانت المحاضرة سوف يلقيها جان بول سارتر في اليونسكو، وكان سارتر شخصية فكرية بارزة ذلك الوقت، وسيظل في ازدياد بقية عمره الذي سيستمد إلى الثلاثين سنة القادمة. وكانت تلك اللحظة –كما يقول فرانسوا نودلمان- لحظة تاريخية جاء فيها سارتر تدريجياً ليجسد جيلاً يؤمن بالتجديد.
وتستحضر سيمون دي بوفوار، رفيقة وعشيقة سارتر في الفلسفة "والأدب" والعري، ظروف تحضير تلك المحاضرة المشهودة. فتقول إنَّها كانت مع رفيقها جان بول سارتر، ومعهم ألبير كامو وآرثر كويستلر، حيث أمضوا جميعًا تلك الليلة قبل المحاضرة في حانات الخمور والنوادي الليلية.
وتسترجع سيمون دي بوفوار تلك اللحظات، وأنه في لحظة معينة عندما كانوا الأربعة منتشين بالخمر، حوالي الساعة الرابعة صباحًا، إذ قال لهم جان بول سارتر ضاحكًا: "أعتقد أنه في غضون ساعات قليلة سأتحدث عن مسؤولية الكاتب!"، يقصد ما سينظر له أمام الجماهير العريضة في محاضرة اليونسكو!
وحينما كان يضحك ويسخر جان بول سارتر وهو يقول تلك العبارة، يضحك معه ألبير كامو، وتضحك معهما أيضًا سيمون دي بوفوار. لكنها بعض ضحكها هذا قامت بالبكاء، وقد فسرت ذلك البكاء الذي اعتراها تلك اللحظات بأنه بسبب الكحول الذي يجعلها دائمًا أكثر ميلاً إلى البكاء!
ثم تكمل سيمون دي بوفوار حديثها عن تلك اللحظات السابقة للمحاضرة (محاضرة اليونسكو المهمة)، بأنها وجدت نفسها عند الفجر وحدها مع جان بول سارتر في شوارع باريس، وهنا انتابتها حالة اكتئاب، وتقول مغلفة ذلك بإطراء فلسفي: "بدأتُ أشعرُ بالبكاء من مأساة الحالة الإنسانية"!
وهما في تلك الحالة المزرية من الاكتئاب عبروا من خلال الجسر نهر السين، وفي لحظات ذلك العبور، قالت سيمون دي بوفوار وهي تبكي: "لا أعرف لم لا نقفز إلى النهر!". نظر إليها جان بول سارتر وهو يذرف الدموع تعاطفًا معها، وأجابها: "حسنًا، فلنقفز"!
لكنهما سرعان ما تراجعا عن خطتهما المتهورة، في تلك اللحظات البائسة التي حملت نفساهما كآبة سوداء مظلمة، وضياعًا للهدف، وفقدانًا للغاية، وانحطاطًا للأخلاق والقيم والمبادئ.
وتقول سيمون دي بوفوار، مواصلة حديثها عن لحظات ما قبيل محاضرة اليونسكو المُلهِمَة للجماهير العريضة: "وصلنا إلى المنزل حوالي الساعة الثامنة صباحًا، وعندما رأيتُ سارتر مرة أخرى في الساعة الرابعة عصرًا، كان وجهه شاحبًا قلقًا، فلم ينم إلا لمدة ساعتين أو ثلاث، وكان قد ابتلع كمية من الأورثرين [منشطات] للتحضير لمحاضرته. وعندما دخلتُ قاعة المحاضرات المزدحمة، قلتُ لنفسي: (لو كان بإمكانهم رؤية سارتر في السادسة هذا الصباح!)".
وهكذا، كم يوجد اليوم في هذا العالم من فيلسوف وأديب مزدوج الأخلاق والتنظير، مثل سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر، ينظرون للعالم كنماذج متعالية للأخلاق والمبادئ والمجتمع والأسرة...إلخ، وهم يفتقرون حقيقة لأدنى متطلبات تلك الأشياء، وفاقد الشيء لا يعطيه!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد