كيف يكتشفون تحول أحدهم إلى الإسلام


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

كان تحول الأوروبيين إلى الإسلام بالنسبة إلى قادة أوروبا ظاهرة مقلقةً جدًا على كافة الأصعدة، ويعود ذلك إلى سبيين:

الأول: اعتقادهم خطورته سياسيًا ودينيًا.

الثاني: أن كثيرًا من ذلك لا يتم إلا في الخفاء ولا يُعرف صاحبه إلا مصادفة.

‏وقد ذكر كثيرٌ من الكُتَّاب الغربيين أنه قد سرت بين المسيحيين الأوروبيين في عصر النهضة ظاهرة تتمثل في الإعجاب باللغة العربية والانبهار بالإسلام، وترتب عليها حركة ردة بين المسيحيين واعتناق الإسلام، مما سبب قلقًا عارمًا في الأوساط المسيحية في أوروبا وبذل المحاولات للتصدي لها.

‏ يقول جورج ساندس في سنة ١٦١٠م: *رأينا نوعًا من المسيحيين، بعضهم على حافة القبر، وقد انحنوا من كبر السن، وأخذوا يهتزون من الفالج، يطرحون قبعاتهم ويرفعون سباباتهم ويعرضون أن يصيروا محمديين. إنه لمنظر ملىء بالرعب والعناء أن ترى هؤلاء التعساء المستيئسين الذين آمنوا بالمسيح طوال حياتهم، وتحملوا من أجله كثيرًا من الازدراء والاضطهاد، يتخلون عن المخلص وهم الآن على حافة القبر*.

وأعرب الوزير ورجل الدين ويليم غاوج (1653م) عن قلقه أن الأشخاص الذين اكتشفوا أمر إسلامهم وأرجعوهم إلى الكنيسة لا يزالون يخفون إسلامهم تقيَّة، وأنهم لا يدينون في الحقيقة إلا بالإسلام، ويحضرون وسط الكنيسة مما يمثل خطرًا على البقية وشرًا مستطيرًا!

ولهذا، رأى ويليم غاوج أنه من الضروري وجود وسيلة قطعيَّة ومحسوسة لكشف المتحولين إلى الإسلام، وتلك الطريقة التي اهتدى إليه هي: تعريتهم ورؤية أعضائهم الذكوريَّة وهل هي مختونة أم لا، مما يدل دلالة قطعة على ردتهم عن الدين المسيحي.

وقد تحدث الفليسوف الإنجليزي جون لوك (1704م) في نهاية القرن السابع عشر عن تلك الممارسة والاختبار لكشف المتحولين إلى الإسلام، وعلاقة تلك العلامة (الختان) بتأكيد شكوك ردة الشخص عن المسيحية.

وقد أرسل السياسي ريتشارد كوت (1700م) رسالة إلى صديقه جون لوك في شهر نوفمبر سنة 1699م يخبره فيها بأنه تمكن من القبض على جيمس غيليام (1701م) بعد أن شك في اعتناقه للإسلام، ولهذا أراد التحقق من ذلك، فأمر يهوديًا بكشف عورته وفحصه، فأخبره اليهودي أن جيمس غيليام بالفعل كان مختونًا.

وكان الوزير ويليم غاوج حريصًا على كشف هؤلاء المرتدين بأسرع الطرق، ولهذا قام بتشجيع أقرباء وأصدقاء المشكوك في اعتناقه للإسلام بالتجسس عليه، وترصد أخباره وممارساته التعبدية، وتقديم تقرير عاجل إلى الكنيسة تكشف سر هذا المتحول، وأن هذا هو ما يطلبه المسيح منهم لأن المتحول عدو للمسيحية!

وقد استنكر رجل الدين تشارلز فيتزجوفري (1638م) هذه الظاهرة في خطبة ألقاها سنة 1636م، وأنه مهما كانت الأسباب التي تدعو هؤلاء إلى اعتناق الإسلام فإن ذلك يجعلهم يخسرون الحياة الأبدية مع المسيح، وأنه كرجل دين لا يستطيع أن يغفر لهم.

وقد حاول الوزير ويليم غاوج استئلاف المرتدين، فحث أسرته وأصحابه -مع مراقبته والتجسس عليه- على التلطف معه لكسبه وإعادته لأحضان الكنيسة، فقال: *لا تزجروه لأجل ختانه، ولا تلوموه لخضوعه للديانة المحمدية: لا تتجنبوا خلطته ولا التواصل معه، كلوا واشربوا معه، صلوا معه وصلوا من أجله*.

فإذا فشلت *المساعي اللطيفة*، كان العنف والكرهية بانتظار المتحول، إلى درجة أن بعض الآباء كان يتمنى الموت بصورة بشعة لابنه الذي اعتنق الإسلام مفضلًا موته على إسلامه، وقد اعتنق ابن ضابط فرنسي الإسلام، فقام الوالد بلعن ابنه ودعا عليه أن يقتل شر قتلة، وتمنى لو أن صاعقة قتلته في رحم أمه!

أما العالم توماس سميث (1710م) والباحث في كلية مجدلين بأكسفورد، فقد طالب بأن تكون عقوبة المرتد من المسيحية إلى الإسلام: القتل، باعتباره مجرمًا، وهي عقوبة تم تطبيقها بالفعل على قيادات إنجليزية في عام 1620م، وعلى مرتد من ويلز أعدم فورًا سنة 1671م.

وحيث إن كثيرًا من المتحولين إلى الإسلام من الأوروبيين يهربون من أوروبا خوفًا على حياته إلى البلدان الإسلامية، فإنهم هناك -كما يقول الفيلسوف توماس هوبز (1679م)- لا يبالون بحرمان الكنيسة ولا يخافون من تهديدات رجال لدين المسيحي لهم بفقدان الامتيازات في الحياة الأبدية!

ولهذا، اتخذت السلطات الدينية والثقافية سبيلًا ثقافيًا توعويًا في عصر النهضة لمواجهة ظاهرة الردة تلك، من خلال صناعة صورة مزيفة وبشعة للدين الإسلامي، وتشويه سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بتلفيق الأساطير عليه، لتنفير القلوب والعقول من الإسلام ومحق جاذبيته، ولإبقاء العقول داخل حظيرة الكنيسة وهيمنة رجال الدين.

وإحدى الحجج التي استخدموها في هذا السياق: الطعن في نوايا الأوروبيين الذين اعتنقوا الإسلام، بأنه ليس اعتناقًا حقيقيًا اقتناعًا بالإسلام، وإنما بسبب الافتتان بجمال الفتيات المسلمات، وأن اعتناق الإسلام كان من أجل كسب قلوبهن والحظوة بحبهن، وهو سبب رائج في المسرحيات والقصص والأدب الغربي!

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply