العقل الجمعي للأحزاب والجماعات


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

التعصبات والتحزبات للتيارات عادتها أن تجمع الكثير من الأفراد الأذكياء، وتحول مجموع هذا الذكاء الفردي إلى غباء جماعي يتحرك كالكتلة الواحدة، يسيرها التفكير الجمعي الذي هو من خصائص القطيع، لينتهي مصيرهم عادة إلى مزيد من العصبيات أو مزيد من الانقسامات أو إلى كارثة جماعية لهم ولغيرهم!

فطبيعة التنظيمات الحركيَّة أن تذوب عبقرية الأفراد في غباء الجماعة، وتَبَصُّر الأفراد في عماء الجماعة، وحرية الأفراد في استبداد الجماعة. ومن ثم يتحول الأفراد في تلك الجماعات إلى كتلٍ واحدة صماء، قد ينتهي بها الحال إلى الفناء بطواعية أفرادها دون اكراهٍ أو اعتراض!

وسِرُّ ذلك أن تصرف الشخص في جماعة ليس كتصرفه كفرد، ففي الجماعة تضمحل خصائصه المتفردة المميز له، ويذوب ويغيب في طبائع وخصائص الجماعة، وفق ظاهرة العقل الجمعي، وتتحد حينها المشاعر مكونة موجة موحدة موجهة نحو هدف واحد، ينحدرون إليه في اعتقاد جازم وحماس منقطع النظير لا تردد فيه!

يقول غوستاف لوبون:)الرجل في الجماعة ليس هو الرجل الفرد، لاختفاء ذاتيته، واندماجها في ذاتية الكل، ولفقدان ملكة النقد، والقدرة على التعقل بالدليل. إن أخص مميزات الجماعة: سرعة الانفعال، والتعجل بالغضب، وعدم قابلية التعقل، والغفلة المتناهية، والتعصب الأعمى، والخنوع للقواد، والغلو(.

وليست خطورة الأحزاب والمنظمات الحركية فقط في أنه يتحول فيها مجموع ذكاء الأفراد إلى غباء جماعي يتحرك بشكل متموج كقطيع، دون أن يبصر المآلات، بل أيضًا في فقدان الفرد لحِسِّهِ الأخلاقي ورحمته الإيمانية وعطفه، فيصبح قابلاً لأن يتحول إلى أداة شرسة لا تعرف الرحمة ولا العطف ولا الشفقة.

يقول غوستاف لوبون:)الجماعات تتأثر بالمشاعر، والهزات النفسية، والمعتقدات المطلقة تأثرًا سريع الشيوع فيها، لا تنفع فيه حجة ولا يوهنه دليل، فلا يروج في الجماعة فكر إلا إذا صيغ لها في قالب موجز قوى اللهجة. وقلما تدرك الجماعات حقيقة ما يأتي على يديها من الحوادث.(

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply