السعيد من كانت تجارته في الدنيا زاداً له في الآخرة, فهذا فائز مغبوط, والشقي من كانت تجارته في الدنيا وبالاً عليه في الآخرة, فهذا خاسر مغبون.
للسلف أقوال في التجارة, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
·الجمع بين التجارة والعبادة:
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: كنت تاجراً قبل المبعث, فلما جاء الإسلام جمعت بين التجارة والعبادة, فلم يجتمعا, فتركت التجارة, ولزمت العبادة.
·من حفظ الله لعبده أن يحول بينه وبين التجارة:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من أنواع حفظ الله لعبده في دينه: أن العبد قد يسعى في سبب من أسباب الدنيا _ إما الولايات أو التجارات أو غير ذلك _ فيحول الله بينه وبين ما أراد لما يعلم من الخيرة في ذلك وهو لا يشعر مع كراهته لذلك.
·من اتجر في شيء فلم يقسم له فيه فليستبدله بغيره:
** قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من اتجر في شيء ثلاث مرات فلم يصيب منه شيئاً فليتحول إلى غيره.
** قال القاضي: إن قصد إلى جهة من التجارة فلم يقسم له فيه رزق, عدل إلى غيره
·لزوم العبد للتجارة التي يجد فيها الخير:
قال القاضي: يستحب أن وجد الخير في نوع من التجارة أن يلزمه.
·التجارة في العطر:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو كنت تاجراً ما اخترت غير العطر, إن فاتني ربحُه لم يفتني ريحُه.
·التاجر لا ينسى العمل لآخرته:
** كان عمر بن الحطاب رضي الله عنه يقول للتجار: اجعلوا أول نهاركم لآخرتكم, وما بعده لدنياكم.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: تتم شفقة التاجر على دينه بمراعاة أمور:
الأول: حسن النية في ابتداء التجارة, فلينو بها الاستعفاف عن السؤال.
الثاني: أن يقصد القيام في صنعته أو تجارته بفرض من فروض الكفايات.
الثالث: أن لا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة, وأسواق الآخرة المساجد, قال الله تعالى: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ [النور:37] وقال الله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور:36] فينبغي أن يجعل أول النهار إلى وقت دخول السوق لآخرته, فيلازم المسجد, ويواظب على الأوراد. وكان صالحو السلف يجعلون أول النهار وآخره للآخرة والوسط للدنيا. فما يفوته من فضيلة التكبيرة الأولى مع الإمام في أول الوقت لا توازيها الدنيا بما فيها وقد كان السلف يبتدرون عند الآذان ويخلون الأسواق
الرابع: أن لا يقتصر على هذا, بل يلازم ذكر الله سبحانه في السوق, ويشتغل بالتهليل والتسبيح, فذكر الله في السوق بين الغافلين أفضل.
الخامس: أن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة, وذلك بأن يكون أول داخل وآخر خارج.
السادس: أن لا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتقى مواقع الشبهات ومواطن الريب
السابع: ينبغي أن يراقب جميع مجارى معاملته...فإنه مراقب ومحاسب, فليعد الجواب ليوم الحساب والعقاب, في كل فعله وقوله, لِمَ أقدم عليها ؟ ولأجل ماذا ؟
** قال العلامة السعدي رحمه الله: لما كان الاشتغال بالتجارة مظنة الغفلة عن ذكر الله, أمر الله بالإكثار من ذكره.
·تقديم طاعة الوالدين على السفر للتجارة:
قال الحسن بن عبدالوهاب بن عبد الحكم رحمه الله: كنتُ قد اعتزمت على الخروج إلى سر من رأي, في أيام المتوكل, فبلغ ذلك والدي فقال لي: يا حسن ما هذا الذي بلغني عنك ؟ قلت: يا أبت ما أريد بذلك إلا التجارة, فقال لي: إنك خرجت لم أكلمك أبداً, فلم أخرج وأطعته, فجلست فرزقني الله بعد ذلك فأكثر, وله الحمد
·الأعمال الصالحة تجارة في الدنيا يظهر ربحها في الآخرة:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الدنيا مزرعة الآخرة, وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة.
·التاجر يحذر من الغش والحلف:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: قال بعض السلف: عجبت للتاجر والبائع كيف ينجو, يزن ويحلف بالنهار, وينام بالليل.
·أربح التجارة:
** قال لقمان لابنه, يا بني، اتخذ طاعة الله تجارة تأتِك الأرباح من غير بضاعة.
** قال القاسم بن خلاد: العلم مصباح العقل, وهو جلاء القلب من صدى الجهل, وهو أقنع جليس, وأسرّ عشيق, وأفضل صاحب وقرين, وأربح تجارة.
** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: أربح التجارة ذكر الله.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: في كل جارحة من جوارح العبد عبودية تخصُّه, وطاعة مطلوبة منها, خُلقت لأجلها وهُيئت لها....فمن استعمل تلك الجوارح فيما خُلقت له وأٌريد منها, فهذا هو الذي تأجر الله بأربح التجارة.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: تجارة ربحها الجنات. وهي تجارة الإيمان والجهاد في سبيل الله, قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ. ﴾ إلى آخر الآيات [الصف:10-11] فهؤلاء هم الرابحون حقاً, وهم الذين تحققوا بالإيمان ظاهراً وباطناً فاجتهدوا في علوم الإيمان...في أعماله الباطنة كمحبة الله ورسوله وخشية الله وخوفه ورجائه, وفي أعماله الظاهرة كالأعمال البدنية والمالية والمركبة منهما- وجاهدوا أنفسهم على هذا, وجاهدوا أعداء الله بالحجة والبرهان, والسيف والسنان.... وأهل التجارة الرابحة إذا اشتغلوا بتجارة المعاش لم تكن قاطعة لهم عن تجارتهم, بل ربما كانت عوناً لهم عليها إذا أحسنوا فيها النية, وسلموا من المكاسب الرديئة, وأخذوا منها مقدار الحاجة, قال تعالى: ﴿ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ [النور:37] فلم يقل: إنهم لا يتجرون ولا يبيعون, بل أخبر أنهم لو فعلوا ذلك لم يشغلهم عن المقصود وهو ذكر الله وأمهات العبادات- وعطف البيع على التجارة-وإن كان البيع داخلاً فيها- لأنه أعظم الأسباب التي تحصل بها التجارة وأنواع المكاسب وأبرُكها والله أعلم.
** قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: 29، 30]، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: يرجون بفعلهم هذا تجارة لن تفسُد ولن تَهلِك ولن تكسد.
** قال الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر: معرفة الله، ومعرفة أسمائه وصفاته تجارة رابحة، ومن أرباحها سكون النفس وطمأنينة القلب وانشراح الصدر.
·تجارة بمثلها يتنافس الموفقون.
قال العلامة السعدي رحمه الله: المعلم مثاب مأجور على نفس تعليمه, سواء فهم عنه أو لم يفهم, فإذا فهم ما علمه وانتفع بنفسه ونفع غيره كان أجره جارياً للمعلم ما دام ذلك النفع متسلسلاً متصلاً, وهذه تجارة بمثلها يتنافس الموفقون.
·أخسر التجارة:
** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: أخسر التجارة ذكر الناس...بالشر.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: تجارة ربحها الخسران وأصناف الحسرات, وهي كل تجارة مشغلة عن طاعة الله...قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّـهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّـهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [الجمعة:11]
·التجارة بعرض المرأة:
قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: فباسم الحرية والمساواة...خرجت المرأة من البيت تزاحم الرجل في مجالات حياته. وخُلع منها الحجاب وما يتبعه من فضائل العفة والحياء والطهر والنقاء....ورفعوا عنها يد قيام الرجل عليها, لتسويغ التجارة بعرضها دون رقيب عليها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد