إلى المأسورين في سجن الإباحية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)، والله الذي لا إله إلا هو، يا إخوان يمكن أن يصل الإنسان إلى مرحلة ليس أن يجاهد نفسه في ألا يشاهد الحرام، لكن يصل إلى مرحلة أنه يكره بأن تقع عينه حتى بالخطأ على شيء من الحرام، وهذا المقال ليس مقامًا ملائكيًا، وإنما هو مقامٌ بشري، إيماني.. الله سبحانه وتعالى قد يمن عليك بأن يكره إلى قلبك -ليس فقط أن تبتعد- يكرّه إلى قلبك، هذه الفواحش وهذه المناظر المخزية، التي تقدح في الإيمان وتخدش في القلب وتحفر الأخاديد السوداء في النفس والذهن والقلب والصدر، وتشوه الإنسان في صلاته وفي قراءته للقرآن وفي قراءته للعلم، واستواء فطرته وفي حياته الزوجية وفي استواءه النفسي، وإلى آخره.

إلى متى ما ننتفض إنتفاضة حقيقية على أنفسنا ونتخلص من هذه الأدوية العفنة، الأدواء العفنة!

يعني إلى متى سيظل الإنسان مأسورًا تحت وطأة هذا العفن من الإباحيات والسوء الموجود فيها، إلى متى!

ألا يشتاق الإنسان إلى أن تكون فطرته نظيفة، صافية كما هي، وإلى أن يكون قلبه طاهرًا وإلى أن تكون نفسه زكيةً، إلى أن يكون قلبه إذا مر على آية من كتاب الله يعيش معها ويعيش حلاوتها ويذوق.

إلى متى يتابع هذه القذارة لأناس من أهل النجس أصلًا، مصادمة للفطرة والروح، مصادمة لسواعي الإيمان ولكل شيء.

على الأقل بعزة الإيمان على الإنسان أن يتخلص منها، يعني إذا لم يستطع التخلص منها خوفًا من الله على الأقل، يتخلص منها -وهو جزءٌ من الإيمان أيضًا- عزةً.. عزة المؤمن، المؤمن أعز وأشرف من أن يكون في هذا الوحل القذر، في هذا الوحل السيء والعفن، المؤمن أعز من ذلك بكثير.

 

ما الفرق بين البهيمة وبين الإنسان؟! والله البهائم أشرف حين يكون الإنسان يعيش بين أولئك من أهل الفجور والانحلال ومصادمة الفطرة، على الأقل لأجل واقع المسلمين، لأجل أن يستعملك الله في نصرة دينه، وأنت تعلم أن العمل للدين شرف! وأن الله يؤخر بعض الناس، (وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ).

 

هؤلاء بذنوبهم بفسقهم أخرّهم الله سبحانه وتعالى عن مواطن نصرة دينه، هذا الواقع للأمة وللمسلمين من الذي له! إذا كان البعض كلما أتيح له وقت ذهب يتتبع ذلك الفسق وذلك الفجور، هذا دنس للنفس، ونصرة الدين لا تكون إلا للنفوس العالية، لمن يحمل رسالة الدين فعلًا.. قد يؤيد الدين برجل فاجر من جهةٍ معينة لكن لا يحمل رسالة الدين حقًا ويقوم بها في الناس إلا الأصفياء الأتقياء، وكون الإنسان وقع في شيء من ذلك فهذا لا يعني أن الطريق أغلق أمامك، وأن البوابة قد أغلقت، على العكس من ذلك، يوجد فرصة! يوجد توبة نصوح.. يوجد باب ترجع فيه إلى الله سبحانه وتعالى، الباب مفتوح لا يغلقه أمامك إلا أنت أو الشيطان.

لا بد من انتفاضة حقيقية، ينتفض فيها الإنسان على نفسه ويخرج فيها من هذه الأوحال.

 

يأتيني الكثير من الرسائل: لي سنوات وأنا أتابع الإباحيات! يا أخي انتفض، انتفض انتفاضة الحر البطل المسلم، لا تجعل القضية مجرد شهوة تغلبك، إجعلها قضية صراع بين الحق والباطل، بين الإيمان الذي تحمله في قلبك، وبين الباطل الذي يروجه شرار الخلق وأنجاسهم، والشياطين معهم.

هذه المشاريع شيطانية مخيفة، الأعداء يدوسون علينا من جهة ويقيدون طاقاتنا من جهة أخرى بهذا العفن وهذه الأوحال، إلى متى سيظل الإنسان سنوات وهو مأسور، زللت مرة مرتين.. يكفي، الإنسان يرجع ويتوب إلى الله توبة نصوح صادقة.

ماذا تريد أفضل من عالم الإيمان، أفضل من أنك حين تقف بين يدي الله لا يطرأ في ذهنك صورة عفنة تشوه موقفك بين يدي الله، ماذا تريد أفضل من هذا؟ تقف صافي القلب بين يدي الله سبحانه وتعالى.

 

هذا عالم جميل من الإيمان ومن صفاء القلب ومن عزة الإيمان، حرام أن نحرم من برامج علمية ونحرم تعلم ديننا، لأنني إذا أمسكت الجوال أذهب إلى الحرام والمنكرات. وصل الحال إلى أننا أصبحنا مقيدين في كل شيء، يعني يأتي في بعض الأسئلة أن الشخص قد توقف عن تعلم الدين فقط حتى لا يمسك الجوال، لأنه لو أمسكه وقع، لماذا هذا الضعف، لماذا هذا الانهزام!

هناك عالم جميل جدًا في الأعلى.. عالم جميل وعظيم.. هناك في السماء عالم فيه التسبيح والتهليل بخشوع وصفاء وفيه القيام لله وفيه الذكر وفيه الصبر وفيه التضحية في سبيل الله، وتلك المقامات العلية أجمل ما في الكون، أجمل ما يعيش الإنسان لأجله، وهناك مقامات سفلية دنيّة، ساعة تجده يقوم ويتعثر ويتمطخ بالطين وبالكاد يمشي.

إذا نصب الصراط على جهنم هناك من يمر عليه كالبرق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك من يمر عليه كالريح، وهناك من يمر عليه كأجاويد الخيل، وهناك من يزحف زحفًا، ويمشي ويتعثر، أولئك الذين كانوا يتعثرون في أوحال الذنوب في الدنيا ولا يكادون يخرجون منها، ويبقى معهم شيء من بصيص الإيمان، أولئك إذا مروا على الصراط قد يتعثرون، ولكن التعثر ذاك ضريبته جهنم، أنت الآن الضريبة ليست كبيرة، الضريبة أن تترك وتتوب! هناك جهنم، الإنسان عليه أن ينتبه، القضية ليست لعب ولهو، وليست من باب الكمال والخيار، تقول أنا تعودت، كل ما اختليت أروح أفتح، هذا غير صحيح!

 

نعم هناك عادات وغير ذلك، لكن إذا جاءت عزة إيمانٍ حقيقية فإنها تقلب كل شيء، أدعو الجميع.. كل من يقرأ هذا الكلام، ممن يمكن قد يكون تأثر بشيء من ذلك، إلى أن ينتفض على نفسه انتفاضة حقيقية وأن يأخذ القضية بأنها مصيرية وقضية صراع بين حق وباطل، ويخاطب مواطن العزة في نفسه، العزة التي اكتسبها بتوحيده، وبإيمانه ألا إله إلا الله، وأن الجنة حق وأن النار حق، وأن محمد صلى الله عليه وسلم حق. خاطب أصول العزة في نفسك وانهض وانتفض بدلًا من أن يكون الإنسان مأسورًا بهذه الأوحال، ثم انظر بعد ذلك أبواب الخير التي تفتح لك.

(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)، ما أجمل أن تنتصر على نفسك وحين لا يراك أحد، حينها تدعوك نفسك ثم تدعس على هذه الرغبة وتبعدها، -هذه في مرحلة المجاهدة، فيما بعد سيبقى هذا ما تحبه أصلًا-، في مرحلة المجاهدة الآن شعور من أجمل ما يمكن أن يعيشه المسلم، تدعوك نفسك إلى مشاهدة الحرام، ثم تطأ عليها بقدمك وتقول لها انفكي عني، أنا لا أريد، أنا أخشى ربي بالغيب، هذا ليس فقط انتصار على النفس في المعصية، هذا اسمه حرارة الإيمان، الشعور الذي يمكن أن يأتي في نفسك بعدها، ستشعر أنك إنسان كريم، إنسان عزيز، لست إنسانًا ضعيفًا تهزم بهذه الأوحال الدنسة والدنئية وتظل تجاهد نفسك شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى مرحلة الاستقرار الإيماني، ومرحلة حلاوة الإيمان، ومرحلة أن يكون أكره شيء عليك وأنت تفتح الجوال أن تظهر لك صورة ولو عن طريق الخطأ بحيث يتكدر خاطرك ويضيق صدرك، ليس لأنك ستفتن بها، ولكن لأن جوهرة إيمانك الغالية لا تريد لشيء أن يخدشها، ولو خدش بسيط، هذه مرحلة ليست ملائكية لا يمكن الوصول إليها، إنما هي إيمانية بشرية يمكن الوصول إليها.

فلنتقي الله سبحانه وتعالى، ولنستعن به، إياك نعبد وإياك نستعين، لا حل لمثل هذه الأزمات إلا بالاستعانة الحقيقية بالله سبحانه وتعالى وبالتوكل عليه للخروج من هذه الأوحال.

 

أسأل الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه ومنه وجوده وإحسانه وبأنه الله الذي لا إله إلا هو السميع العليم، أسأله سبحانه أن يحب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، يا عليم يا حكيم، اللهم إنا نعوذ به من شر ما عملنا ومن شر مالم نعمل، اللهم طهر قلوبنا، وأصلح نفوسنا، اللهم أعطي نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، ربنا آتنا في الدنية حسنة وفي الآخرة حسنا وقنا عذاب النار.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply