بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد أثنى الله عز وجل على العلم وأهله العاملين به، فرفع درجتهم في الدنيا والآخرة، قال عز وجل: ﴿ يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ﴾ [المجادلة:11]
ومن أراد الله به خيرًا فقه في الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين )) [متفق عليه]
والعبد إذا مات فمن الأعمال التي تنفعه في قبره: العلم النافع الذي تركه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به... .الحديث) [أخرجه مسلم]
والمراد بالعلم: العلم الشرعي الذي فيه سعادة العبد في الدنيا والآخرة، والفخر والشرف في العلم الذي جاء به الرسول علية الصلاة والسلام، قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: المتأخرون قد علموا أمور الدنيا والاختراعات فهذا لا يدلّ على فضلهم لأن هذا ليس بعلم شرعي، هذه أمور دنيوية ومتاع قليل، إنما العلم والفخر والشرف في العلم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة، أما هذا العلم وإن كان فيه شيء من النفع فهو قد يضر الإنسان ويحمله على الكبر والظلم والعدوان ما الذي استفادته البشرية الآن من هذه المخترعات وهذه الأسلحة الفتاكة وهذه القنابل المدمرة ؟ استفادت الخسار والدمار والخطر حتى الذين اخترعوها يخافون منها غاية الخوف تهددهم غاية التهديد لكن العلوم الدنيوية إذا استعين بها على عمل الآخرة، صارت خيرًا.
ومن وفقه الله ومنّ عليه بمحبة علوم الشريعة فقد نال خيرًا كثيرًا، قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: من أنواع البركة التي يفيضها الله عز وجل على خاصة عباده، أن يمنّ عليهم بمحبة العلم، ومحبة تدارسه، والإقبال على ذلك.
والإنسان له أجر عظيم في تعلمه، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: العالم والمتعلم في الأجر سواء.
للسلف أقوال في فضل العلم، يسّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
· طريق إلى المعرفة بالله، والوصول إلى رضوانه،:
** قال يوسف بن الحسين: بالعلم يصح له العمل، وبالعمل تنال الحكمة، وبالحكمة يفهم الزهد، وبالزهد تترك الدنيا، وبترك الدنيا ترغب في الآخرة، وبالرغبة في الآخرة ينال رضي الله تعالى.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: لا طريق إلى معرفة الله، وإلى الوصول إلى رضوانه، والفوز بقربه، ومجاورته في الآخرة، إلا بالعلم النافع، الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: العلم به يعرف الله، وبه يُعبد.
· يُورث خشية الله جل جلاله:
** قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: بحسب المرء من العلم أن يخشى الله.
** قال ابن مسعود رضي الله عنه: كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار بالله جهلًا.
** قال أحمد بن يوسف بن أسباط: قلت لأبي: أكان مع حذيفة المرعشي علم ؟ قال: كان معه العلم الأكبر: خشية الله.
** قال عبدالله بن المبارك: أكثركم علمًا ينبغي أن يكون أشدكم خوفًا.
** قال سفيان الثوري: إنما يُطلب العلم ليُتقى الله به، فمن ثمّ فُضِّل، فلولا ذلك لكان كسائر الأشياء.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: العلم ثمرته: خشية الله كما قال عز وجل: ( إنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) [فاطر:28]
** قال العلامة السعدي: قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ﴾ فكلّ من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم. فإنه داع إلى خشية الله.
** قال العلامة عبدالله بن حميد رحمه الله: العلم الحقيقي الذي يُورثُ الخشية من الله.
** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ:
- المرء كلما ازداد علمه بالله عز وجل، علم أن ذنوبه كثيرة، كثيرة كثيرة... وخشي الله عز وجل، وخشي أن يطأ عقبه اثنان، خشي أن يُعظم في الخلق، خشي أن يُرفع في الناس، لأنه يعلم من الله عز وجل ومما يستحقه الله عز وجل ما يوقن بأنه لن يبلغ أن يكون موفيًا لله عز وجل حقه فيكون مقصرًا في الشكر.
- }، وإذا لم يورث في طالب العلم الخشية، والإنابة، والرجوع إلى الله، والأنس به، والاستغفار، وملازمة التقوى، فإنه يجب أن يحاسب نفسه على ذلك وأن يجعل العلم الذي معه حجة له في الرجوع إلى الصراط المستقيم.
فائدة: قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: أذكر في زمان الصبوة ووقت الغلمة والعزبة قدرتي على أشياء كانت النفوس تتوق إليها توقان العطشان إلى الماء الزلال، ولم يمنعني عنها إلا ما أثمر عندي العلم من خوف الله عز وجل.
· طريق إلى الجنة
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: ( سهل الله له طريقًا ) أي: في الآخرة، أو في الدنيا بأن يوفقه للأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة، وفيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه، لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، طريقًا حسيًا أو معنويًا، سلك الله وسهل له طريقًا إلى الجنة.
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: ينبغي الإسراع في طلب العلم وإدراكه والجد والاجتهاد في هذا لأنه من طرق الجنة التي أمر الله بالإسراع إليها في قوله سبحانه: ﴿وسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
· حسنات جارية للعبد حيًا وميتًا:
قال العلامة السعدي رحمه الله: كل من انتفع به في نفسه، ونفع به غيره بسببك، فهو حسنات جارية لك حيًا وميتًا
· من أكبر نعم الله على العبد:
** قال العلامة السعدي رحمه الله:
- من أكبر نعم الله على عبده أن يرزقه العلم النافع ويعرف الحكم والفصل بين الناس، كما امتن الله به على عبده داود عليه السلام
- منن الله على العباد كثيرة، وأفضل ما منَّ الله على عبده به هو: العلم النافع.
· نور للصدور وحياة للقلوب:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: العلم نور للصدور وحياة للقلوب.
· محبة الناس لطالب العلم:
قال الإمام ابن حزم رحمه الله: لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك ويحبُّونك، وأن العلماء يحبُّونك ويكرمونك، لكان ذلك سببًا إلى وجوب طلبه، فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة ؟
· من أفضل القًرب وأجل الطاعات:
** قال الحسن رحمه الله: لباب واحد من العلم أتعلمه، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها.
** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: طلب العلم من أفضل الأعمال، وإنما صار كذلك _ والله أعلم _ لأن الملائكة تضع أجنحتها له بالدعاء والاستغفار.
** قال الإمام القرطبي رحمه الله: طلب العلم فضيلة عظيمة، ومرتبة شريفة، لا يوازيها عمل.
** قال الإمام النووي رحمه الله: الاشتغال بالعلم من أفضل القرب وأجلّ الطاعات وأهم أنواع الخير، وآكد العبادات وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات، وشمر في إدراكه والتمكن فيه أصحاب الأنفس الزكيات وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى الخيرات
** قال العلامة السعدي رحمه الله: من أكبر القرب التي يتقرب بها إلى رب العالمين، وينال بها رضاه ويدرك بها ثوابه، وقد فضله أكثر العلماء على كل العبادات، فكيف عند أشد الحاجات إليه.
· من أعظم علامات الخير للعبد:
قال العلامة السعدي : " من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين " فمن أعظم علامات الخير للعبد، وأن الله أراد فلاحه وسعادته، أن يرزقه السعي في تحصيله ويعلمه إياه.
· يُزهدُ في الدنيا وأهلها:
قال عبدالباقي بن يوسف بن على البراعي: العلم دليل، فمن لم يدله علمه على الزهد في الدنيا وأهلها، لم يحصل على طائل من العلم، ولو علم ما علم، فإنما ذلك ظاهر من العلم، والعلم النافع وراء ذلك.
· يزيل الشبهات ويدفع الشهوات:
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: العلمُ يُستفاد به شيئان:
الشيء الأول: اليقين، الذي تزولُ به وسواس الشيطان بالشبهات والشكوك، فاليقين من صفة أهل الإيمان، وكلما كان المرء عالمًا كلّما حصل له اليقين، وكلما كان متمسكًا بمنهج السلف الصالح، وعقيدة أهل السنة، حصل له من اليقين ما لم يحصل لغيره، ولأمثاله من أصحاب العقائد والاتجاهات الأخرى.
الشيء الثاني: ما يدفع الله به الشهوات من القلب، وهو الورع الذي تندفع به الشهوات والأدران، ولهذا كان العلماء هم أهل الخشية: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ﴾ [فاطر:28] لأن عندهم من العلم ما يدفعُ الله به الشبهات والشهوات.
· لم يأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم:
** قال ابن القيم رحمه الله: الله سبحانه أمر نبيه أن يسأله مزيد العلم، فقال تعالى: ﴿فَتَعالَى اللَّـهُ المَلِكُ الحَقُّ وَلا تَعجَل بِالقُرآنِ مِن قَبلِ أَن يُقضى إِلَيكَ وَحيُهُ وَقُل رَبِّ زِدني عِلمًا ﴾ [طه:114] وكفى بهذا شرفًا للعلم أن أمر نبيه أن سأله المزيد منه.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله عز وجل: ﴿ رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114] واضح الدلالة في فضل العلم، لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم.
· به يتبين الراجح من الأقوال:
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: من فوائد العلم: أنه يتبين للمرء الحق، ومن هنا نعرف أن العلم ليس بمعرفة الأقوال، وإنما العلم بمعرفة الراجح من الأقوال.
· ميراث الأنبياء:
قال العلامة السعدي رحمه الله:
- العلم ميراث الرسول، والعلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا إلا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.
- ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، فليستقل العبد منه أو يستكثر، فله من إرث النبي صلى الله عليه وسلم، ومن النيابة عنه بحسب حاله.
· صدقة من العبد على نفسه:
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: من لازم العلم تعلمًا وتعليمًا، فإنه يتصدق في كل لحظة تمرُّ عليه على نفسه، وكذلك على غيره، ولهذا أهل العلم أعظم الناس أجورًا إن صلُحت نياتهم.
· يؤثر على الإنسان في عبادته وسلوكه:
** قال الحسن: كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وهديه ولسانه وبصره ويده.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: العلم يقوّم ما اعوج من الصفات، ويكمل ما نقص من الكمالات، ويسد الخلل.
** قال العلامة عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله: العلم النافع يؤثر على الإنسان في سلوكه، وأخلاقه، وعبادته، واستقامته.
· به تحصيل السعادة الأبدية:
قال العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله: قد استقر في الأذهان، واستغنى عن إقامة البرهان، ما للعلم من الشرف والفضيلة، وأنه هو الوسيلة لرفع الإنسان في المعنى عما ارتفع عنه في الصورة من البهائم.
ومما لا نزاع فيه أن العلوم تتفاوت في مقدار ذلك الشرف، منها: الشريف والأشرف، والمهم والأهم.
ومهما يتصور لعلوم الفلسفة والطبيعيات والرياضيات والأدبيات والصناعيات وغيرها من العلوم الكونيات مهما يتصور لها من الشرف والفضيلة، والمرتبة الرفيعة، فإنها لا تُداني في ذلك العلم الذي مع لها في ترقية المدارك، وتنوير العقول، ينفرد عنها بإصلاح الأخلاق، وتحصيل السعادة الأبدية، وهو علم الدين.
· الحاجة إليه أعظم من الحاجة إلى الطعام والشراب:
** قال حرب: سمعت أحمد يقول: الناسُ محتاجون إلى العلم قبل الخبز والماء، لأن العلم يحتاج إليه الإنسان في كل ساعة، والخبز والماء في اليوم مرة أو مرتين.
** قال عبدالرحمن بن مهدي: الرجل إلى العلم أحوج منه إلى الأكل والشرب.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: لولا العلم لكان الناس كالبهائم، والحاجة إلى العلم أعظم من الحاجة إلى الطعام والشراب.
· يُعين على الهداية وتحصيل المطلوب:
قال العلامة السعدي رحمه الله: من جدّ واجتهد في طلب العلم الشرعي فإنه يحصل له من الهداية، والمعونة على تحصيل مطلوبة، أمور إلهية خارجه عن مدرك اجتهاده، ويتسر له أمر العلم.
· يرفع صاحبه ويُعلي مكانته:
** قال العلامة السعدي رحمه الله: العلم يرفع الله به صاحبه، فوق العباد درجات، خصوصًا العالم العامل المعلم، فإنه يجعله الله إمامًا للناس، بحسب حاله، ترمق أفعاله، وتقتفى آثاره، ويستضاء بنوره، ويمشى بعلمه في ظلمة ديجوره.
** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: إذا نظرت إلى كتب التراجم _ التي هي قريبة من بين يديك اليوم _ وجدت أن أممًا من أهل العلم سبقوا، وبذلوا في العلم نفيس أوقاتهم، وكانت الصعوبات لديهم عظيمة، ومع ذلك أقبلوا على العلم، لِم ؟ لأنهم يعلمون أن الإنسان إنما يشرف بالعلم، وأن المسلم إذا لم يكن حاويًا للعلم بين جنبات صدره، فإنه ليس بشيء، فبقدر العلم الذي تحويه تكون منزلتك، فبالعلم ترفع وبعدم العلم تخفض قال الله عز وجل ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ ﴾ [المجادلة:11]
· به تُعرف أحكام الشريعة، ومراتبها ودرجاتها:
** قال العلامة السعدي رحمه الله: به يعرف الحلال من الحرام، والطيِّب من الخبيث.
- يكفي في هذا أن جميع الأقوال والأفعال والإرادات متوقفة في صحتها وفسادها وكمالها ونقصها وفي جميع صفاتها على العلم ما حَكَمَ به العلم من ذلك فهو كما قال
- جميع الأمور الدينية والدنيوية توزن بميزان العلم، فيُبين العلم مراتبها ودرجاتها في الصحة والكمال وضدها، والحق والصدق وضده، وفي جميع أوصاف الأشياء، فكل شيء مضطر إليه.
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: من ابتعد عن مواطن العلم فإنه جدير بأن يجهل بعض أحكام الشريعة.
** قال القاسم بن خلاد: العلم مصباح العقل، وهو جلاء القلب من صدى الجهل، وهو أقنع جليس، وأسرّ عشيق، وأفضل صاحب وقرين، وأربح تجارة، وأنفع مكسب وأفضل ما أقتني في الدنيا، واستظهر به للآخرة، واعتصم به من الذنوب، وسكنت إليه القلوب، ويزيد في شرف الشريف، ورفعة الوضيع، وقدر الوضيع، أُنس في الوحشة، وأمن عند الشدة، ودال على طاعة الله، وناه عن معصيته، وقائد إلى رضوانه، ووسيلة إلى رحمته.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: العلم حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور، ورياض العقول، ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحرين. وهو الميزان الذي به تُوزن الأقوال والأعمال والأحوال. وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين، والغي والرشاد، والهدى والضلال.
به يُعرف الله ويُعبد، ويذكر ويُوحد، ويُحمد ويمجد، وبه اهتدى إليه السالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون وبه تعرف الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام وبه تُوصل الأرحام وبه تُعرف مراضي الحبيب وبمعرفتها ومتابعتها يُوصل إليه من قريب
** قال العلامة السعدي رحمه الله: عموم نفعه، وشمول ثمرته، فالاشتغال به خير نفسه، وحصوله في القلب وفقه خير آخر، لأنه يخرج القلب من دائرة الجهل إلى دائرة العلم، وهو كالنور بين يدي العبد يعرف به أحوال نفسه وصفات ظاهره وباطنه. ثم من حيث تعديه إلى الغير، فنفس تعليمه للمسترشدين وإلقاء الدروس على الطالبين والنظر في فتاوى المستفتين
· أفضل من صلاة النافلة:
** قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: طلبُ العلم أفضل من صلاة النافلة.
** رأى ابن الشخير ابن له يتعبد قال يا بني، فضل العلم أحبُّ إليّ من فضل العبادة
** قال مطرف بن الشخير: فضل العلم خير من فضل العبادة.
** قال أبو الدرداء رضي الله عنه: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها.
· من أفضل الأعمال:
** قال الأوزاعي: سأل رجل ابن مسعود: أي الأعمال أفضل ؟ قال: العلم، فكرر عليه ثلاثًا كل ذلك يقول: العلم، ثم قال: ويحك إن مع العلم بالله ينفعك قليلُ العمل وكثيره، ومع الجهل بالله لا ينفعك قليل العمل ولا كثيره.
** قال بشر الحافي: لا أعلمُ على وجه الأرض عملًا أفضل من طلب العلم والحديث لمن اتقى الله وحسنت نيته.
** قال ابن هانئ: العلم لا يعدله شيء.
· من شرف العلم أن أباح الله سبحانه صيد الكلب المعلّم:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الله سبحانه جعل صيد الكلب الجاهل ميتةً يحرمُ أكلها، وأباح صيد الكلب المعلَّم. وهذا أيضًا من شرف العلم: أنه لا يباح إلا صيد الكلب العالِم، وأما الكلب الجاهل فلا يحلُّ أكل صيده، فدلَّ على شرف العلم وفضله.
· ولاية لا يعزل صاحبها:
قال الإمام الباجي رحمه الله تعالى، في وصيته لولديه: " العلم ولاية لا يعزل صاحبها، ولا يعرى من جمالها لابسها.
· من الجهاد في سبيل الله عز وجل:
قال العلامة السعدي رحمه الله: طلب العلم الشرعي، من الجهاد في سبيل الله، بل هو أحد نوعي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان للكفار والمنافقين. والجهاد على تعليم أمور الدين. وعلى ردّ نزاع المخالفين للحق ولو كانوا من المسلمين.
· شجرة تثمر كل قول حسن وعمل صالح:
قال العلامة السعدي رحمه الله: العلم شجرة تثمر كل قول حسن، وعمل صالح، والجهل شجرة تثمر كل قول وعمل خبيث، وإذا كان العلم بهذا المثابة فينبغي للإنسان أن يحرص كل الحرص، ويجتهد في تحصيله، وأن يديم الاستعانة بالله في تحصيله، ويبدأ بالأهم فالأهم منه.
· مصباح يستضاء به في ظلمة الجهل والهوى:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: العلم مصباح يستضاء به في ظلمة الجهل والهوى، فمن سار في طريق على غير مصباح لم يأمن أن يقع في بئر بوار فيعطب قال ابن سيرين: إن قومًا تركوا العلم واتخذوا محاريب فصلوا وصاموا بغير علم، والله ما عمل أحد بغير علم إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح
· أفضل من المال:
** قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال. والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: فضلُ العلم على المال يُعلمُ من وجوه:
أحدها: أن العلم ميراثُ الأنبياء، والمال ميراثُ الملوك والأغنياء.
الثاني: أن العلم يحرسُ صاحبه، وصاحب المال يحرسُ ماله.
الثالث: أنَّ المال تُذهِبُه النفقات، والعلمُ يزكو على النفقة.
الرابع: أن صاحب المال إذا مات فارقه ماله، والعلمُ يدخلُ معه قبره.
الخامس: أن العلم يحكم على المال، والمال لا يحكم على العلم.
السادس: المال يحصل للمؤمن والكافر والبرِّ والفاجر والعلمُ النافع لا يحصل إلا للمؤمن
السابع: أن العالِمَ يحتاجُ إليه الملوكُ فمن دونهم، وصاحب المالُ إنما يحتاج إليه أهلُ العُدم والفاقة.
الثامن: أن النفسَ تشرفُ وتزكو بجمع العلم وتحصيله، وذلك من كمالها، والمالُ لا يزكيها ولا يكملها ولا يزيدها صفة كمال، بل النفس تنقصُ وتشحُّ وتبخلُ بجمعه والحرص عليه، فحرصها على العلم عين كمالها، وحرصها على المال عين نقصها.
التاسع: أن المال يدعوها إلى الطغيان والفخر والخيلاء، والعلمُ يدعوها إلى التواضع والقيام بالعبودية فالمالُ يدعوها إلى صفات الملوك، والعلمُ يدعوها إلى صفات العبيد
العاشر: ما أطاع الله أحد قط إلا بالعلم، وعامة من يعصيه إنما يعصيه بالمال.
الحادي عشر: أن العلم حاجب موصل لها إلى سعادتها التي خُلقت لها والمال حجاب عنها وبينها.
الثاني عشر: المال يستعبدُ مُحِبَّه وصاحبه فيجعلُه عبدًا له، والعلم يستعبده لربه وخالقه
الثالث عشر: أن قيمة الغني مالُه، وقيمة العالم علُمه، فهذا متقوم بماله، فإذا عُدِمَ عُدمت قيمتُه فبقي بلا قيمة، والعالمُ لا تزولُ قيمته بل هي في تضاعفٍ وزيادة دائمة
الرابع عشر: أن العالم يدعو الناس إلى الله بعلمه وحاله، وجامعُ المال يدعوهم إلى الدنيا بحاله وماله.
الخامس عشر: أن الغنى بالمال هو عين فقر النفس، والغنى بالعلم هو غناها الحقيقي، فغناها بعلمها هو الغنى، وغناها بمالها هو الفقر.
السادس عشر: أن اللذة الحاصلة من غنى المال إما لذة وهمية وإما لذة بهيمية، فإن صاحبه إن التذَّ بنفس جمعه وتحصيله فتلك لذة وهمية خيالية، وإن التذَّ بإنفاقه في شهواته فهي لذة بهيمية، وأما لذة العلم فلذة عقلية روحانية، وهي تشبه لذة الملائكة وبهجتها. وفرق بين اللذتين.
السابع عشر: أن غنى المال مقرون بالخوف والحزن، فهو حزين قبل حصوله، خائف بعد حصوله، وكلما كان أكثر كان الخوف أقوى، وغنى العلم مقرون بالأمن والفرح
الثامن عشر: أن من قُدِّم وأُكرم لماله إذا زال ماله ذهب تقديمه وإكرامه، ومن قُدِّم وأُكرِم لعلمه فإنه لا يزداد إلا تقديمًا وإكرامًا.
التاسع عشر: أن غنى المال يبغضُ الموت ولقاء الله، فإنه لحبه ماله يكره مفارقته ويحب بقاءه،... وأما العلم فإنه يحبِّبُ للعبد لقاء ربه، ويزهده في هذه الدنيا... الفانية
العشرون: أن الأغنياء يموت ذكرهم بموتهم، والعلماءُ يموتون ويحيا ذكرُهم.
** قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: العالم وإن كان فقيرًا فهو عنده خير كثير، أفضل من التاجر، الذي يملك المليارات، وليس عنده علم، ولا مقارنة بينهما، لأن التاجر الذي عنده الأموال سيتركها، أو ربما تتلف، ثم إنه سيُحاسب عليها يوم القيامة، وأما العالم وإن لم يكن عنده شيء من متاع الدنيا الزائل، إلا أنه عنده خير الدنيا والآخرة، وهو العلم الذي نفعه ونفع غيره.
· متفرقات.
** قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن هذا العلم يزيد الشريف شرفًا، ويُجلس المملوك على الأسِرّة.
** قال الزهري: ما عُبد الله بشيء أفضل من العلم، وبعز العلم ثبات الدين والدنيا
** قال ربيعة الرائي: العلم وسيلة إلى كل فضيلة.
** قال وهب: العلم خليل المؤمن.
** قال النضر بن شميل بن خرشة: من أراد شرف الدنيا والآخرة فليتعلم العلم.
** قال أبو حنيفة: من ظن أنه يستغني عن العلم فليبكِ على نفسه.
** قال الشافعي: كفى بالعلم فضيلة أن يدعيه من ليس فيه، ويفرح إذا نُسب إليه.
** قال يحيى بن أبي كثير: ميراث العلم خير من ميراث الذهب.
** قال سفيان الثوري: اطلبوا العلم... فإنه عز وشرف في الدنيا والآخرة.
** قال رجاء بن حيوة: ما أحسن الإسلام يزينه الإيمان، وما أحسن الإيمان يزينه التقى، وما أحسن التقى يزينه العلم
*قال التستري من أراد الدنيا والآخرة فليكتب الحديث فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة
** قال فتح الموصلي: أليس المريض إذا منع الطعام والشراب والدواء ثلاثة أيام يموت؟ قالوا: بلى. قال: كذلك القلب إذا منع الحكمة عنه والعلم ثلاثة أيام يموت.
** قيل لبعض الحكماء: أي الأشياء تقتني ؟ قال: الأشياء التي إذا غرقت سفينتك سبحت معك. يعني: العلم.
** قال الزبير بن أبي بكر: كتب إلي أبي بالعراق: عليك بالعلم فإنك إن افتقرت كان لك مالًا، وإن استغنيت كان لك جمالًا.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: العلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلى،... به يعرف الحلال والحرام... يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
- محبةُ العلم من علامات السعادة وبغضُ العلم من علامات الشقاوة، وهذا كله إنما هو في علم الرسل الذي جاؤوا به، وورثوه للأمَّة، لا في كلِّ ما يسمى علمًا.
-العلم غنى بلا مال، وعز بلا عشيرة، وسلطان بلا رجال.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد