حفظ النفس في الإسلام


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الخطبة الأولى:

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، )وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.(

أَيُّهَا النَّاسُ: لَقَدْ اِهْتَمَّ الْإِسْلَامُ بِشَأنِ النَّفسِ الْبَشَـرِيَّةِ ، ورَفَعَ مِن قَدْرِها، وأقْسمَ بهَا سُبْحَانَهُ، فَقَالَ: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾، وَكَرَّمَهَا خَالِقُهَا وفَضَّلَهَا عَلى كَثِيْرٍ مِنْ مَخْلُوْقَاتِه؛ فقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا﴾، وبَيَّنَ عِظَمَ الجُرمِ في التَّعدِّي عليها؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾، وشَرَع لها مِنَ الوَسَائِلِ والأحْكَامِ ما يُحقِّقُ لها المصَالِحَ ويَدْرَأُ عنها المفَاسِدَ؛ مَبَالغةً في حِفْظِها وصِيَانَتِها ودَرْءِ الاِعْتِدَاءِ عَلَيْهَا، فَمْنْ ذَلِكَ: تَحْرِيْمُ الانْتِحَارِ، والوَعِيْدُ الشَّدِيْدُ لِمنْ قَتَلَ نَفسَه، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وقَالَ: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) مُتَّفقٌ عَلَيْه.

وَمِنْ تِلْكَ الأحْكَامِ: النَّهْيُ عنْ الإِشَارةِ بالسِّلَاحِ والحَدِيدةٍ وإِنْ لم تَكُنْ سِلَاحا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ : (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) رَوَاهُ مُسْلِم.

ومِنْهَا: إِيْجَابُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَرَامَةِ الإِنْسَانِ، وَمَنْعُ الِاعْتِدَاءِ عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وكَذَا النَّهيُ عَنْ الغَضَبِ والسَّبِّ والشَّتمِ، المُفْضِـيْ للعَدَاوَةِ ثمَّ التَّقاتلِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾، وَفِي الْحَديثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيهِ: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا).

وَمِنْ تِلْكَ الوَسَائِلِ والأحْكَامِ: تَشريعُ الْحُدُودِ والدِّيَاتِ؛ كَفًّا ورَدْعًا لِلظَّالِمِينَ وَالْجَائِرِينَ، وَحَيَاةً لِلْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾، قَالَ قَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْقِصَاصَ حَيَاةً وَنَكَالًا وَعِظَةً لِأَهْلِ السَّفَهِ وَالْجَهْلِ مِنَ النَّاسِ، وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ هَمَّ بِدَاهِيَةٍ لَوْلَا مَخَافَةُ الْقِصَاصِ لَوَقَعَ بِهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَجَزَ بِالْقِصَاصِ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَمْرٍ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ أَمْرُ صَلَاحٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَا نَهَى اللَّهُ عَنْ أَمْرٍ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ أَمْرُ فَسَادٍ فِي الدُّنْيَا وَالدَّيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالَّذِي يُصْلِحُ خَلْقَهُ".

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيْهِ مِنْ اَلْآَيَاتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اَلْلهَ اَلْعَظِيْمَ لِيْ وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ.

 

الخطبة الثانية:

اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ومِنْ جُمْلَةِ الوَسَائِلِ المَشْرُوعَة في حِفْظِ النَّفسِ: الاِهْتِمَامُ بِالصِّحَّةِ العَامَّة وسَلَامَةِ الغِذَاءِ، وكَذَا مَعرِفَةُ الأسْبَابِ التي تَقِي مِنَ الأخطَارِ قبلَ وُقُوعِهَا، أو تُعِيْنُ على مُعَالَـجَتِهَا بعدَ حُدُوثِهَا، كتَعَلُّمِ مَهَارَاتِ الإِسْعَافَاتِ الأوَّلِيَّةِ مِنْ مَصَادِرِهَا المَوثُوقَةِ، وَالْاِسْتِفَادَةُ مِنْ أَهْلِ الْاِخْتِصَاصِ فِي هَذَا الشَّأْنِ؛ فَكَمْ سَمِعْنَا عَنْ شَخْصٍ مَاتَ بِسَبَبِ غَصَّهِ بِلُقْمَةٍ أَوْ بِقَطْعَةِ وَهُوَ بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ، أَوْ مَاتَ بِسَبَبِ انْخِفَاضِ السُّكَّرِ أَوِ الضَّغْطِ، أَوْ مَاتَ بِسَبَبِ الْغَرَقِ، أَوْ بِسَبَبِ التَّمَاسٍ كَهْرَبَائِيٍّ، أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الحَوَادِثِ التِيْ لَرُبْمَا أَمْكَنَ لِمنْ حَضَرَهَا أَوْ وَقَعَتْ لَهُ أَنْ يُحْسِنَ التَّصَرُّفَ مَعَهَا بَعْدَ مَشِيْئَةِ اللهِ وحِفْظِهْ.

وممَّا يَنبَغِي علَى المُسْلمِ أَنْ يَجْمَعَ مَعْ هَذَا: الأَسْبَابَ الشَّرعِيَّةَ فِيْ حِفْظِ النَّفْسِ وحِمَايَتِهَا، كالدُّعَاء، والمُدَاوَمَةِ علَى ذِكْرِ الله، والعِنَايَةِ بِأَذْكَارِ الصَّبَاحِ والمسَاءِ، والخُرُوْجِ مِنْ المنْزِلِ، والنُّزُوْلِ فِيْ مَكَانٍ، وَفِي الْحَديثِ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ)، وقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنزِلًا، فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply