بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يمكنُ إجمال أهمّ ما جاءت الشّريعة الإسلاميّة بتحديده فيما يخصّ تنظيم العلاقة بين الرّجل بالمرأة في أربعة أمور :
(1) الخلوة بها، فالخلوة بالمرأة محرّمة، وحدّها: أن يلتقي الرّجل بالمرأة التقاء يمكن شغلُه بالجماع، أي: في مكان مغلَق، وما عدا ذلك من لقاء لا يُسمّى في الشّرع خلوة، كاللقاء في الأماكن العامّة مثلًا.
(2) محادثتُها فيما لا يحلّ من صنوف الكلام المحرّم، كالحديث عن الجنس وما شابه، فهذا أيضًا محرّم وإن لم يكن بخلوة.
(3) النّظر إليها بشهوة، وهذا لا خلاف في حرمتِه. وأمّا النظر إليها بغير شهوة فمحلّ خلاف بين أهل العلم، وخلافهم فيه سائغ.
(4) ملامستها، ويدخلُ تحته ألوانٌ من الصّغائر والكبائر .
وقد أتى الشّرعُ بتحريم هذه الأمور وألزمَها حكمًا واحدًا، فلا يتغيّر باختلاف الزّمان والمكان، ولا تؤثّر فيها أعراف النّاس وعاداتهم وطباعهم، بل تلزم حالة واحدةً دائمًا من جهة حكمِها. وقد يتغيّر هذا الحكم لضرورة معيّنة، كالطّبيب يضطر إلى لمسِ المرأة لعلاجِها عند عدم وجود الطّبيبة .
إذا علمتَ ذلك فاعلم أنّ أغلبَ ما سوى هذه الأمور ليس له حدٌّ مضبوطٌ في الشّرع، بل يتغيّر حكمُه بتغيّر الزّمان والمكان، ويختلف بختلاف أعراف النّاس وعاداتهم، وباختلاف المفسدة المترتّبة عليها التي يقدّرها أهل العلم في زمانهم ومكانهم الخاصّ بهم دون سواهم.
ومن هذا النّوع: الاختلاط في الشّوارع والأسواق والعمل والتّعليم، والحديث المتبادل بينهما سواء المباشر منه أو عن طريق الهاتف أو مواقع التّواصل، وكزيارتها، وعيادتها في مرضِها، وتعليمها، وغير ذلك. وهذا كلّه ورد فيه أدلّة صحيحة من السّنة النّبويّة، كما ورد مثلًا في أحاديث الرّجال والنّساء زمن الوحي، وخلوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بامرأة في الطّريق والنّاس يرونهم، وكزيارة أبي بكر وعمر للسّيدة أمّ أيمن، وزيارة أمّ الدّرداء لرجُلٍ من أهل المسجد من الأنصار، وغير ذلك مما لا يتّسع المقامُ لاستقصائه.
فهذه الأمور كلّها ليس لها حدٌّ ثابت في الشّرع، فهي تتفاوتُ ما بين مسكوتٍ عنه ومنصوص على جوازِه وإباحته بشروطِه المعتبرَة.
فمن حكم بتحريم هذه الأمور من جهة الأصل دون التفات إلى تغيّر أحكامها فقد استدرك على الشّرع، وتقوّل عليه بغير علم، ونسب إليه ما لم يقله.
ومن لم يدرك تأثير اختلاف العرُف والزّمان والمكان في طريقة استنباط الحكم الصّحيح لهذه المسائل فقد أخطأ وأتى بالعجائب، وذلك كما يفعلُ بعضُ المتصدّرين للفتوى في زماننا ممن لم ينل حظّا من الفقه والحكمة في مثل هذا النّوع من استدعاء فتاوى علماء بلاد أخرى أو أزمنة أخرى إلى بلادهم وأزمنتهم؛ لإثبات إباحة شيء أو تحريمه، بل يتّهمون النّاس في أخلاقهم ومروءاتهم بناء على هذه الأحكام الجائرة، وهذا كلّه من الخلل والتّعاطي السّطحي مع علم الفقه الشّريف.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد