بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تأسرني سيرة السّيدة أسماء بنت أبي بكر مع زوجها الزّبير بن العوّام رضي الله عنهم جميعًا، ففي قصّة حياتها معه وصبْرها على ضيق العيْش وشدّة الغيرة وحدّة الطباع التي تبلغُ به إلى أن يضربها إذا غضب عليها= ما يستحقّ التأمّل والوقوف عنده كثيرًا.
تحكي السّيدة الطّيبة عن نفسها فتقول: إنّها تزوّجت الزّبير فكانت تخدمه خدمة البيْت، ولم يكن يملك مِن حطام الدّنيا شيئًا، غير فرَس وجمَل يُسقى عليه الماء، فكانت تعلفُهما وتكفيهما مؤنتهما وتسقيهما، فلم يكن شيء أشدّ عليها ولا أصعب من سياسة هذا الفرَس.
وعن معاناتها مع إعداد الخُبْز تذكرُ: أنّها كانت تعجنُ الدّقيق لكنّها لم تكن تحسنُ أن تخبزه، فكان يخبزُ لها جاراتها من الأنصار، كما هي عادة الأنصار رضي الله عنهم أهل نجدة وإغاثة، فكانت تصفُ هؤلاء النّسوة بأنّهنّ نسوة صِدْق، لما لهنّ من حسن العشْرة والوفاء بالعهد.
وكان للزّبير أرضٌ أعطاها له رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم لينتفع بها، فكانت أسماء تحملُ نوى التّمر على رأسها من هذه الأرض إلى بيتها، وكانت المسافة بين بيتها والأرض نحوًا من 4 كيلومترات بتقديراتنا المعاصرة.
المدهش في الأمر هنا أنّ نساء بني تيْم كنّ معروفات بشراسة الخلُق، لكن السّيدة أسماء يبدو من سيرتها أنّها لم تكن تشبه قريباتها في ذلك، كانت أختها أمّ المؤمنين سيّدتنا عائشة على هذه الشّراسة كما هو معروف من سيرتها، ويمكن أن تلحظ ذلك أيضًا عند المشهورات من بنات تيم كما في الأخبار الواردة عن عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وعن أختها أمّ إسحاق بنت طلحة التي نُقِل عنها أنّها كانت ربّما تحمل وتضع حمْلها وهي مقاطعة لزوجها الحسيْن بن عليّ عليه السّلام لا تكلّمه.
من الجدير بالذّكر أيضًا أن تعلم أنّ هذا الزّواج لم يستمرّ، فقد طلّق الزّبير أسماء، فقد جاء في بعض الرّوايات: أنّ الزّبير كان يضربها، فصاحت بولدها عبد الله بن الزّبير رضي الله عنه فأقبل، فلمّا رآه الزّبير قال: أمّك طالق إن دخلتَ! فقال له عبدُ الله: أتجعل أمّي عُرضةً ليمينك؟! فاقتحم عليه، فخلّصها منه، فطلّقتْ منه، وكان عبد الله ما زال غلامًا.
من أجل كلّ هذا الصّبر والرّضا استحقّت أن يصفها الرّواة بأنّها كانت امرأةً سخيّة النّفس، فيُحكَى عنها أنّها كانت إذا مرضت المرْضة أعتقتْ كلّ مملوك لها، وكانت تقول لبناتها وأهلها: أنفقْن وتصدّقن، ولا تنتظرن الفضل؛ فإنّكنّ إن انتظرتنّ الفضْل لم تُفضِلن شيئًا.
وأنا من خلال هذا العرض اليسير لحياة السّيدة أسماء لا أريد أن أقول لأحد: إنّ هذا هو النّموذج الأكمل لما ينبغي أن تكون عليه المرأة، فالصّحابة رضي الله عنهم ما كانوا إلا كالنّاس، بل هناك أخريات في جيل الصّحابيّات لم تقبل الواحدة منهنّ هذه الحياة على نفسها وأخبارهنّ في ذلك كثيرة، فليختر كلّ امرئ لنفسه ما يناسبُ حياته، إنّما أريد أن أحيي ذكْرَها وسيرتها وألقي الضّوء على ما لقيتْه في حياتها من شدائد، مستحضرًا قول أمّ المؤمنين عائشة فيما تتعرّض له النّساء من معاناة: ما رأيتُ مثْل ما يلقى المؤمنات! فيكون تثبيتًا لفؤاد من لا حيلة له ممن أنهكتهم المتاعب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد