كيد الشيطان ووسوسته


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، ويعرف جيدًا كيف يتعامل مع اضطرابات قلبه، فيزيد فيه من جنس ما يركن له قلبه ويميل إليه بطبعه، فإن كان خائفًا زاده رعبًا، وإن كان حزينًا زاد في تشاؤمه، وإن كان حريصًا زاد في قلقه، وإن كان متشككًا زاده شكًا وريبة، ولن يفلح من فتح قلبه للشيطان.

وليس أعظم في دفع تسلط الشيطان ووسوسته من العلاج الرباني القرآني والهدي النبوي، وذلك بالاستعاذة من الشيطان وعمله وكيده الخبيث، والتأكيد الواعي على اليقين والإيمان القلبي الذي هو الأصل في قلب المؤمن، والانتهاء مباشرة وفورًا من مجاراة والاسترسال مع همزات الشياطين ومصارعتها، والبدء سريعًا بالانشغال المباشر بالعمل النافع الصالح.

فالشيطان يهدف من همزاته ووسواسه أن يفسد على الإنسان إيمانه في يومه بإفساد مزاجه وخاطره، باشغاله بصراع مرضي بأوهام وأفكار سلبية، لا أصل لمعظمها، ولم يدخل الشيطان إلى قلب أو عقل إنسان إلا والإنسان قد سمح له ذلك بالاسترسال معه، فإن الشيطان لا يفرض وساوسه قهرًا على قلب الإنسان.

والشيطان لا يقدر أن يضر ابن آدم إلا بخواطر الحزن والأسى والشكوك والريب والمخاوف، التي أصلها قد يكون طبيعًا، فينفخ فيها ويبالغ فيها ويعظمها حتى يحطم قلب الإنسان ويدمر حدود تفكيره، فيصير مترقبًا للكوارث متوقعًا للآفات التي يتخيل أنها تحيط بها وتهدده وستنال منه، وذلك كيد الشيطان!

ومن خبث الشيطان وكيده أن أول خيطٍ يمسكه ليقود زمام الإنسان هو الحرص والخوف على الدنيا، وهو في أصله حرص طبيعي في جبلة الإنسان، فيعظم ذلك له ويخوفه من فوات مصالحه ويرعبه من حصول مضاره وخسائره، فيجعل هم الدنيا في قلبه كالجبال، فلا يزيده إلا رعبًا وهمًا وخوفًا وقلقًا، فيفسد حياته.

وتأمل كيد الشيطان كيف بدأ بما هو محبوب لقلب الإنسان وهو الحرص على الدنيا وسلامتها، ثم ساقه بالتدريج للمبالغة فيها، إلى أن ضيع حياته في طريق وهم الحرص عليها، فجعلها محاطة بالأحزان والغموم والأكدار والمخاوف المرعبة، حتى دفع بعضهم من الحرص على الدنيا إلى محاولة التخلص من الحياة!

فالشيطان يبدأ مع الإنسان فيما يتفق معه، بالتأكيد على الشيء الذي يحبه وأهميته، ثم يقوده إلى هلاكه عن طريق محبوباته ورغباته نفسها، بأن يجعلها في عينه أعظم مما عند الله، وخوفه عليها أعظم من خوفه من الله، والرجاء فيها أعظم من الرجاء في الله، حتى يدعه لنفس وحيدًا تهلكه أطماعه ومخاوفه.

يعده الشيطان ويمنيه وما بعده الشيطان إلا غرورًا ووهمًا كاذبًا وسرابًا خادعًا، وتلك هي وعود الشيطان: أولها إغراء وحرص، ووسطها آلام وعذاب ومخاوف وأحزان، ونهايتها هلاك وجحيم قلبي ونفسي وعقلي. والله يعد الإنسان بالخير والفلاح السعادة والفرح، لكن معظم الناس إنما ينساقون لوعود الشيطان.

(ٱلشَّيْطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ ۖ والله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً منه وَفَضْلًا ۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ)، (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ…وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply