بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِه محمدٍ بن عبدِ الله ﷺ، وشرَ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}...
معاشر المؤمنين الكرام: هذه هي الحلقة السابعة عشرة من سلسلة حلقات ودروس الدار الآخرة، وكنا قد تحدثنا في الحلقة الماضية عن مرحلةُ الجدالِ والتَّخاصُم بين الغرماء، حيث يشتدُّ جدالُ المتخاصمين بين يدي احكمِ الحاكمين جلَّ وعلا، وكُلٌّ يتبرأُ من الآخر ويشهدُ ضِدهُ، الاتباع يتبرأون من أتباعهم، الطواغيت يتبرأون ممن كان يعبدهم... {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}، الأممُ الكافرةُ تتنكرُ لرسلها تقولُ (ما جاءنا من بشير ولا نذير)، فتدعى أمةُ محمدٍ ﷺ ليشهدوا لهم... ويقتصُ الله جلَّ جلاله للعباد بعضِهم من بعضٍ حتَّى لا يبقى لأحدٍ مظلمةٌ عند أحد، ففي الحديث الصحيح: "من كانت عندَهُ مظلِمةٌ لأخيهِ في دمٍ أو مالٍ, فليتحلَّلْها منْه قبلِ أن يأتي يوم ليسَ فيهِ درْهمٌ ولا دينارٌ, إلا الحسناتِ والسيِّئاتِ فإن كانت لَهُ حسناتٌ أُخِذَ من حسناتِهِ بقدرِ مظلِمتهِ, وإلَّا أخذَ من سيِّئاتِ صاحبِهِ فطُرِحت عليهِ ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ"، وفي صحيح مسلم: "لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتَّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ"... فإذا انتهت مرحلة التخاصم، وتناصفَ الخلق من بعضهم، وأُرجِعت الحقوقُ لأهلها، جاءت مرحلةُ الحسابِ الفردي، حيثُ سيقفُ كُل عبدٍ بين يدي ربه جلَّ وعلا وحيدًا منفردًا، فيحاسبه على أعماله وعباداته، في الحديث الصحيح: "ما مِنكُم أحَدٌ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تُرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ منه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ مِن عَمَلِهِ، ويَنْظُرُ أشْأَمَ منه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بيْنَ يَدَيْهِ فلا يَرَى إلَّا النَّارَ تِلْقاءَ وجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ"... وما أكثرُ الآياتِ والأحاديث التي تبينُ أنَّ الانسانَ سيُسألُ عما كُلِفَ به من واجباتٍ وعبادات، وعمَّا استرعاهُ اللهُ من رعيهٍ وأمانات... فيُسألُ الانسانُ عن دينه وإيمانه، قال تعالى: {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ}، ويُسألُ عن صدقه وكذبه، قال تعالى: {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}... ويُسألُ عن رعيته، في الحديث الصحيح: "إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استَرعاهُ، حفِظَ أم ضيَّعَ، حتَّى يَسألَ الرَّجلَ عن أهلِ بيتِهِ"، وفي صحيح البخاري: قال ﷺ: "أَلا كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ"... ويُسألُ عن جوارحه، قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}... ويُسألُ عن عُمره وعِلمه وماله وبدنه، ففي الحديث المشهور: "لا تَزُولُ قَدَمَا عبدٍ حتى يُسْأَلَ أربع: عن عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاه، وعن علمِه ما فعل فيه، وعن مالِه مِن أين اكتسبه وفِيمَ أَنْفَقَهُ، وعن جِسْمِه فِيمَ أَبْلَاه"... ويُسألُ عن النعيم وعمَّا أعطي من الدنيا... قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}... وصح عنه ﷺ أنه قال: "إنَّ أوَّلَ ما يُسأَلُ عنهُ العبدُ يومَ القيامةِ من النَّعيمِ أنْ يُقالَ لهُ: ألمْ نُصِحَّ لكَ جِسمَكَ، ونُرْوِيكَ من الماءِ البارِدِ"... ويُسألُ كذلك عن عُهوده ومواثقه، قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}.... فموقف الحساب بين يدي الله جلَّ جلاله موقفٌ رهيبٌ عصيب، جليلٌ مهيب... إذ أنهُ لا حِيلةَ تُغني، ولا عُذرَ يُقبل، ولا شفيعَ ينفع، ولا مالَ يفدي، ولا سُلطان ينصر، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، وقال تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}، وقال سبحانه: {يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}... إنها يا عباد الله: محكمةُ العدلِ الإلهي، (لا ظلم اليوم)، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}.. وإذا كانت حواسيب اليوم العملاقة يمكن أن تجري مليارات العمليات في الثانية الواحدة، فكيف بأسرع الحاسبين سبحانه وتعالى، إنها والله يا عباد الله لفتةٌ قرآنيةٌ مُعجزة، تأمل: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}، وقال جلَّ وعلا: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.... ثم إن من عدل اللهِ جلَّ وعلا أن يُعطيَ كُلَّ عبدٍ كتابَ أعماله، فيرى فيه كلَّ ما عمِلهُ بمنتهي الدقة، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وجاءت الآياتُ صريحةً واضحة, أنَّ الانسانَ سيقرأُ كتابَ أعمالهِ قبل أن يُحاسب، ليعلم أنَّ اللهَ لم يظلمه، وأنَّ كلَّ ما سُجِلَ عليهِ حقٌّ وعدل، وبلا زيادةٍ ولا نقصان، قال تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}.... ثم إن من المشاهد العجيبةِ عند الحساب، أنَّ جزاءَ بعضِ الأعمالِ الصالحةِ أو السيئة سيظهرُ مجسدًا ملحوظًا، ففي الحديث الصحيح: "ما مِن أحدٍ لا يؤدِّي زَكاةَ مالِهِ إلَّا مُثِّلَ لَه يومَ القيامَةِ شُجاعًا أقرعَ حتَّى يطوِّقَ عنقَهُ" ثمَّ قرأ ﷺ قوله تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}... وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}... و"ما مِن صَاحِبِ إبِلٍ، وَلَا بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ لا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلَّا جَاءَتْ يَومَ القِيَامَةِ أَعْظَمَ ما كَانَتْ، وَأَسْمَنَهُ بأَظْلَافِهَا تَنْطَحُهُ بقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ "، }والَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، وفي الأحاديث الصحيحة: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ، ولا يَنْظُرُ إليهِم، ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ: شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذّابٌ، وعائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ"... "وثلاثةٌ لا ينظُرُ اللَّهُ إليهِم يومَ القيامةِ: العاقُّ لوالديهِ ومدمِنُ خَمرٍ والمنَّانُ بما أعطَى"... "وثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يومَ القيامةِ، ولا ينظرُ إليهم، ولا يزَكِّيهم، ولَهُم عذابٌ أليمٌ: المسبِلُ إزارَهُ، والمنَّانُ عطاءَهُ، والمنفِّقُ سِلعتَهُ بالحلفِ الكاذبِ"، وجاء في حديثٍ صحيح: "يُرفَعُ لِكُلِّ غادرٍ لواءٌ بِقَدرِ غدرتِهِ يومَ القيامةِ ألا ولا غدرَ أَكْبرُ مِن غدرِ أميرِ عامَّةٍ"، وفي روايةٍ صحيحة: يقال: "هذِه غَدْرَةُ فُلانِ بنِ فُلانٍ".. وفي محكم التنزيل: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}، وفي الحديث الصحيح: "إنَّ من شرِّ النَّاسِ عندَ اللَّهِ يومَ القيامةِ ذا الوجْهينِ"... وفي صحيح البخاري:"مَن أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شيئًا بغيرِ حَقِّهِ خُسِفَ به يَومَ القِيَامَةِ إلى سَبْعِ أَرَضِينَ"... "ومن سألَ ولَهُ ما يُغنيهِ جاءت مسألتُهُ يومَ القيامةِ خُدوشًا أو خُموشًا أو كُدوحًا في وجْهِه"... "ومَن تَحَلَّمَ بحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، ولَنْ يَفْعَلَ. ومَنِ اسْتَمع إلى حَديثِ قَوْمٍ وهُمْ له كارِهُونَ، أوْ يَفِرُّونَ منه؛ صُبَّ في أُذُنِهِ الآنُكُ يَومَ القِيامَةِ"... "ومَنْ سُئِلَ عن عِلْمٍ فَكَتَمَهُ جاء يومَ القِيامَةَ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ من نارٍ، ومَنْ قال في القرآنِ بغيرِ عِلْمٍ جاء يومَ القيامةِ مُلَجَّمًا بِلِجَامٍ من نارٍ"... "وإنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذابًا عِنْدَ اللَّهِ يَومَ القِيامَةِ المُصَوِّرُونَ"... اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}...
معاشر المؤمنين الكرام: كانت تلك بعضُ الأعمالِ السيئة التي سيظهرُ بعضُ جزاءها مجسدًا على أرض المحشر، وفي المقابل:}فـمَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}... والأمثلةُ على ذلك كثيرة، فقد صح عنه ﷺ أنه قال: "إنَّ أمَّتي يأتونَ يومَ القيامةِ غرًا مُحجلينَ من آثارِ الوضوءِ"، "وإنَّ المتحابِّينَ في اللهِ على منابرَ من نورٍ يومَ القيامةِ"، "وللشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ" ذكر منها: "ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه"، "ومن مات مرابطًا في سبيلِ اللهِ أمِنَ من الفزعِ الأكبرِ"،"ولا يُكْلَمُ أحَدٌ في سَبيلِ اللهِ، إلَّا جاءَ يَومَ القِيامَةِ وجُرْحُهُ يَثْعَبُ، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، والرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ"، "والصِّيامُ والقرآنُ يشفَعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ"، "وطوبى لِمن وجدَ في صَحيفتِهِ استغفارًا كثيرًا"، " وكَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ"، "ومَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ.... الخ الدعاء، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، "ومن نفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ"، "ومَن شاب شيبةً في الإسلامِ كانتْ له نورًا يومَ القيامةِ"، "والْمُؤَذِّنُونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعْنَاقًا يَومَ القِيَامَةِ"، "وإنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ"... ثم إن هناك من يدخل الجنة بلا حسابٍ ولا عذاب، فقد جاء في الحديث الصحيح: "وعدَني ربِّي أن يُدْخِلَ الجنَّةَ مِن أمَّتي سبعينَ ألفًا لا حسابَ علَيهِم ولا عذابَ، معَ كلِّ ألفٍ سبعونَ ألفًا، وثلاثُ حثَياتٍ مِن حَثَياتِه"... وفي الحديث الصحيح: "ليسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَومَ القِيامَةِ إلَّا هَلَكَ"، فَقُالتُ عائشة رضي الله عنها: يا رَسولَ اللَّهِ، أليسَ قدْ قالَ اللَّهُ تَعالَى: {فَأَمَّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا}، فقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: "إنَّما ذَلِكِ العَرْضُ، وليسَ أحَدٌ يُناقَشُ الحِسابَ يَومَ القِيامَةِ إلَّا عُذِّبَ"... وأهل الحساب اليسير كما جاء في الآية الكريمة: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}، وكما جاء في الحديث الصحيح: "يَدْنُو أحَدُكُمْ مِن رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عليه، فيَقولُ: عَمِلْتَ كَذَا وكَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ، ويقولُ: عَمِلْتَ كَذَا وكَذَا، فيَقولُ: نَعَمْ، فيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يقولُ: إنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، فأنَا أغْفِرُهَا لكَ اليَومَ"، وهناك من يعاتب عتابًا يسيرًا، كما جاء في الحديث الصحيح:"إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟" الخ الحديث.... وأما أهل الحساب العسير فهم أهل الرياء والمصرون على الكبائر، هؤلاء يُشدَّد عليهم، ففي الحديث الصحيح: "إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ"، وهكذا العالم المرائي بعلمه، وصاحب المال المنفق رياءً...
وبعد مرحلة الحساب الفردي، تأتي مرحلة الميزان وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة بإذن الله...
فاتقوا الله عباد الله، {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}...
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد