بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
وكثير منهم يتعجل الظهور والعطاء (بنيّة النفع والتعليم وطلبا للأجر والثواب، وربّما غرّه تشجيع من حوله على ذلك)، فيخسر شبابه في تصدرٍ لا يرعاه حق رعايته ولا يملأ فيه مكانه، بل يكون مجرد جمع وقص ولصق وتكرار، ويُفوت عليه فرصةَ التمكُّن والتأسيس والقوة والرسوخ والتدقيق، ولعل من أعظم الآيات التي أستحضرها هنا }وما يُلقّاها إلا الذين صبروا{.
والتفصيلُ هنا:
لكل شاب أو فتاة في مرحلة التحصيل العلمي أو أي مجال، وعنده شيء من معلومات أو أفكار يشعر أنها تنفعُ الناس، ويُفكّر في إنشاء قناة على يوتيوب و تليجرام وغيرها لنشر معلوماته تلك:
نصيحتي لك في جُملة واحدة: )لا تتعجّل ما لن تأتي به على وجهه، ويُعطّلُك عن خيرٍ كبير تستطيع تحصيله، ويُدخِلُك دوّامةً تستهلِك فيها زهرة شبابِك، فيما يكفيك فيه غيرُك(.
التفصيل:
اصبِر على نفسك لا تتعجّل نشر ما عندك، اصبر، وقوِّ نفسك أكثر، وطوّر نفسك، وأتقن عملك، وادخل في مجالك بتوسع، وعُمق. لماذا تتعجّل العطاء والبروز والشهرة والتصدُّر!
هذه مسؤولية كبيرة، ولها ضريبة كبيرة.. ليست لعبة! وأنت لستَ مُكلفا بها ولا مؤهلا، ولو دخلت فيها مُبكّرا ستخسر كثيرا كثيرًا، ولن تستطيع الرجوع، وستعتاد أنك في موقع التصدُّر وسيقلُ تحصيلك وتطويرُك لنفسك(هذا إذا بقِي لك وقتٌ أصلًا).
- لا بد أن تفهم أنه ثَمّت مرحلة بين (التحمُل والأداء)، وهي مرحلة: التثبُّت والدقة وضبط الشغل
يعني ببساطة:مش كل فكرة تخطر ببالك أو أي معلومة أو فائدة تتسارع بإنك تعمل لنفسك قناة على يوتيوب أو تليجرام أو غيره علشان تنشرها.
احمَدْ ربنا إن فيه ناس موجودة، وشغّالة، وشالت عنك هذا الحِمل، دي فُرصة لك لتتفرّغ، علشان لما يجي دورك تقوم به على أحسن وجه إن شاء الله، والحمد لله فيه ناس كتير تنشر الخير في كل مجال، لو صبرت على نفسك وركّزت صح هتبقى حاجة روعة إن شاء الله.
أنت الآن في وقت الإعداد والتجهيز وليس وقت العطاء، تصوّر مشروعك كويس واعرف حدوده ومراحله ومتطلباته، أعرف وسائله وسُبله واعمل على تحصيلها، اجمع قلبك وعقلك في اتجاه هدفك.
كل وقت تتعب فيه الآن سيكون سببًا في جودة عطائك وعُمق أثرك إن شاء الله، لا تحرق نفسك وتُرهق نفسك في أبواب تُشتت فيها نفسك.
أقسم بالله: إني لك ناصحٌ وإني عليك مُشفِق، وكتبتُ هذا تعليقًا على الأخ الكريم الذي خلط بين أمرين:
أولًا: ظنّ أن الكلام عن مجرد السِن.
وثانيًا: ظن أن المراد من كلامي (نهي طالب العلم عن مجرد تذكير الناس بالخير والدعوة العامة)!
وهذا يدل على أنه لم يفهم المقال من أساسه، ومع أن مقالي واضحٌ جدًا أنه يتحدّث عن (التصدُّر) وليس مجرد (الدعوة العامة) لكن سأزيده بيانًا إن شاء الله
فقلتُ له: المقصود واضح:
أول فكرة: (إن التصدر مسؤولية) مش لعبة ولا عاطفة.
ثاني فكرة: إنه توجد فترة بين التحصيل والأداء وهي الضبط والتدقيق وتجويد المعلومات.
ثالث فكرة: ليس كل ما تعرفه من معلومات (تفتح لنفسك قناة لتنشره) فهنا لا نتكلم عن مجرد الدعوة والبلاغ، نحن نتكلم عن (من يتعجل في أن يصرف أغلب وقته للتعليم) وهو بعدُ في البداية (و بينهما فرق).
رابعًا: جودة الإعداد تجعل الأثر أبلغ وأنفع.
خامسًا: إذا وجدتَ من يسد هذا الباب بحيث يحصل به الكفاية (فلماذا تتعجّل)! بل هذه فُرصة لك لتُكمل نقصك وتجهّز نفسك.
سادسًا: أن كثيرًا ممن تعجّلوا = تركوا طلب العلم وتكميل أنفسهم بسبب أنهم فتّحوا على أنفسهم أبوابًا كثيرة فلم يبق لهم وقت أو عاشوا دور الداعية.
فهذا وجهُ الكلام، وليس الكلام هنا عن السِن.. هذا غلط، فأنا لم أتكلم عن تصدر الشباب (ليس هذا هو المناط).
وكثيرٌ من الشباب الذين لهم علم وفضل ينشرون العلم النافع والتعليم والتدريس ولهم قنوات وفيديوهات.. وأرجو أن أكون منهم، باختصار:
الكلام هنا عن شخص في بداية الطريق، وكلما وقف على معلومة، أو شبهة أو جزئية ترك مشروعه ودخل فيها
فهذا بالتحديد هو الذي يُضيع عمره فلا يمكن أن يقوم مقامًا بحق (لأنه أساسًا غير مكلف به ولا مؤهل له)، وسيُفوّت على نفسه فرصة الإعداد، والصحيح: أن يصبر على نفسه حتى إذا جاء دورُه يقدم شيئًا محترمًا.
القصة ليست مجرد دعوة وعاطفة وغِيرة على الدين وحُب الخير!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد