بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مقترح خطبة الجمعة الثانية من شهر جمادى الآخرة ودروس هذا الأسبوع ودروس النساء:
1- خطورة جريمة القتل.
2- عقوبة القاتل.
3- أنواع القتل.
4- أسباب ودوافع الوقوع في القتل.
الهدف من الخطبة:
التذكير بحرمة النفس المسلمة، وبيان عظم هذه الجريمة، والترهيب من قتل النفس المعصومة، وبيان أسباب ودوافع الوقوع فيها؛ لا سيما مع زيادة معدلات حوادث القتل في مجتمعاتنا في هذه الآونة الأخيرة.
مقدمة ومدخل للموضوع:
في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا هُنَّ؟! قَالَ:"الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَات".
أيها المسلمون عباد الله، حديثنا اليوم بإذن الله تعالى عن أمر مهم، بل عظيم وخطير، عن جريمة شنعاء، وفعلة نكراء؛ توجب اللعنة، وتطرد من الرحمة، جريمة على الرغم من عظمها إلا أنها تتوالى عبر العصور، وتتكرر بتكرر الأجيال، والشيطان أشدُّ ما يكون حرصًا عليها؛ لأنه يضمن بها اللعنة لمرتكبها، وسخط الله وغضبه عليه.
إنها جريمة: قتل النفس بغير حق؛ فإن الناظر في مجتمعنا في هذه الآونة الأخيرة يرى ويسمع تكرر هذه الظاهرة الخطيرة، وهذا الأمر العظيم؛ ولذا وجب علينا جميعا أن نتعاون على وأد هذه الظاهرة وبيان خطرها، وعقوبة فاعلها، وبيان أسبابها. فقد جاءت الشريعة بحفظ دم المسلم وحرمته، وتحريم كل ما يفضي إلى إراقة دمه أو إزهاق نفسه؛ فجاء النهي عن ذلك في نصوص كثيرة من القرآن والسنة. قال الله تعالى:{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْولِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ مّنْ إمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [الأنعام: 151].
وقال تعالى:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32].
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".
ومما يبين عظم هذه الجريمة وخطورتها أن الله تعالى قد قرنها بالشرك. فقال تعالى:{وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ} [الفرقان: 68]. ووقف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ليقرر حرمة المسلم.
كما في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع:"فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا في بلَدِكم هذا في شهرِكم هذا، وستَلقَون ربَّكم فيسألُكم عن أعمالكم، فلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض". وقد بالغ النبي صلى الله عليه وسلم في حرمة دم المسلم؛ وأنه أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة، بل من الدنيا كلها.
ففي سنن ابن ماجه، عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ:"مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا". وفي السنن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا". وفي رواية:"لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ".
وقد جاء النهي والوعيد الشديد في مجرد الإشارة بالسلاح، والترويع ولو مزاحًا؛ فكيف بمَن يتعمد قتل المسلم بغير حق والعياذ بالله. ففي الصحيحين قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ". وفي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ". وفي الحديث الصحيح:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى السيف مسلولًا" [رواه أبو داود والترمذي]. وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ".
بل أن مجرد الهم بالقتل وإن لم يفعل يعاقب عليها؛ فكيف بمن ارتكب هذه الجريمة الخطيرة؟! ففي الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"قيل يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟! قال:"إنه كان حريصا على قتل صاحبه". قال العلماء: والمقصود أنهما يقتتلان على عداوة وعصبية، أو طلب دنيا أو رئاسة؛ أما إن كان باغيا أو قاطع طريق فإنه لا يحرص على قتله، وإنما يدفعه عن نفسه فإذا انتهى كف عنه.
وورد الوعيد الشديد فيمن أعان على القتل ولو بكلمة، أو كان حاضرا ويستطيع منعه فلم يفعل، أو شجع وحرض على القتل. روى الترمذي عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمْ اللَّهُ عز وجل فِي النَّارِ".
وتأمل إلى جرم وشناعة من قتل مُعاهَدًا أو ذِّمَّيا؛ فكيف بمن هو من أهل القبلة، ويقول: لا إله إلا الله. ففي صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قتل مُعاهَدًا لم يرَحْ رائحةَ الجنة، وإن رِيحها يوجد من مسيرة أربعين عامًا". وفي رواية"من قتل قتيلًا من أهل الذِّمَّة لم يجِد ريح الجنة".
الوقفة الثانية: عقوبة القاتل عمدًا:
أولًا: تأمل إلى شناعة وقبح من قتل نفسه بنفسه؛ فكيف بمن يتعمد قتل غيره؟! ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا". وفي رواية:"مَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا".
ثانيًا: فأما في الدنيا فإن القاتل يضيق عليه أمره؛ فيحيا حياة الضنك. فقد روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًاحَرَامًا". ورَوى الْبُخارِيُّ عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال:"إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ".
ثالثًا: وأما في عرصات القيامة فإن المقتول يتعلق برقبته؛ ليقتص منه. فقد رَوى الْبُخَارِيُّ عن ابْنِ مسْعُودٍ رضي الله عنه أن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ". وفي مسند أحمد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يجيء المقتول متعلقًا بالقاتل يوم القيامة وأوداجه تشخب دمًا بين يدي الله فيقول: يا رب! سل هذا فيما قتلني؟ حتى يدنيه من العرش".
رابعًا: وأما عند الحساب والميزان فإن القاتل يأتي مفلسا من الحسنات؛ بسبب ما اقترفته يداه من سفك الدماء.
خامسًا: وأما عن عقوبته في الآخرة فإليك طرفا منها عافانا الله وإياكم. قال الله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].وعن أبي سعيدرضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وُكِّلت اليوم بثلاثة: بكلّ جبار، وبمن جعل مع الله إلهًا آخر، وبمن قتل نفسًا بغير نفس، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم" [حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة].
نسأل الله العظيم أن يحفظ دماء المسلمين، ويتوب علينا أجمعين.
الخطبة الثانية: مع الوقفة الثالثة: أنواع القتل:
ينقسم القتل إلى ثلاثة أقسام:
1- القتل العمد.
2- وقتل شبه العمد.
3- وقتل الخطأ.
▪️ فأما القتل الخطأ، والعمد: فقد ورد ذكرهما في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطًَا وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطًَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92].
وقوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].
▪️ وأما شبه العمد: فثبت بالسنة في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"عقل شبه العمد مغلظ، مثل عقل العمد".
القسم الأول: قتل العمد: وحقيقته: أن يقصد القاتل آدميًا معصومًا، فيقتله بما يغلب على الظن موته به. وصور القتل العمد:
1- أن يضربه بمُحَدَّد، وهو ما يقطع ويدخل في البدن؛ كالسيف والسكين والرمح وما في معناها، أو بِمُثَقَّل كبير، كالحجر الكبير والمطرقة ونحوها.
2- أن يمنع خروج نَفَسِهِ، كأن يخنقه بحبل ونحوه، أو يسد فمه، وأنفه، حتى يموت.
3- أن يسقيه سُمًّا، أو يطعمه شيئًا قاتلًا، فيموت به، أو يحبسه، ويمنع عنه الطعام والشراب زمنًا يموت فيه غالبًا، فيموت بذلك جوعًا أو عطشًا.
4- أن يلقيه في مهلكة يكثر فيها السباع، أو ينعدم فيها الماء، أو يلقيه في ماء يغرقه، أو نار تحرقه، ولا يمكنه التخلص منهما.
حكم قتل العمد:
1- حكم أخروي: وهو تحريم القتل، ولفاعله الإثم العظيم، والعذاب الأليم؛ وهو المتوعد بنصوص الوعيد الشديد.
2- حكم دنيوي: فيترتب عليه القصاص إن لم يعف أولياء المقتول.فإن لأولياء الدم الخيار بين القصاص، أو العفو بلا مقابل، أو أخذ الدية.
القسم الثاني: قتل شبه العمد: وحقيقته: أن يقصد الاعتداء على شخص بما لا يقتل غالبًا، فيموت المجني عليه: وصور قتل شبه العمد:
1- أن يضربه في غير مقتل بسوط أو حجر صغير أو عصا صغيرة، أو يلكمه أو يلكزه في غير مقتل فيموت.
2- أن يربطه ويلقيه إلى جانب ماء قد يزيد وقد لا يزيد، فيزيد الماء، ويموت منه، وكذا لو ألقاه في ماء قليل لا يغرق مثله فغرق.
3- أن يصيح بعاقل في حال غفلته فيموت، أو يصيح بصغير، أو معتوه، على سطح، فيسقط، فيموت.
حكم قتل شبه العمد:
1- حكم أخروي: وهو الحرمة والإثم والعقاب في الآخرة؛ لأنه تسبب بفعله في قتل معصوم الدم، إلا أن عقابه دون قتل العمد.
2- حكم دنيوي: فيترتب عليه الدية المغلظة، ولا يترتب عليه قصاص، وتجب عليه الكفارة؛ وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
القسم الثالث: قتل الخطأ: وحقيقته: أن يقتل شخصًا من غير قصد لقتله. وصور قتل الخطأ:
1- الخطأ في الفعل؛ كأن يفعل ما يجوز له فعله فيصيب آدميًا معصومًا لم يقصده، كأن يرمي صيدًا، فيصيب إنسانًا فيقتله، أو ينقلب وهو نائم على إنسان فيموت.
2- الخطأ في القصد؛ كأن يرمي ما يظنه مباحًا فيتبين آدميًا، كما لو رمى شيئًا يظنه صيدًا، فيتبين آدميًا معصومًا.
3- أن يكون القاتل عمدًا صغيرًا أو مجنونًا ؛ لأنهما ليس لهما قصد.
4- القتل بالتسبب، كما لو حفر بئرًا، أو حفرة في طريق، فتلف بسببها إنسان.
حكم قتل الخطأ:
1- حكم أخروي: وهو عدم الإثم والعقاب؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه".
2- حكم دنيوي: وهو وجوب الدية على عاقلة القاتل، وتجب عليه الكفارة؛ وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
الوقفة الرابعة: أسباب ودوافع الوقوع في القتل:
1- ضعف الوازع الديني في قلب من وقع في مصيبة القتل، والجهل بالوعيد الشديد في الدنيا والآخرة، وقلة الخوف من الله تعالى الذي حرم ورتب العقوبات الرادعة ومع ذلك لم يرتدع.
فالذي يقتل يَغيب عنه أنه موقوف بين يدي رب العالمين، وأنه محاسب عما وقع منه، وأن مآله إلى النار.
2- كثرة الفتن: وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وأن كثرة القتل من علامات الساعة.
ففي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ"قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ:"الْقَتْلُ".
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن بين يدي الساعة لهرجا" قال: قلت يا رسول الله: ما الهرج؟ قال:"القتل؛ ما هو قتل الكفار، ولكن قتل الأمة بعضها بعضًا، حتى إن الرجل يلقاه أخوه فيقتله، ينتزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف لهم هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء" [صحيح الجامع].
3- الحسد والتنافس على الدنيا، والحرص عليها: فإن الحسد هو الذي دفع إخوة يوسف عليه السلام ليفعلوا ما فعلوه.
قال الله تعالى:{إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} [يوسف: 8 - 9].
والحسد هو الذي دفع بابن آدم عليه السلام إلى قتل أخيه. قال الله تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].
4- شدة الغضب؛ فإن الغضب قد يوقع في عظائم الأمور والتي منها القتل: وهو من أسلحة وطرق الشيطان في إذكاء نار الفتنة والعداوة بين الناس. قال الله تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر :6].
فرب كلمة تخرج فى لحظة غضب وانفعال تراق بها الدماء، وتطلق بها النساء، أو يظلم بها الأبرياء.
وتأمل هذا الحديث كما في صحيح مسلم عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: إنِّي لَقَاعِدٌ مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بنِسْعَةٍ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، هذا قَتَلَ أَخِي، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ:"أَقَتَلْتَهُ؟" فَقالَ: إنَّه لو لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عليه البَيِّنَةَ، قالَ: نَعَمْ قَتَلْتَهُ، قالَ" كيفَ قَتَلْتَهُ؟" قالَ: كُنْتُ أَنَا وَهو نَخْتَبِطُ مِن شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِي، فأغْضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بالفَأْسِ علَى قَرْنِهِ، فَقَتَلْتُهُ.
فعلى المسلم أن يحذر الغضب لأنه يجر إلى ما لا يحمد عقباه. وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على عباده الذين يكظمون غيظهم ويتحكمون في أنفسهم في حالة الغضب، ولا يفسحون لغضبهم المجال أن يوقعهم فيما لا يرضاه الله؛ كما قال تعالى:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين}. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، فقال:"لا تغضب" فردد مرارا، قال:"لا تغضب".
5- تعاطي الحبوب والمخدرات وإدمانها: فإن من أكثر أسباب وقوع جرائم القتل وانتشارها، هي هذه المسكرات بأنواعها المختلفة؛ فمن وضع قدمه في طريق المخدرات فقد وضع قدمه في طريق الإجرام؛ فإن مدمني المخدرات من أكثر الناس سلوكا لطريق الجريمة بأنواعها من قتلٍ، وسرقاتٍ، واغتصابٍ، إلى غير ذلك من أنواع العدوان.
6- التهاون في حمل الأسلحة النارية:فهناك بعض الناس وخاصة الشباب من يحمل في جيبه سكينًا، وربما وضع في سيارته العصا، وربما المسدس بل وربما الأسلحة الفتاكة؛ لا لشيء سوى أنه يستعين به عند المشاجرات.
7- العصبية القبلية؛ والقتل للشرف والدفاع عنه: فإن العصبية القبلية والحمية الجاهلية من أعظم أسباب العداوة والبغضاء.
قال الله تعالى:{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26]. وبسبب هذه العصبية القبلية، والحمية الجاهلية كادت أن تنشب حربٌ بين الأوس والخزرج.
ففي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال: كَانَ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:"مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ؟" ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:"مَا شَأْنُهُمْ؟ دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ".
8- حظوظ النفس وإظهار العزة؛ مع أن العزة في العفو والصفح: حيث يتربى الشباب على الخصومات واعتبارها من البطولات، وأن عليهم أن يأخذوا حقوقهم بأيديهم قبل أن يأخذها لهم غيرهم؛ فتكثر المشاكل، وتتحفز العداوات، وتتوطن في القلوب الأحقاد حتى تصل إلى إزهاق النفوس المؤمنة.
9- وسائل الأعلام وما يقدمونه من أفلام ومسلسلات تحتوى على مشاهد ولقطات القتل والإجرام (وهي ما تسمى: بأفلام الأكشن). يبينون للمشاهد كيفية وطريقة القتل، وأيضًا طريقة التخلص من الجريمة.
10-الظروف الاقتصادية، والبطالة والتي أدت إلى زيادة معدل الجريمة.
نسال الله العظيم أن يحفظنا ألسنتنا وأيدينا من هذه الجريمة النكراء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
ملحوظة:
١- الموضوع قابل للزيادة والتعديل بحسب وقت الخطبة أو الدرس.
٢- إن لم تكن خطيبًا أو واعظًا فتستطيع بإذن الله تعالى أن تكون كذلك:
-إما بقراءة المادة الوعظية على غيرك (أسرتك... أقرانك... زملاءك...).
-وإما بنشرها، وما يدريك لعل الخير يكون على يديك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد