رحلتك مع القرآن


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

كيف تكون صعوبةُ حفظ القرآن  نعمةً عظيمة عليك؟!

وأنت في طريق تعلُّم القرآن وضبطه وتثبيته ستُقابلُك محطة متكررة، وهي عقبةٌ ومُفترَقُ طُرق :

أنك تتعب وتجتهد كثيرا لتثبيت سورةٍ ما، وتحاول، وتأخذ بأسباب كثيرة (تُكثر من قراءتها، وسماعها، وتسميعها، والصلاة بها، وتكرارها) ثم تجد نفسك لا تزال تُخطئ فيها ولا تقرأها بطلاقة..وتتفلّتُ منك

عند هذه المحطة اعلمْ أنك في مُفترق طرق :

إما الملل، واليأس، وفقْد الثقة، تُقرر معها تَركَ حلمِك بتعلمُ القرآن وتستسلم..

وإمّا حُسن استثمار الأمر.. واستخراج معاني لُطف الله بك فيه.. ليصير ذلك النسيانُ نعمةً عليك وخيرا.. كيف؟

1-  أن تعلم أن ذلك من نِعم الله عليك، حيث تعلم أنه هوالذي يُثبتُ العلم والقرآن في نفوس الناس، وهوالقادر على إذهابه وإنسائه، ومهما أخذتَ بأسباب تثبيته فهو وحده الذي يُثبته في صدرك فتفتقر إليه في طلبه، وتُكثر من دعائه وتستحضر فقْرك إليه في كل ما تطلبه، ويستمر ذلك معك من أول رحلتك مع القرآن إلى أن تلقى ربّك به، القرآن ملوش كبير.
كل إنسان محتاج إلى مراجعته وتعاهده مهما كانت درجة حفظه.

2-  ومن ذلك: أن شعورك بالحاجة المستمرة للمُراجعة والأخذ بأسباب التثبيت والتكرار، فليس ثَمّ وقتٌ تنتهي فيه مراجعتك بحيث لم تعُد مُحتاجا إلى النظر في المصحف والمُعاهدة له.
فالقرآن رحلة عمر ومشروع حياة لا ينتهي ولا يُوقف معه عند حدّ معين.

3-  ومن ذلك أن تعلم أن المراد من تعلُّم القرآن = هوطلبه.
تلك هي العبادة ُ نفسُها، وذلك هوالعمل الصالح المُتعلّق بالقرآن.

4-  أن تبقى تطلبه وتريد تعلمه وتبذلُ ما تستطيع لذلك، ولست مُكلّفًا بالمهارة به ولا بإتقانه.
وفي ذلك ثواب وأجر وحسنات بكل حرف تقرأه.
مَن علم ذلك: بقي يطلبه ويريده ويبذلُ مهما كان ضعيف التحصيل، سريع النسيان، يتفلتُ منه القرآن، ولا يُحكم تلاوته، فأنت ناجحٌ ما دُمت تُحاول. وفشَلُك فقط في التوقف عن تلك المحاولة والاستسلام.

5-  وأن تفهم أنّ تحضيرك وتعبك ومُعاناتك المؤقتة تلك: مع كونها عبادة فهي كذلك طريقُك لسعادةٍ ونعيم مُقيم، وكتابُ الله يدخل شيئا فشيئا إلى صدرك حتى يستقرّ ويثبت بإذن الله.
ومن الوهم أن تظن أنّ القراءة بطلاقة وإتقانٍ تأتي دفعة واحدة!
السّاعتان اللّتان تخُصُّهما من يومِك الآن وتقضيهما في تعبٍ وتركيز لتحفظ رُبُعًا من القرآن، بعد مُدّة إن شاء الله ستُراجع فيهما خمسة أجزاء من صدرك بسهولةٍ وتلقائية وطلاقةٍ ومُتعةٍ.
وأنت تمشي.. وأنت تقود سيارتك.. وأنت تجلس في الحديقة ..لن تقتطع له وقتًا خاصّا من يومك، لأنه سيكون صاحبَك اليومَ كلَّه
.
الأمر يحتاج فقط مصابرة وتكرار واستحضار فضل الماهر بالقرآن وشفاعة القرآن، وصدق نية، وكثرة دعاء..
وابدأ بحفظ السورة التي تحبُّها أكثر، وأكثِر من الاستماع لها من قارئ تحب صوته..
اتعب = تسترح، والنعيم لا يُدرَك بالنّعيم، وإن كان تعلّم القرآن وحفظُه نعيمٌ من أوله إلى آخره.. لو طهُرت قلوبُنا.

6-  ومن ذلك:أنك عندما تُتقن القرآن فستبقى تعلمُ ان الطريق إليه ليس مفروشا بالورود أوسهلا بل يحتاج عزما وقوة واستعانة وصبرا فتُرشد غيرك إليه وتدلُّه وتحلُم عليه وتصبر.
وستكون قد حصّلتَ خبرة كبيرة في تعلُم القرآن اكتسبتَها من تجاربك تلك وإخفاقاتك السابقة فتحاول إرشاد غيرك حتى لا يقع فيها ويتجاوز عقباتها وكل ذلك في ميزان حسناتك

فتصور لوكنت بمجرد المرة الأولى لمحاولة الحفظ يثبتُ في صدرك كنتَ ستُحرمُ كل هذا الخير وتفقد كلَّ هذه المعاني.

وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply