بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الزلازل من العقوبات التي يرسلها الله جل وعلا على العباد إذا عصوا وتمادوا في العصيان لعلهم يرجعون إلى ربهم ويتوبون من ذنوبهم.
إن من علامة قسوة القلب أن لا تؤثر هذه الآيات في بعض الناس، ويرى أنها مجرد ظواهر طبيعية وهي وإن كان لها أسباب فهي من الآيات التي يُخوف بها الله عز وجل عباده.
إن من يقرأ التاريخ يجد أن الناس إذا تمادوا في الظلم والطغيان، فإن الله جل وعلا يرسل عليهم العقوبات المتنوعة، وسنن الله جل وعلا لا تتبدل ولا تتغير، فما أصابهم الغابرين سيُصيبُ غيرهم ممن اقتفى آثرهم، وسار على دربهم، نسأل الله الرحيم أن يرحمنا.
للسلف رحمهم الله أقوال في الزلازل، جمعت بعضًا منها أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.
· الزلازل تخويف من الله عز وجل لعباده:
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الزلازل من الآيات التي يخوِّف الله بها عباده، كما يخوِّفهم بالكسوف وغيره من الآيات، والحوادث لها أسباب وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده، هي من حكمة ذلك، وأما أسبابه، فمن أسبابه انضغاط البخار في جوف الأرض، كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق، فإذا انضغط طلب مخرجًا، فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض.
• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الأرض... ولما كانت الرياح تجول فيها، وتدخل في تجاويفها، وتُحدثُ فيها الأبخرة، فتختنق الرياح، ويتعذَّرُ عليها المنفذ، أَذِنَ الله سبحانه لها في الأحيان بالتنفس، فتُحدثُ فيها الزلال العِظام، فيحدثُ من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والتضرع إليه والندم.
• قال العلامة عبدالله عبدالرحمن الجبرين: العقوبة التي تنزل بالناس في الدنيا، مثل: ... الزلازل... فهو سبحانه يسلط على عباده أنواعًا وصنوفًا من العذاب.
· زلزلة الأرض عبرة وموعظة، وآية من الله لعباده منذرة:
• قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد زلزلت المدينة: لئن عادت لا أساكنكم فيها
· الزلازل اختبار للعباد:
• قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يختبر عباده بالخوف والزلازل ليميز الخبيث من الطيب.
· الزلازل عتاب من الله جل جلاله لعباده:
• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: إن ربكم يستعتبكم.
ومعنى استعتاب الله عبده أن يطلب منه أن يُعتبه، أي يزيل عتبه عليه بالتوبة والاستغفار والإنابة، فإذا أناب إليه رفع عنه عتبه.
• قال أبو هريرة رضي الله عنه: يوشك ألا تجدوا بيوتًا تكنكم تهلكها الرواجف.
• قال الإمام السيوطي رحمه الله عن بعض السلف ممن شهد الزلزلة الذي حدثت سنة (458 هجرية): كتابي عن نفس زاهقة، وأحشاء راجفة، وعقل ذاهب، وقلب ذاهل، وعين ممطرة، ودموع منسكبة، وغموم في الصدر مقيمة، وهموم على الفؤاد مخيمة، مما دُهينا به من زلزلة شديدة، ووهدة عظيمة، تصدعت منها الجبال، وتشققت منها التلال، وانقلبت القرى بأهلها، واستؤصلت من أصلها، ولم يسلم من ساكنيها إلا القليلُ، وهذا لعمري الخطب الجليل، وخرب أكثر بنيان البلاد، وهلك خلق لا يأتي عليهم العدد، وقامت القيامة قبل أوانها، وبدت آثار الساعة قبل أبانها، وكثر الويل والعويل، ولم ينجُ من الناس إلا القليل، والناس حيارى على الزائل، سكارى من الهول الهائل، والأرض تمرغ وتميد، وليس عما قضاه الله محيد.
· المعاصي والزلازل:
• قال كعب الأخبار رضي الله عنه: إنما تزلزل الأرض إذا عمل فيها المعاصي، فترعد فرقًا من الرب جل جلاله أن يطلع عليها.
• قال الإمام ابن القيم رحمه الله: من تأثير المعاصي في الأرض: ما يحلّ بها من الخسف والزلازل ومحق بركتها.
· حال بعض الناس مع الزلازل:
• قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الناس الآن يسمعون بالزلازل، ولكنهم لا يرونها أنها غضب من الله عز وجل، ولكن يرون أنها أمر طبيعي، ولهذا لا يتأثَّر الإنسان بها إطلاقًا، وكأنَّها لا شيء. بينما ونحن صغار كنَّا إذا سمِعنا أن الأرض زُلزلت في أُحدٍ نرتجف ونحن في بيوتنا آمنون؛ لأنه ما كان أحد يقول لنا: إنه هذا طبيعي، وهذا أمر لا يهم، وهذا أمر كائن لا محالة.
· الواجب على المسلمين عند حدوث الزلزال التوبة إلى الله سبحانه:
• قال العلامة ابن باز رحمه الله: لا شك أن ما حصل من الزلازل في جهات كثيرة من جملة الآيات التي يخوف الله بها سبحانه عباده، وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد، ويسبب لهم أنواعًا من الأذى، كله بأسباب الشرك والمعاصي؛ كما قال الله عز وجل:﴿ومَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 3]، فالواجب على جميع المكلفين من المسلمين وغيرهم، والتوبة إلى الله سبحانه، والاستقامة على دينه، والحذر من كل ما نهى عنه من الشرك والمعاصي، حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة من جميع الشرور، حتى يدفع الله عنهم كل بلاء ويمنحهم كل خير.
· تضرع الناس عند حدوث الزلازل:
• قال الإمام السيوطي رحمه الله في كتابه ) كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة (: وفي سنة (233هـ) زلزلت دمشق... وسقطت القناطر والمنازل... وخرج الناس إلى المصلى يتضرعون إلى قريب نصف النهار فسكنت الدنيا،
وفي سنة (344هـ) زلزلت مصر زلزلة صعبة هدمت البيوت وفزع الناس إلى الله تعالى بالدعاء.
وختامًا فإن يجب علينا اللجوء إلى الله جل جلاله عند وجود ما يقلق ويخوف من الآيات الكونية، قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: الواجب عند الزلزلة وغيرها من الآيات والكسوف والرياح الشديدة والفيضانات البدار بالتوبة إلى سبحانه، والضراعة إليه، وسؤاله العافية، والإكثار من ذكره واستغفاره.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد