بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
المقدمة:
هذه قاعدة عظيمة من قواعد القرآن الكريم، ويرجع إليها كثير من المعاني الجليلة، والله أسأل أن ينفع بها ويتقبلها.
الوقفة الأولى:
التقوى: هي فعل الأمر، وترك النهي؛ وذلك بأن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، بفعل أوامره، وترك نواهيه.
قال الإمام التابعي طلق بن حبيب عن التقوى هي: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله؛ [سير أعلام النبلاء (601/4)].
الوقفة الثانية:
في دلالة الآية على أن قدر قيمة العبد وكرامته عند الله بقدر تقواه.
قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية في فتح القدير:أي: إن التفاضل بينكم إنما هو بالتقوى، فمن تلبَّس بها، فهو المستحق لأن يكون أكرم ممن لم يتلبس بها.
الوقفة الثالثة:
في دلالة الآية على أنه ليست الكرامة عند الله في الحسب أو النسب أو الجاه، وإنما بالتقوى؛ قال الإمام ابن جزي في تفسيره على هذه الآية:ومقصود الآية التسوية بين الناس، والمنع مما كانت العرب تفعله من التفاخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، فبيَّن الله أن الكرم والشرف عند الله ليس بالحسب والنسب، إنما هو بالتقوى.
الوقفة الرابعة:
في دلالة الآية على أن كرامة الإنسان ليست بالتكاثر من الدنيا، والغِنى، وكثرة الأموال، وإنما بالتقوى.
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية:يقول تعالى ذكره: إن أكرمكم - أيها الناس - عند ربكم، أشدكم اتقاء له بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، لا أعظمكم بيتًا، ولا أكثركم عشيرة.
الوقفة الخامسة:
في دلالة الآية على أن العِبرة عند الله تعالى ليست بالجنس ولا العِرق ولا اللون، ولا الأنوثة ولا الذكورة، ولا حسن الصورة، وإنما بالتقوى.
في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خُلِق من تراب"؛ [رواه الترمذي].
وقال:"لا فضلَ لعربيٍّ على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيضَ على أسود، ولا لأسود على أبيض - إلا بالتقوى؛ الناس من آدم، وآدم من تراب"؛ [رواه البيهقي].
وقال عليه الصلاة والسلام:"إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم"؛ [رواه مسلم]، وفي رواية في صحيح الجامع:"إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
وقد ذكروا أن سلمانَ رضي الله عنه كان يقول:
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
الوقفة السادسة:
في دلالة الآية على أن العِبرة بما عند الله، وليس بما عند الناس.
في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:"رُبَّ أشعثَ أغبرَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه"؛ [رواه مسلم]، ليس له قيمة عند الناس، لكن له قيمة عند رب الناس، لو أقسم على الله لأبره وأجاب دعاءه؛ لكرمه عند الله عز وجل ومنزلته.
الوقفة السابعة:
في دلالة الآية على أن الإنسان يُثاب ويُكرَم بقدر تقواه، ويُهان في الدنيا والآخرة بقدر نقصان التقوى، حتى إذا فقد التقوى، صار في أشد الهوان.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: (كلما كان الإنسان أتقى لله، كان عند الله أكرم).
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:"فالناس رجلان: رجل بَرٌّ تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله"؛ [رواه الترمذي].
الوقفة الثامنة:
في دلالة الآية على أن الإنسان لا يزكِّي نفسه، ولا يعلم من هو أكرم عند ربه، فلا يرى نفسه على غيره، فليس أحد مطلعًا على ما في القلوب إلا الله تعالى؛ لقوله:﴿ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]؛ قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية:﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: 32]، فإن التقوى محلها القلب، والله هو المطلع عليه، المجازي على ما فيه من بر وتقوى.
الخاتمة:
التقوى هي جِماعُ الخير في الدنيا والآخرة، والناس فيها درجات، والقدر الواجب من التقوى هو فعل الأوامر، وترك النواهي، والكمال فيها فعل الأعمال المستحبة، والنوافل، وترك المكروه، ولا كرامة للإنسان إلا بقدر تقواه لله تعالى، بقدر ما تنقص التقوى، تنقص الكرامة، وبقدر ما تزيد، تزيد عند الله تعالى.
أسأل الله بعزَّتِهِ وجلاله وعظمته وكماله أن يجعلنا من المتقين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد