تجربة مدمن مخدرات شُفي بفضل الله منها


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

قد جاء الإسلام بالمحافظة على الضروريات الخمس، وهي: حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال.

وحفظ العقل من الضروريات التي أمر الشارع بالمحافظة عليها، ولذا حرم تناول ما يذهب العقل من مسكرات ومخدرات ونحوها.

والمخدرات داء قاتل يسعى أعداء أمة الإسلام لنشرها بين المسلمين في أعزّ ما يملكون من طاقات ومواهب وقدرات، وهم فئة الشباب من الذكور والإناث، فهي حرب خفية ماكرة، نسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم.

شباب في أعمار الزهور أموات وهم أحياء، فهم أحياء بأجسادهم، ولكنهم أموات فلا عقل يفكر، ولا بدن يعمل، ولا مواهب يستفاد منها، والسب أنهم أدمنوا المخدرات. ووقعوا في شباكها.

فهذا شاب متزوج، ورزقه الله عز وجل بطفل وطفله، وكانت حياته الزوجية سعيدة، وكان يعمل في وظيفة جيدة، ولكن الشيطان زين له للمخدرات، فوقع في شباكها وأدمنها، وأصبح لا يستطيع أن يعيش بدونها، ولكن الله جل وعلا الرحيم بعباده، الذي هو أرحم بهم من أمهاتهم، منَّ عليه فتاب من تناول المخدرات وإدمانها، فكيف تمّ له ذلك؟

يقول: قررت التوقف...  انطلاقًا من قول طارق بن زياد: " العدو أمامكم والبحر خلفكم" أي لا مفر من الانتصار.

وما ذكره من أقوى الأسباب في الشفاء من الإدمان، فالعزيمة الصادقة، والإرادة القوية، هي التي تعين الإنسان على الصبر على ما يلاقي، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: الصبر وإن كان شاقًا كريهًا على النفوس فتحصيله ممكن، وهو يتكون من مفردين: العلم والعمل، فمنهما تُركب جميع الأدوية التي تُداوى بها القلوب والأبدان...  أضاف إليهما العزيمة الصادقة والهمة العالية...  وضم هذا الجزء إلى هذا الجزء، ومتى فعل ذلك حصل له الصبر وهانت عليه المشقة وحَلَت له مرارته.

• يقول: ذهبت إلى...  أسمع أنها خالية تمامًا من المخدرات.

وهذا سبب مهم، وهو هجر مكان المعصية، والذهاب إلى مكان لا توجد فيه تلك المعصية، أو تقلّ فيها، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن رجلًا قتل تسعة وتسعين نفسًا ثم عَرَضَتْ له التوبة...  فدُلَّ على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومَن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلِقْ إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبدِ الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرضُ سَوْءٍ"؛ متفق عليه، قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضعَ التي أصاب بها الذنوب، والأخدان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم.

• يقول: في اليوم الأول...  الآلام الجسدية انطلقت في كل جسدي وأنا حبيس صرخاتي وأمزق جسدي بأظفاري.

والتوبة من هذه السموم لا بدَّ في بدايتها من عصرة ونوع ألم؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كل تائب لا بد له في أول توبته من عصرة وضغطة في قلبه، من هم أو غم أو ضيق أو حزن، ولو لم يكن إلا تألمه بفراق محبوبه، فينضغط لذلك وينعصر قلبه.

• يقول: مرت لحظة قليلة بين الجولة الأولى لانقضاض الآلام على جسدي الضعيف وبين الجولة الثانية...  تمكنت خلال هذه اللحظات من فتح كتاب الله أمامي...  والتلاوة من آياته الكريمة...  وكلما اشتد الألم ارتفع صوتي وأنا أتلو هذه الآيات.

وما قام به هو أفضل علاج للشفاء من الإدمان، فكتاب الله عز وجل شفاء ودواء من جميع الأمراض الحسية والمعنوية، قال الله تعالى:﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[الإسراء: 82] قال العلامة ابن القيم رحمه الله: القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحدٍ يُؤهل ولا يُوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبدًا.

وقال: ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء. ومكثتُ بمكة مدة تعتريني أدواء، ولا أجد طبيبًا ولا دواءً، فكنتُ أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيرًا عجيبًا، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألمًاً، وكان كثير منهم يبرأ سريعًا.

• يقول: بعد لحظات...  بدأت المعركة الشرسة...  بين مقاومة جسدي لاحتياجه للسم اللعين وبين الآلام المبرحة التي تركها هذا السم... . أديت صلاة العشاء وجلست أتلو آيات من القرآن، ثم واجهت امتحانا صعبًا، لقد اشتدت الآلام في جسدي، كما لم تشتد من قبل... .من شدة الألم بكيت، وأجهشت في البكاء...  ظلّ هذا الصراع ممتدًا لا يقل عن خمسة عشر يومًا، بعدها خفَّ الألم.

وهذا أمر طبيعي فعلاج أي مرض لا يمكن أن يتم من أول محاولة، وخاصة إذا كان الداء مستشريًا في الجسد فيحتاج إلى وقت حتى يتعود الجسد على ترك تلك السموم.

• يقول: كنت...  أتوسل إلى العلي القدير أن يوقف هذه الآلام.

وهذا من أهم أسباب علاج الإدمان من المخدرات وهو دعاء الله عز وجل، قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: كان بقال أفضل الدعاء الإلحاح على الله، والتضرع فيه.

وقال العلامة بكر أبو زيد رحمه الله: الدعاء...  كم من بلاء رُدَّ بسبب الدعاء! وكم من بَلِيَّةٍ ومحنة رفعها الله تعالى بالدعاء، ومصيبة كشفها بالدعاء.

• يقول عدت إلى كتاب الله أقرأ وإذا بي أمام آية ﴿وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[النحل: 67_68] توقفت طويلًا عند هذه الآية وتوقفه عند هذه الآية يدل أنه كان يقرأ بتمعن وتأمل لما يقرأ، وهذه القراءة النافعة، قال العلامة السعدي رحمه الله: القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها المقصود.                                

 • يقول: العسل... أجبرت نفسي الرافضة على ضرورة تناوله. تناولت العسل، أحسست بعدها بارتياح قليل.[العسل الذي تناوله كان عسلًا صافيًا غير مغشوش].

ولا غرور أن يرتاح من تناوله للعسل فالعسل شفاء كما دلت آية النحل السابقة. والنافع منه ما أخذ من الجبال والشجر، قال الإمام الزهري رحمه الله: عليك بالعسل،...  وأجوده أصفاه وأبيضه، وألينه حِدة، وأصدقه حلاوة، وما يؤخذ من الجبال والشجر له فضل على ما يُؤخذ من الخلايا، وهو بحسب مرعى نحله.

• يقول: وجدتني أذهب إلى دورة المياه أتوضأ، وعدت إلى غرفتي لأصلي، وصليت عدة ركعات متواصلة شكرًا لله، خلال الصلاة حدثت هدنة بين القوات المتحاربة في جسدي...  وشعرت أن ذلك الشيطان الذي سكن في جسدي يستعد للرحيل.

الصلاة لها درو في إعانة الإنسان على الصبر، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الصلاة...  من أسرارها أنها تعين على الصبر لِما فيها من الذكر والدعاء والخضوع...  وابن عباس نُعيَ إليه أخوه قُثَمٌ وهو في سفر، فاسترجع...  وصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام وهو يقول:﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45] قال العلامة السعدي رحمه الله: أمَرَهُ الله بالصلاة خصوصًا، وبالذكر عمومًا، وبذلك تحصُل للعبد مَلَكَةٌ قوية، في تحمِّل الأثقال، وفِعْلِ الشاقِّ من الأعمال.

• يقول: بعد عدة شهور، أحسست أن الشيطان قد خرج تمامًا من جسدي...  عدت...  لأعيد أسرتي...  سألتني زوجتي: ماذا كان الدواء؟ قلت: كتاب الله.

إن أفضل علاج لمشكلة إدمان المخدرات العلاج الإيماني. يقول الدكتور/ محمد عبدالفتاح المهدي: هناك محاولة قام بها الدكتور محمد حافظ الأطروني بالاشتراك مع الدكتور أسامة الراضي حيث تم علاج أربعين مدمنًا...  باستخدام البرنامج اليومي الإسلامي من صلاة في أوقاتها في جماعة، ثم جلسات جمعي بالمسجد، وجلسات توعية إسلامية...  إلخ. وكانت النتيجة أن 75% من هؤلاء المدمنين لم يعودوا إلى الإدمان مرة أخرى حلال فترة متابعتهم، والتي استمرت إلى عامين، وهذه نتيجة لم تتحقق في أية طريقة علاجية أخرى.

نسأل الله الكريم أن يعين القائمين على علاج المدمنين على المخدرات في بلاد المسلمين على الأخذ بهذه الطريقة وتطبيقها في علاج المدمنين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply