بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
منذ عدة أيام وأنا أتجوّل في جمهورية غامبيا هذا البلد الإفريقي الصغير الجميل، في أقصى غرب إفريقيا، وتحيط به "السنغال" من جميع الجهات باستثناء الغرب، حيث المحيط الأطلسي الهادر.. هذا البلد كان تحت الاستعمار البريطاني لأكثر من 200 عام، ونال استقلاله عام 1385م 1965م.
كانت هذه المنطقة محلّ نفوذ فرنسي بريطاني بهدف استعباد الأفارقة واستجلاب العبيد إلى أوروبا.. وكانت غامبيا من حصّة البريطانيين، والسنغال من نصيب الفرنسيين، وعند الاستقلال أصبحت المنطقة دولتين بحسب نفوذ المستعمرين رغم خروجهم، وإلا فالشعب واحد، ولا تكاد تجد قبيلة سنغالية أو غامبية إلا ولها امتداد في البلد الآخر..
رغم شراسة المستعمرين وجحافل التنصير إلا أنّ الإسلام بقي قويًا بسبب ثبات أهله ومنافحتهم عن دينهم بعد الله، فالمسلمون في غامبيا الآن أكثر من 95% من السكان الذي يبلغ تعدادهم أكثر من مليونين وخمسمئة ألف نسمة، على مذهب الإمام مالك رحمه الله.
في تجوالي بين المدن والقرى وجدتُ شعباً طيبًا محبًا لدينه، ووجدتُ بلدًا جميلًا تحفّه الغابات والأنهار..
رغم الفقر وضيق العيش لنسبة كبيرة من الناس إلا أن الابتسامة والرضا لا تفارق محيّاهم.. يفرحون بمشاهدة عربي مسلم يزورهم، فما بالك بضيف من بلاد الحرمين الشريفين!
كنتُ أخجل كثيرًا مَن حفاوة مَن ألتقيهم وتبجيلهم وتعظيمهم وحرارة سلامهم ومصافحتهم، وكأنّ مَن جاءهم وليٌّ وشيخ عالِم!! وما أنا إلا ضعيف مسكين سترني الله بستره!
رأيتُ في هذا البلد بصمات ظاهرة وأعمالًا جليلة لبلادي الغالية المملكة -حفظها الله ووفق ولاة أمرها خير-.
فهذا طريق مسفلت باسم شارع الرياض ينتهي بمنشأة حكومية وأخرى تعليمية، وهذا مبنى تعليمي، وغيرهما من مشاريع كانت بتمويل من حكومة المملكة دعمًا منها ومساندة للدول الإسلامية.
لكن أكثر ما لفتَ نظري العقول البشرية الغامبية التي هي ثمار المنح الدراسية السعودية، وبخاصة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.. هذه الجامعة المباركة التي نفع الله بها الإسلام والمسلمين.. كما يظهر في جامعة الإحسان، التي يديرها خريجو الجامعة الإسلامية، فكان هذا اللقاء بوكيلها.
كما تعرّفنا على بعض عمداء الكليات ومسؤولي الجامعة، وسيبويه الغامبي.
الجامعة تقع على أرض كبيرة منحتها الدولة لها، وتزال في طور التوسع في المباني والمرافق.
للندوة العالمية للشباب الإسلامي جهود مشكورة في البلد، فهناك عدد من المناشط ومن ضمنها حفر العديد من الآبار.. فجزى الله القائمين عليها خير الجزاء.
الشعب الغامبي محب للعلم والتعليم، ولاحظت صبر الطلاب والطالبات لتكبّد المشقة والسير لأكيال طويلة في الشمس الإفريقية الحارقة على الأقدام للوصول للمدرسة.. همة كبيرة وعزم أكيد.
أما عن حفظ القرآن الكريم ومدارسته في حلقات التحفيظ فحدّث ولا حرج! فهذا الفتى الذي لا يتجاوز التاسعة يحفظ 17 جزءًا حفظه الله ووفقه.
كما لفت نظري الصبيّة الصغيرة المنتقبة!
للتوحيد نصيب ولله الحمد في المدارس الإسلامية.
سعدت بلقاء الشيخ د. إبراهيم جيجو وهو من خريجي الجامعة الإسلامية، ونائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وعضو لجنة الفتوى، ورئيس بعثة الحج الغامبية، وله جهود مشكورة في الشأن الإسلامي في البلد، ودعم الجامعات الإسلامية كجامعتي الإحسان والحكمة، وكان معه هذا اللقاء السريع.
جامعة الحكمة كان لها نصيب من الزيارة، واللقاء بمسؤوليها، وكلهم ولله الحمد من خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ومنهم رئيسها د. عثمان كمارا، ود. عثمان مانجا وغيرهم.
والجامعة دعمت من الصندوق التضامن بالمملكة فشكر الله لولاة أمرنا خيرًا وجزاهم خير الجزاء.
يشرف الشيخ الدكتور إبراهيم جيجو وفقه الله على مؤسسة الخلفاء الراشدين، وتعد من أوائل المؤسسات الإسلامية الرسمية في غامبيا وعمرها قريبًا من نصف قرن، ولها جهود تعليمية وتربوية ودعويّة وخيرية.
في أثناء تجوالنا وتنقلنا بين المدن والقرى أثار انتباهي برج طيني، فسألت الشيخ إبراهيم عنه، فأجاب مشكورًا.
في المقابل وجدنا شجرة كبيرة مزهرة، فإذا بها شجرة (الكاجو) وهو نوع من اللوز تشتهر غامبيا بتصديره.
نصيحة!
إذا زرت غامبيا فاجعل لبحرها الهادر نصيبًا من زيارتك.. هذا البحر الذي كان يسميه العرب الفاتحون "بحر الظلمات".
وكذلك نهرها الضخم الذي يقسم البلد نصفين وطوله أكثر من 200 كيل، ولا يتوقف عن جريانه إلا في المحيط.
من المصادفات الجميلة مرورنا بجمعية العون المباشر الكويتية، وعندما نرى هذا الاسم نتذكر د. عبدالرحمن السميط رحمه الله صاحب الأيادي البيضاء في إفريقيا..
كان لي هذا اللقاء مع مدير الجمعية في غامبيا الأستاذ الفاضل عبداللطيف وهو من المغرب الشقيق، فحدثنا عن الجمعية ونشاطها.
كما كان لي لقاء مع مسؤول الشؤون الدعوية والتوعية بمركز الإمام أحمد بن حنبل بجمعية العون المباشر، الشيخ أحمد سبلي وهو من خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وحدثنا عن نشاط حلقات التحفيظ.
لولا خشيتي من الإطالة على القارئ الكريم لسردت عددًا من المقاطع واللقاءات الفريدة في هذه الزيارة المباركة ولله الحمد، لكن لعل فيما مضى إلماحة عن بلد إسلامي عزيز.. شكر الله لأهله الطيبين وجزاهم عني خير الجزاء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد