غضبة الإيمان وبرودة النفاق


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

البرود في التعاطي مع الباطل والنفاق، وملاينته وأهله،  لا يكون إلا بمقدار النفاق وضعف الإيمان.

فعند ظهور الباطل والنفاق، تتسارع شُعَبُه في القلوب إلى تلطيفه، وكسر حدّة النفور منه، وبمقدار تلك الشعب، تظهر البرودة في التعاطي مع النفاق والباطل، وتظهر الملاينة له ولأصحابه.

فأصحاب البرود والملاينة:

١- ضَعُف تعظيم الدين في قلوبهم، فضعف موقفهم  من ما يناقضه.

٢- في نفوسهم من خصال النفاق ما يشاكل الباطل الظاهر، فلم تقوى غضبتهم منه، لإلف نفوسهم له.

٣- المنافق يتصرّف بلحاظ نظرة الناس، لذا قد يُلاين أهل الباطل هروباً من ذم الجمهور له بنحو:(التشدد والتعصب...إلخ)، وطلباً لمدحهم، بنحو:(العقل، والتسامح، والموضوعية...إلخ).

وبهذا يظهر معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"حتى يُقالَ لِلرَّجُلِ:ما أجْلَدَهُ ؟ ما أظْرَفَهُ ؟ ما أعْقَلَهُ ؟ وما في قلْبِهِ حبَّةُ خرْدَلٍ من إِيمانٍ".

وقد أشار لهذه الأمور ابن عقيل، فبعد أن ذكر زندقة المعري والراوندي وأبي حيّان، قال:

وما سلم هؤلاء من القتل إلا لأن إيمان الأكثرين ما صفا، بل في قلوبهم شكوك تختلج، وظنون تعتلج مكتومة، إما لترجّح الإيمان في القلوب، أو مخافة الإنكار من الجمهور، فلمّا نطق ناطق شبهاتهم أصغوا إليه، ألا ترى من صدق إيمانه كيف قتل أباه؟

وإذا أردت أن تعلم صحة ما قلت، فانظر إلى نفورهم عند الظفر في عشائرهم، وفي بعض أهوائهم، أو في صورة يهوونها، فانظر إلى إراقة الدماء، فإذا ندرت نادرة في الدين -وإن كثر وقعها- لم يتحرك منهم نابضة.

وأختم بكلام ابن القيم، فتمعّنه لعلها تتحرّك الغضبة الإيمانية، وتطرد برودة النفاق.

قال رحمه الله:

ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم -،وبما كان عليه هو وأصحابه، رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينا والله المستعان، وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تُنتهك، وحدوده تُضاع، ودينه يُترك،  وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُرغب عنها، وهو بارد القلب، ساكت اللسان، شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بليّة الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين، وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله، ومقت الله لهم، قد بُلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى، وانتصاره للدين أكمل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply