شهر رمضان فضائل وأحكام


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مقترح خطبة الجمعة الرابعة من شهر شعبان ودروس هذا الأسبوع ودروس النساء.

شهر رمضان فضائل وأحكام:

1- مقدمة تشويقية عن قدوم شهر رمضان.

2- خصائص وفضائل شهر رمضان.

3- مختصر لأحكام ومسائل الصيام.

الهدف من الخطبة: التذكير بفضائل وخصائص شهر رمضان وبعض أحكام الصيام.

مقدمة ومدخل للموضوع:

أيها المسلمون عباد الله، لقد أنعم الله تعالى على هذه الأمة بهذا الشهر الكريم الذي تفتح فيه أبواب الخيرات، ويقبل فيه العباد على الله عز وجل بشتى أنواع الطاعات.

يأتي شهر رمضان ليكون ميقاتا لتوبة التائبين وهداية الضآلين المنحرفين؛ فكم من تائب تاب ورجع إلى الله تعالى في رمضان؟ وكم من ضال منحرف عرف طريق الهداية في رمضان؟ وكم من مضيع للصلاة، وهاجر للقرآن، وغافل عن ذكر الرحمن؛ عرف الطريق في رمضان؟

يأتي شهر رمضان نهاره صيام، وليله تهجد وقيام؛ فيجمع بين سببين من أسباب المغفرة.

قال صلى الله عليه وسلم:"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"،"مَنْ قامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

يأتي شهر رمضان فينكب أهل الإيمان على كلام الرحمن، على ختمات القرآن، ولك أن تتخيل كم ختمة تختم فى رمضان؟ إنه شهر القرآن؛ فيجمع الصائم بين الشفيعين يوم القيامة.

ففي الحديث الصحيح:"الصيامُ والقرآنُ يَشْفَعانِ للعبدِ، يقولُ الصيامُ: أَيْ رَبِّ! إني مَنَعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ، فشَفِّعْنِي فيه، ويقولُ القرآنُ: مَنَعْتُهُ النومَ بالليلِ، فشَفِّعْنِي فيه؛ فيَشْفَعَانِ".

يأتي شهر رمضان صبر على الطاعات، وصبر على ترك الذنوب والمعاصي، وصبر على الجوع والعطش والتعب والنصب؛ فيجمع الصائم أنواع الصبر الثلاثة، ويجمع بين العبادتين اللتين أجرهما بلا حساب.

كما قال الله تعالى عن الصبر:{إِنَّمَا يُوفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم:"قال الله تعالى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به".

وَفِي رِوَايِةٍ لمسلم:"كُلُّ عملِ ابنِ آدمَ لَهُ يضاعَف الحَسَنَة بعَشرِ أمثالِها إلى سَبْعِمائِة ضِعْفٍ، قَالَ الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يَدَعُ شهْوَتَه وطعامه من أجْلِي".

يأتى شهر رمضان فتتآلف القلوب، وتتوحد الصفوف، وتجتمع كلمة أهل الإيمان ؛ شهر واحد، ورؤية واحدة، وهلال واحد، وفيه تفطير للصائمين، وعطف على الفقراء والمساكين، وفيه لين كلام، وبر وجود وإحسان؛ كل ذلك فى رمضان؛ فيجمع الصائم مؤهلات الحصول على غرف الجنة التي أعدها الرحمن لأصحاب هذه الأعمال.

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَلَانَ الْكَلَامَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بالليل وَالنَّاسُ نِيَامٌ".

يأتى شهر رمضان فتتغير الأحوال إلى أفضلها وأعدلها؛ فتتحسن الأخلاق، وتنزل الرحمات والبركات، تتهذب السلوك والتصرفات؛ ولذا نفقه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تهنئة الصحابة والأمة بقدوم هذا الشهر الكريم.

فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ"؛[صحيح الترغيب والترهيب].

قال العلماء: وذلك لأمرين:

- لكي يلفت انتباههم لفضله ومنزلته.

- ‏ولكي يعلي من الهمم ويحفزهم على عمارة أوقاته.

قال ابن رجب رحمه الله: هذا الحديث أصل في تهنئة المسلمين بعضهم بعضا بهذا الشهر الكريم.

نعم؛ إنه شهر مبارك، ومن بركته: إقبال النفوس على الطاعات، ومغفرة الذنوب والسيئات، ومضاعفة الأجور والحسنات.

فما هى خصائص وفضائل شهر رمضان في عجاله؟

1- هو الشهر الذي اختصه الله تعالى واختاره ميقاتا لنزول الوحي؛ فأنزل الله فيه رسالاته، وبث فيه نوره، وخاطب فيه صفوة خلقه.

واختصه الله تعالى بنزول أعظم كتاب عرفته البشرية في أفضل البقاع على أفضل البشر.

كما قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}.

2- هو الشهر الذي اختصه الله تعالى بأفضل الأعمال وأحبها إليه؛ الصيام.

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"قال الله عز وجل: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به"، وعن أبى أمامة الباهلي رضي الله عنه، أنه سأل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ العملِ أفضلُ؟ قال: "عليكَ بالصومِ فإنه لا عِدلَ له".

3- هو الشهر الذي تجتمع فيه أمهات الطاعات: صيام، وصلاة، ودعاء، وتلاوة القرآن، والبر والإحسان.

4- هو الشهر الذي تغفر فيه الذنوب والسيئات.

قال صلى الله عليه وسلم:"وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ".

وفى الصحيحين عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة".

5- وفيه عتقاء من النار وذلك كل ليلة.

قال صلى الله عليه وسلم:"إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ".

6- ويحظى فيه الصائم بأنواع وألوان شتى من صور التكريم ومنها:

- خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

- ‏للصائم دعوات مستجابات لا ترد.

- ‏يحظى بالشفاعة يوم القيامة.

- ‏وباب من أبواب الجنة يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون.

- ‏ثم أعظم التكريم في الجنة حيث الغرف العالية التي أعدها الله جل في علاه للصائمين.

فما هو الواجب علينا وقد أكرمنا الله تعالى بإدراك شهر رمضان؟

‏أولًا: احمد الله تعالى على نعمة بلوغ الشهر؛ فإنها نعمة لا تعادلها نعمة بعد نعمة الإسلام، واسمع لهذا الخبر.

فقد روى ابن ماجه وابن حبان والبيهقي وصححه الألباني عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ الْآخَرِ فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنْ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ:"مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟" قَالُوا: بَلَى، قَالَ:"وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟"قَالُوا:بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ".

‏قال ابن الجوزي رحمه الله:*تَاللَّهِ لَوْ قِيلَ لأَهْلِ الْقُبُورِ تَمَنَّوْا، لَتَمَنَّوْا يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ*.

‏ثانيًا: إدراك حجم المسئولية التي ألقيت عليك فاحذر كل الحذر من تضييع الفرص وليكن شعارك:*لعله آخر رمضان*.

‏ثالثًا: معرفة أحكام الصيام وآدابه ومستحباته؛ وهذا ما ستكون وقفتنا الثانية معه بإذن الله تعالى.

نسأل الله العظيم أن يوفقنا للصيام والقيام وأن يجعلنا فيه من عتقاءه من النار.

الخطبة الثانية: مختصر لأحكام الصيام؛ وذلك في عدة مسائل.

المسألة الأولى: معنى الصيام.

- لغة: الإمساك.

- وأما معناه شرعا: هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى.

المسألة الثانية: أركان الصوم.

فإن الصيام له ركنان لا يصح الصوم إلا بهما:

1- الإمساك؛ والدليل قوله تعالى:{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.

2- النية؛ ودليلها قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، وتكون النية فى كل ليلة من ليالي الشهر، وتصح في أي جزء من الليل، ولا يشرع التلفظ بها؛ فمن تسحر بالليل قاصدا الصيام فقد نوى، ومن خطر على قلبه من الليل أنه صائم فقد نوى حتى ولو لم يستيقظ للسحور.

المسألة الثالثة: بما يثبت الشهر؟

يثبت دخول شهر رمضان بأحد أمرين لا ثالث لهما:

1- إما برؤية الهلال ويتحقق ولو بخبر مسلم مكلف عدل؛ والدليل حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:"تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته؛ فصام وأمر الناس بصيامه" ؛ [رواه أبو داود وصححه الألباني].

2- وإما بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما عند عدم رؤية الهلال، أو الحيلولة دون رؤيته بغيم أو قتر ونحوه؛ والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمي عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" ؛ [رواه البخاري ومسلم].

المسألة الرابعة: من يجب عليهم الصوم؟

يجب الصيام على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم.

1- فإن الإسلام شرط صحة ووجوب فإذا صام الكافر فإنه لا يقبل منه حتى يأتي بالإسلام؛ والدليل قوله تعالى:{وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله}.

2- ومن شروط وجوب الصوم البلوغ فلا يجب على الصغير الذي لم يبلغ؛ لكن يستحب لولي الصبي أن يعوده على الصيام ولا يمنعه إذا أطاق ذلك.

- وبعض العلماء يقولون أنه يقاس على الصلاة وذلك بأن يأمره بالصيام لسبع ويضربه على تركه لعشر.

- ‏والبلوغ يحصل بأحد أمور ثلاثة وهي:الاحتلام، أو نبت شعر العانة، أو بلوغ سن الرابعة عشر؛ وتزيد الأنثى علامة رابعة وهو نزول دم الحيض.

3- ومن شروط وجوب الصيام العقل؛ فلا يجب على المجنون الذي لا يعقل؛ والدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق وعن الصغير حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ".

4- ومن شروط وجوب الصوم القدرة عليه، فيخرج بذلك من يعجز عن الصوم مثل: الشيخ الكبير والمرأة العجوز والحامل والمرضع والمريض سواء كان المرض يرجى برؤه أو مرضا مزمنا عافانا الله.

5- ومن شروط وجوب الصيام الإقامة؛ فيخرج بذلك المسافر سفرا مباحا تقصر فيه الصلاة.

المسألة الخامسة: أقسام الصائمين:

1- القسم الأول: من يجب عليهم الصيام ويحرم عليهم الفطر؛ وهم من توفرت فيهم الشروط الخمسة السابقة.

فإذا أفطر من توفرت فيه هذه الشروط وانتفت عنه الموانع؛ عالما عامدا ذاكرا فقد ارتكب ذنبا من عظائم الذنوب وكبيرة من الكبائر، ولا يكفر بذلك إلا إذا أنكر وجحد فرضية الصيام.

2- القسم الثاني: من يجب عليهم الفطر ويحرم عليهم الصيام؛ وهي المرأة الحائض والنفساء ؛ فالواجب عليهن الفطر وقضاء الصيام بعد رمضان؛ والدليل قول عائشة رضي الله عنها: "كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"، والنفاس حكمه حكم الحيض.

3- القسم الثالث: من يرخص لهم في الفطر ويجب عليهم القضاء؛ وهم: المسافر والمريض مرضا يرجى برؤه؛ والدليل قوله تعالى:{ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}.

4- القسم الرابع: من يرخص لهم في الفطر وعليهم الفدية وهم: الشيخ الكبير والمرأة العجوز، المريض مرضا مزمنا، الحامل والمرضع إذا توالى عليهما الحمل والرضاع فإنهما يفديان؛ وإلا فالواجب عليهما القضاء إذا تمكنتا من ذلك؛ والدليل قول الله تعالى:{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}، قال ابن عباس في هذه الآية: "ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم"، وقال أيضا: "الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا" [رواه أبو داود].

وهؤلاء الثلاثة الواجب عليهم أن يطعموا عن كل يوم أفطروه مسكينا ومقداره نصف صاع من غالب قوت البلد (ومقداره بالأوزان الحديثة كيلوا جرام ونصف تقريبا من الأرز أو الدقيق ونحوهما).

المسألة السادسة:مفسدات الصوم أو (المفطرات) وهي قسمان:

القسم الأول: ما يفسد الصيام ويوجب القضاء:

1- الأكل والشرب ذاكرًا متعمدًا؛ أما إذا أكل أو شرب ناسيا فإنه يتم صومه ولا شيء عليه، ولا قضاء عليه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه".

2- القيء عمدا؛ أما إذا غلبه القيء فلا يفسد صومه ولا قضاء عليه؛ وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض".

3- نزول دم الحيض والنفاس للمرأة؛ فمن حاضت أو نفست ولو في اللحظات الأخيرة من النهار فسد صومها؛ وعليها قضاء هذا اليوم وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:"أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم؟"قلن: بلى.

4- الإستمناء؛ وهو تعمد إخراج المني باليد أو المباشرة أو التقبيل وإدامة النظر؛ وذلك لأنه ينافي المقصود من الصيام؛ كما جاء في الحديث القدسي:"يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي".

5- التردد في النية،أو نية الإفطار؛ فإن نوى وهو صائم وعزم على الإفطار جازما عامدا ذاكرا أنه في صوم بطل صومه؛ وإن لم يأكل أو يشرب؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".

القسم الثاني:ما يفسد الصيام ويوجب القضاء والكفارة؛ وهو الجماع؛ فمن جامع أهله في نهار رمضان عالما عامدا ذاكرا فإنه يفسد صيامه، وعليه القضاء والكفارة: وهى عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا؛ وهي على هذا الترتيب وليس على التخيير.

المسألة السابعة:آداب ومستحبات الصيام.

1- السحور وتأخيره.

لقوله صلى الله عليه وسلم:"تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"؛[رواه البخاري ومسلم].

وقوله صلى الله عليه وسلم:"فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ".

وقوله صلى الله عليه وسلم:"لاَ تَزَالُ أُمَّتي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السَّحُورَ".

ويتحقق السحور بأي شيء ولو حسوات من ماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"السحور بركة فلا تدعوه و لو أن يجرع أحدكم ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين".

2- تعجيل الفطر إذا تحقق من غروب الشمس.

لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ"؛[رواه البخاري].

3- أن يكون الفطر على رطبات فإن لم يجد فتمرات.

فعن أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء"[رواه الترمذي وصححه الألباني].

4- الدعاء أثناء الصيام وعند الفطر.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد"؛[رواه ابن ماجه].

وأما الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الفطر فهو أن يقول:"ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله"؛[رواه أبو داود].

والمأثور عن الصحابة قول:"اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت".

فإذا أفطر عند غيره يسن أن يدعو لهم كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم:"أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ"؛[رواه أبو داود وصححه الألباني].

5- أن يتحفظ من الأعمال والأقوال التي تفسد صيامه والبعد عن الرفث والصخب.

لقوله صلى الله عليه وسلم:"من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".

وقوله صلى الله عليه وسلم:"إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ".

6- قول: إنى صائم لمن شاتمه أو سابه.

وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ، إنِّي صَائِمٌ"؛ قال العلماء: واحدة تذكيرًا لنفسه، والأخرى تذكيرًا لخصمه.

7- الجود وإطعام المساكين وتفطير الصائمين.

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من فطّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا".

8- الإكثار من الأعمال الصالحة؛ اغتناما لبركة وشرف الزمان ومضاعفة الأجور والحسنات.

نسأل الله العظيم أن يتقبل منا صيامنا وأن يجعلنا من عتقاءه من النار.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

ملحوظة:

١- الموضوع قابل للزيادة والتعديل بحسب وقت الخطبة أو الدرس.

٢- إن لم تكن خطيبًا أو واعظًا فتستطيع بإذن الله تعالى أن تكون كذلك:

-        إما بقراءة المادة الوعظية على غيرك (أسرتك... أقرانك... زملاءك...).

       -وإما بنشرها، وما يدريك لعل الخير يكون على يديك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply