بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
حدثني شيخي يومًا فقال: للشيطان سبل متعددة ومنهجيات كثيرة، استخدمها في تاريخه الطويل، وتجاربه المتنوعة في إغواء وإضلال البشرية، وأهمها؛ تحريف الأمر(الوحي)، وتغيير الفطرة والخلق.
فقد اختص الله سبحانه بإنزال الوحي على رسله، فهو سبحانه المشرع لا مشرع غيره، كما اختص بالخلق فلا خالق غيره سبحانه، فمن اعتقد أن لله شريكًا في خلقه للخلق، أو شريكًا في تشريعه فقد وقع في أعظم الشرك، وهو الشرك في ربوبيته سبحانه، قال تعالى: ﴿… أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ﴾[الأعراف: ٥٤].
فكان من بداية كيد الشيطان ومكره عبر العصور، عمله على تحريف الأمر بتغيير لفظه وتبديله، وبتأويل معانيه، قال سبحانه:﴿وَإِذا رَأَيتَ الَّذينَ يَخوضونَ في آياتِنا فَأَعرِض عَنهُم حَتّى يَخوضوا في حَديثٍ غَيرِهِ وَإِمّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيطانُ فَلا تَقعُد بَعدَ الذِّكرى مَعَ القَومِ الظّالِمينَ﴾[الأنعام: ٦٨]، فبين الله سبحانه أن الخوض في آياته بغير علم، من عمل الشيطان، وقال سبحانه أيضًا:﴿وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَسولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلّا إِذا تَمَنّى أَلقَى الشَّيطانُ في أُمنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ ما يُلقِي الشَّيطانُ ثُمَّ يُحكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ﴾ [الحج: ٥٢] وبين أن تغيير الوحي وتبديله مقصد شيطاني قديم.
أما عمل الشيطان على تغيير الخلق، فقال سبحانه:﴿وَلَأُضِلَّنَّهُم وَلَأُمَنِّيَنَّهُم وَلَآمُرَنَّهُم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الأَنعامِ وَلَآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيطانَ وَلِيًّا مِن دونِ اللَّهِ فَقَد خَسِرَ خُسرانًا مُبينًا﴾[النساء: ١١٩].
يقول شيخي حفظه الله: لقد توالت جهود العلماء في هذه الأمة عبر التاريخ بحفظ الأمر من التغيير، بكتابة الوحي، وجمع القرآن، وضبط علومه، وبتدوين السنة، وبيان صحيحها وضعيفها، وضبط منهجيات التلقي والاستدلال، في علوم القرآن، وعلوم الحديث، وأصول الفقه، لتحفظه من التحريف اللفظي، وتحميه من التحريف المعنوي - إما بالإيمان ببعضه، أو بتأويل معانيه ومقاصده - ولم تتوقف هذه الجهود حتى في العصر الحديث، فقد استمرت الجهود برد الشبه عنه، وبيان باطل القراءات التفسيرية الحداثية له، مما صنع حقولًا علمية ومعرفية ثرية تدور في فلك حفظ الأمر.
أما تغيير الخلق، فقد اشتدت وتيرته في العصور المتأخرة فقط، لذلك لم تكن العناية به كالعناية بحفظ الأمر، لانتفاء دواعي التداعي لحفظه، إلا في مواضع قليلة؛ كأحكام تشبه المرأة بالرجل، وأحكام الجراحات التجميلية الطبية، وأمثالها، مما لم يستوجب تداع بمستوى حفظ الأمر.
يقول شيخي سدده الله: وبالنظر إلى نوازل المكر الشيطاني في موضوع تغيير الخلق، فإنه يستدعي أن تتداعى الجهود لحفظ الخلق من التغيير، وبيان خطورة العبث بالخلق الذي فطر الله الناس عليه، وأن هذا التغيير عبث بالفطرة وتبديل لها، يقول الله سبحانه مبينًا أن حفظ الخلق من التغيير هو من الدين الخالص الذي أمر الله به، قال تعالى:﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا فِطرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيها لا تَبديلَ لِخَلقِ اللَّهِ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ﴾[الروم: ٣٠]،لذا يستوجب على هذه الأمة الشاهدة على الأمم، الحاملة للرسالة الخاتمة، تحذير البشرية من خطورة تغيير الخلق، والتحول الجنسي، والنسوية، وتشريع الشذوذ، والعبث الجيني بالمخلوقات الحية، وغيرها من المحاولات الشيطانية لتغيير الخلق، وأن نتيجته ستكون النزول بالبشر إلى مستوى البهيمية، ذلك المستوى الذي تقود الأمم الغربية البشرية إليه، كما يتحتم عليها أن تتداعى لذلك كما تداعت لحفظ الأمر بمنهجيات وأدوات وجهود متنوعة متوالية لتجعل من قضية حفظ الخلق من التغيير حقل علمي معرفي متكامل بمنهجياته ومضامينه، لتخاطب به البشرية فهي وريثة الرسالات الخاتمة، والأمة الشاهدة على الأمم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد