شتات الأمر وانفراطه


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

روي أن النبيكان يستعيذ من "شتات الأمر"، يعني: تفرقه وعدم انضباطه؛ أن تخبط في حياتك خبط عشواء، تنشغل عما ينفعك بما لا ينفعك، وتقدم ما حقه التأخير، وتؤخر ما حقه التقديم، يتناثر وقتك الذي هو بعضك فيما لا طائل تحته، وذلك في أمرك كله؛ في العلم والعمل والعلاقات والاهتمامات والأوقات.

يشبه هذا الشتات للأمر تعبيرٌ قرآني آخر، وهو:(انفراط الأمر) قال الله ﷻ:﴿ولا تُطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا﴾، قال السعدي:﴿وَكَانَ أَمْرُهُ﴾ أي: مصالح دينه ودنياه ﴿فُرُطًا﴾ أي: ضائعة معطلة!

ومن أعظم ما ينتظم به الأمر  وضوح المعنى الكبير في هذه الحياة (العبودية)، واستشعاره على الدوام. معرفةُ غاية الخلق الهدفُ الذي تتجه له كل الأهداف الأخرى وتنتظم به.

وأعظم أدواء هذا الاستحضار: الغفلة، واتباع الهوى.

ودواؤهما: الذكر والتذكير؛ تأمل:﴿أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه.

دوام الذكر والتذكير تحصل به يقظة القلب للإنسان، وتندفع به الغفلة المسببة لهذا الداء، ويتفطن به مواضع الهوى من مواضع الحق. قال ابن عثيمين، رحمه الله، في وصف هذا الذي انفرط عليه أمره:"تجده يبقى الساعات الطويلة وهو لم يحصِّل شيئًا، لكن لو كان قلبه مع الله لحصلت له البركة في جميع أعماله".

طبيعة الهوى واتّباعه: التفرقُ وعدم الانتظام؛ لأن شهوات النفس وإراداتها متقلبة تقلبًا كبيرًا، ولا يضبطها ضابط.

وطبيعة إرادة الحق والدوران معه حيث دار: الانسجام والانتظام؛ حينما يكون "نجم الشمال" بالنسبة لكل خياراتك: موقع هذا الاختيار من إرادة الله تعالى؛ هكذا تنتظم أمورك ولا تنفرط.

ويزيد حالة الشتات هذه إذا انضاف لها مع شهوات النفس وأهوائها أهواءُ غيرها من الناس، وهؤلاء -سلمك الله- هم من أشقى الناس.

- وهل يتتبع أحد أهواء غيره؟

- نعم، ألست ترى اليوم -مثلا- ما تخلقه الحياة المادية، في تمظهراتها المختلفة، في شبكات التواصل وغيرها من مشاكلة لرغبات الآخرين وأفكارهم وقناعاتهم؟!

- طيب، حالة التذكر والاستشعار الدائم لغاية الخلق وللمعنى الكبير من هذه الحياة كيف تتحقق؟

- أعظم ما يحققها التعرض المستمر والمتكرر للقرآن العظيم. سُمِّي القرآن "ذِكْرًا" لهذا المعنى، القرآن ينتشلك من الشتات والانفراط في كل مرة تتغشاك فيها سُحُب الغفلة، ويذكرك من أنت وإلى أين تسير!

القرآن لا يُجَرّب، بل حقه الإقبال عليه بيقين؛ لكن تجوّزًا أقول: ألست طرقت كل باب تبحث فيه عن صفاء الروح وإشراقها وعُدتَ صِفرَ اليدين؟! جرِّب أن تتعرض للقرآن، تعرض الموقن أنه كلام الله، تعرضا مستمرا متكررا، وحدثني بعدها عن صفاء الصورة التي ترى بها الأشياء، واتضاح الغاية، واستشعار المعنى!

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply