خلفاء الشياطين في رمضان


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

شهرُ رمضان شهر الهُدى والغُفران ؛ تستنير فيه البَصيرةُ بِنورِ القرآن، وتلامِس الرَّحمةُ شغافَ الرُّوحِ، ويتدثَّر الفؤاد بِدفء الرِّضوان، وتتسلَّل الحياةُ إلى الوريدِ لِيكتَسي حياةً جدِيدَة.

ولِرمضان شذىً ينتشرُ قبلَ مَولد هلالِه بِأسابيع، فتبهجُ النفوس بِقدومه، وتقوم الاستِعدادات له على قدمٍ وساقٍ، إلَّا أن مظاهرَ الاستِعداد والاستِقبال أخذت في الآوِنةِ الأخِيرة تنحني منحنىً منكرًا بِانتِشار ظاهِرة اتخاذ الفنانِيس والمجسَّمات المصوَّرة أو ما يطلق عليها مُسمَّى "تماثيل رمضان" ورمضانُ بريءٌ مِنها براءة الذِّئبِ من دمِ ابنِ يَعقوب! فتضجّ بِها الأسواقُ، وتتسابق الأيدي لِشرائها، وتدخل كل بيتٍ إلَّا ما رحِم اللّٰـه، فتجلِس على المناضِد، وتتربَّع على الموائِد، ويتحلق حولَها الأهلُ في سرورٍ وحبور، وكأنها ركنٌ من أركانِ الصِّيامِ في رمضان ؛ يفسِد غيابها الصَّومَ إفسادًا لا كفَّارة له!

وهي في الحقيقةِ من المُحدثات التي ما أنزلَ اللّٰـهُ بها من سُلطانٍ ؛ يَقول الحَقُّ تَبارَك وتعَالى:{أم لَهُم شُركَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لَم يَإذن بِهِ اللّٰـهُ}، ويَقول رسولُ اللّٰـهِ :"مَن أحدَثَ فِي أمرِنا هذا مَا لَيسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ"، وما استُحدِثت هذه الفنانيسُ إلا لتكون خُلفاء للشياطينِ التي تُصفَّدُ في هذا الشَّهرِ المُبارَك!

ولا يخفى على العاقِل أن هذه الفنانِيس تتجاوَز إلى ما هو أدهى وأمرّ ؛ إذ وجودها في البيتِ يمنَع دخول الملائكة، فَعن أبي طلحةَ رضيَ اللّٰـهُ عنه أن رسول اللّٰـهِ قال:"لَا تَدخُل المَلائِكةُ بَيتًا فِيهِ كَلبٌ ولا صُورَة".

فَعَلى المُسِلم أن يتوخّى الحذر من اقتِناء الفنانيس المصوَّرة، وأن يجتثَّها من جذرِها، وألَّا يحرم نفسه وأهل بيته من خيرِ رمضان، وعلَيه أن يسعى إلى التزوُّد من الحَسنات، ويحرص على اجتِنابِ المُنكرات، فَشَهر رمضان شهر العبادةِ والتَّقربِ إلى اللّٰـهِ تعالى.

وخِتامًا يجب علينا ألَّا نستهين بهذهِ التحف التي لا يُؤبَه لِخُطورتِها ؛ فأكبر النار من مُستصغَرِ الشَّررِ، وأول شركٍ في الأرض كان بِسبب الغلوِّ في الصالحين الذين زيَّن الشيطانُ للناسِ تصوير تماثيلهم لِيُحسِنوا عِبادة اللّٰـهِ كلما رأوها، حتى غدت هذه التماثيلُ آلِهةً تُعبَد من دونِ اللّٰـهِ سُبحانه وتعَالى!

أعاننا اللّٰـهُ وإيَّاكم على صيامِ رمضانَ وقيامهِ إيمانًا واحتسابًا، إنه وليُّ ذلك والقادِر عَليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply