صحوة قلم


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مازالت رسائلُ (عبدالفتاح) تترى، وتتوافد من بريطانيا إلى ابن عمه (سالم)، وتحياته يزجيها لعمِّه (أبي سالم)، رغم أنه رفض منذ سبع سنين خلت طلبه للزواج من ابنته (عفراء)، ولم ينس أن يقفل أبواب رسائله العطرة إلى (الحاجة خديجة) التي كان يذكرها بوعودها الحلوة، حيث كانت (عفراء) لابن عمها (عبدالفتاح). مرَّت سنون، وما أسرع مرور الأيام، فسالم صار طبيبا مرموقا في مدينته ذات الكثافة السكانية، وأخته عفراء لها ثلاثة أولاد من زوجها (صالح)، وبقية إخوانه وأخواته بخير حال ــ ولله الحمد ــ وكم يردد أبو سالم عبارات الحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى الذي رزقه الذرية الصالحة والمال الصالح، وأكرمه بالعافية وهي عنوان السعادة التي يتمنَّاها كلُّ إنسان، بعد إيمان بالله، وعمل لايغادر ما أحلَّ الله. وربما فاضت عيناه بالدموع وهو يتذكر الجلسات الجميلة في بهو دارهم الواسعة مع أخيه أبي عبدالفتاح، وبقية أفراد الأسرتين منذ عشرين عاما، ولطالما سأل سالما عن أخبار ابن عمه فهو أيضا صديقه، وموئل أسراره، ويعرف عنه الكثير. وكان جواب سالم: هو بخير يا أبي. ولكن ادعُ الله له بالهداية، والحاجة خديجة تتمنَّى على الله أن يرده إلى بلاده سالما غانما، وتراه يقف في الصلاة إلى جانب سالم وبقية إخوانه.

ويذهب سالم مع والدته خديجة إلى دار عمِّه عبدالفتاح، وتلك عادتهما في صلة الأرحام، ويستإذن بالدخول، ويلقيان التحية على أم عبد الفتاح، ويسلمان على من في البيت، وتدور الأحاديث وجلّها حول غياب كبير البيت عبد الفتاح في بلاد الغرب، وتجهش أمّه بالبكاء، وتشاركها الحنُوَّ (أم سالم) بعباراتها الرقيقة، ودموعها التي ليس لها أن تخفيها، وكيف! وهما منذ عقود لم تعرفا إلا المودة وحسن الصلة، بل كأنهما أختان لأم واحدة،   مسحت أم عبد الفتاح عينيها ونادت على ابنها عمر أن يأتي برسالة أخيه التي وصلت صباح هذا اليوم، وأعطتها لسالم قائلة: اقرأ يابني ماكتب ابن عمك، إنه لايجيد غير كتابة التحيات، ورسم كلمات الأشواق، أين هو الآن؟! هذه السنة الثالثة تكاد تنصرم، ولم نره، فإلى متى؟!

ويفتح سالم الرسالة، وينظر في أعلى الورقة، ويحملق مليًّا، ويفتح فاه، ويردِّد بعجب: عبد الفتاح... عبدالفتاح... وتنتبه أمّه وتنتبه أم عبد الفتاح... مالك ياسالم! أفي الرسالة شيء لم يقرأه عليّ عمر؟

 أجاب سالم: لا يا خالتي، ولكني أشتم في الرسالة رائحة غريبة، وتهزُّ أم عبد الفتاح رأسها وهي تقول: نعم هذه رائحة العجوز الشمطاء كما سماها والدك هذه رائحة بريطانيا... رائحة... قاطعها سالم... لا يا خالتي، العجوز الشمطاء، وتأخذ الأصباغ، لتعيد أيام صباها... هذا كله صحيح، ولكن صدّقيني أني أشتم في رسالة ابن عمي رائحةً من نوع آخر...

وحمل الرسالة، واقتاد عمرَ إلى خارج الغرفة، وقال له: اقرأ عليّ هذه الرسالة...

 تبسم عمر متعجبًا أنا أقرأ لك، وأنت كنت تعلمنا القراءة والكتابة،بل وأصول الحياة المستمدة من شريعة الله؟! ماذا تقول؟! أقول لك:أقرأ لي رسالة أخيك قرأ عمر وهو يعلم أن طالبًا يقرأ أمام معلمه: بسم الله الرحمن الرحيم يقاطعه سالم: أعد عليّ... كلامي واضح ياأستاذ: "بسم الله الرحمن الرحيم "ويفرك سالم عينيه، ويأخذ الرسالة من عمر، وينظر فيها من جديد قائلا: تعال يا عمر أين كلمة "بسم الله الرحمن الرحيم"؟

يتبسم عمر ويشير بإصبعه إلى البسملة -  يرفع سالم عينيه إلى السماء، يحرك شفتيه بكلمات لم يسمعها عمر يطوي الرسالة من جديد، يعطيها لعمر ويقول له: اذهب بها إلى والدتك وفي هدأة الليل، تتناثر في مخيلة سالم الأحلام، وتغرق أفكاره بين مراكب بحور ثجاجة، يصفعه حينًا طوفان الشر الذي يركبه الشيطان، هل يعقل أن صاحب القصص الساقطة هداه الله؟! لا أظن... كتاباته، رسائله حتى قبل شهر، تتحدث عن زخرف الحضارة، وتدعو إلى مراتع الانحدار اللاهية، قصصه المنشورة في مجلات الأسواق الرائجة، تحبِّذ الغناء والرقص وهو كما أعرفه المتحمس في الدعوة للسفور والانحلال، وهذا سبب رفض أبي عندما طلب يد عفراء للزواج، غير معقول!!!

ولكني تأكدت من كتابة البسملة في رسالته، ولم يفعلها قط، ويهب، يدفع سالم اللحاف عن جسده، ويسرع نحو مكتبته، يقلب بعض مافي أدراجها، استخرج مجلة أنيقة، زُيّنت برسومات وطلاسم تدل على غربتها عن روح هذا الوطن الغالي، لم يحتفظ بها، إلا لأن فيها إحدى قصص القاص الشاب عبد الفتاح وكان عنوانها "نافذة على الحضارة" راح يقرأ ويعيد أفكارها اللاهثة خلف سراب زيف الإبداع، وتهافت فلسفة تقريب المفاهيم، وانحطاط الدعوة إلى تمازج الألوان، وخلط الألفاظ لاجتياح برودة الثوابت الرجعية... ويلك يابن عمي... والله ماكان أبوك إلا أحد الصالحين، ويسرح سالم في آفاق ليست بعيدة، أمس... كان عمي يرحمه الله يزجره من أجل أن يقيم الصلاة، ولكن... مات عمي وحمل معه حسرة، حدّثني عنها مرات ومرات.

ويقرأ سالم بقية القصة التي لا تتوانى عن النيل من حقوق المرأة التي طالما جعلها المفلسون شمّاعة يعلّقون عليها سيوف حربهم على شريعة الله.

ويطرق باب الغرفة ليستإذن أخوه وائل بالدخول، ويتعجب (وائل) من تصرف أخيه سالم هذه الليلة النور في غرفته مضيء، والساعة تقارب الحادية عشرة في عمق الليل، وليرى بين يديه مجلة يتصفح فيها، وفهم (سالم) سبب مقدم أخيه (وائل) عليه وقال: لاشيء ولكني أردت أن أقرأ بعض أفكار ابن عمك القاص الشاب، وتزداد حيرة وائل، دعك من أفكار السفهاء ياأخي، والله إن قصصهم وكتاباتهم لا تستحق الوقوف عندها دقيقة واحدة، ويتابع (وائل) كلامه، اليوم وأثناء عودتي من الجامعة، ناداني صاحبه القديم أنيس صاحب مكتبة النهضة العربية، وأطلعني على آخر قصة كتبها ابن عمنا، وأخذ يشيد بفكر (عبد الفتاح)، وأنه أصبح يحلِّق بجناحين في عوالم الإنجازات التي تخطَّت قصص الرواد.  

قال (سالم): أنا أمقت هذا المخلوق لفساد نفسه، وحقده على الإسلام وأهله.

قال (وائل): أجبت عنك، وماذا قلت له؟ قلت له: مبارك لك (عبد الفتاح) وقصصه التي فيها ما يناسبكما من سخافة وضياع ، قام (سالم) من سريره، وجلس على الكرسي، وقال: لا ياوائل... عبد الفتاح لنا ومنا، وعسى الله أن يهديه سواء السبيل.

أجاب وائل: أبعد هذا الضلال والاستهتار؟ أبعد صيحاته التي ملأت وسائل الإعلام؟! أجابه سالم: قلوب العباد بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء... ويسرح بعيدًا، ويسترجع بداية الرسالة التي وصلت صباح هذا اليوم وهي تتأرج ببوح "بسم الله الرحمن الرحيم "

ويؤوب سالم إلى مغاني ذكرياته، إلى تربية عمه الفاضل ورعايته لأسرته، فقد كان الأب الحاني، وصاحب الفضل بعد الله في صياغة هذه الأسرة الفاضلة، لقد مات وترك لها ميراثًا محمودًا من كريم السجايا، وفرائد الخصال، وخط لها طريقة تجد فيها أفياء السعادة والطمأنينة، ليس المال فقط، وإنما التوجيه السديد، والرأي الواعد، وكأنها سفينة النجاة... أما عبد الفتاح فلا أدري كيف سوَّغ لنفسه أن يترك بيئة الرُّشد والخير، وينحاز إلى تسويق الضلالات، وترويج الموبقات... ربِّ اهد قلبه، واشرح صدره وافتح مغاليق سعادته ب" بسم الله الرحمن الرحيم"  

وفي اليوم التالي، وكان يوم جمعة، أسرة أبي سالم في البيت أبناؤه، بناته المتزوجات وأولادهن، وتلك عادته منذ زمن بعيد، وكلٌّ منهم في شغله، الوالدة خديجة وكلّ بناتها يحضّرن طعام الغداء، الشباب يستعدون للذهاب إلى المسجد للصلاة، وأبو سالم على كرسيه الخشبي القديم المرصَّع ببعض الأحجار الغريبة، يسبِّح الله، ويُطرق باب الدار، ويستقبل وائل شابًّا يحمل رسالة، أخذها منه وشكره، فإذا بها من عبد الفتاح إلى ابن العم الفاضل سالم... نظر (وائل) إلى الرسالة، واسترجع حديث أخيه ليلة أمس، فشعر أنّ في المسألة أمرًا يخفيه عنه سالم، فعزم على إخفاء الرسالة إلى حين!!

وأمضت الأسرة مجتمعة يومًا حافلًا بالسعادة والأنس، والذي يعود إليهم مع صباح كلِّ جمعة.

وبعد أسبوعين يفتح سالم باب الدار، بعد قرعه، ليجد زوجة عمّه وابنها عمر يلقيان عليه السلام رحّب بهما وأدخلهما المنزل، فقامت الحاجة خديجة لتعانق أم عبد الفتاح، وتجلسها بالقرب منها، وتنادي ابنها سالمًا من جديد ليقرأ نصّ البرقية التي أرسلها اليوم عبد الفتاح، وأنه سيصل مطار المدينة في تمام الساعة العاشرة ليلًا يوم الجمعة القادم إن شاء الله  ردّد سالم إن شاء الله وعاد نور البسملة مطلًا من رسالته التي قرأها منذ أقلِّ من شهر، فرح الجميع، وانتشر الخبر بين الأقارب والأصحاب، حتى أن أنيس صاحب المكتبة جاء مهنئا ً ومعه أخته بهيّة التي كانت على سُنّة أخيها، تفتخر بسفورها وحريتها التي ليس لها ضوابط ولا حدود.

وفي الموعد المحدد يخرج أبو سالم وأولاده وإخوة عبد الفتاح إلى المطار، هذا هدير محركات الطائرة، التي تقل غائبهم يملأ جنبات المطار، الناس تشرئب أعناقهم نحو باب الطائرة من قاعة استقبال القادمين، ويظهرعبد الفتاح على سلَّم الطائرة، بوجهه المشرق ولحيته السوداء، يخفق قلبُ سالم، وكأنه ما خفق من قبل، نعم إنه ابن عمي، إنه عبد الفتاح الذي ابتدأ رسالته بالبسملة، وختم برقيته بمشيئة الله كان العناق حارًا وطويلًا، وجرت دموع أبي سالم فرحًا بالقادم، كما جرت يوم ودّع أخاه أبا عبدالفتاح منذ سنوات، ثم تهادى الركبُ إلى دار أم عبدالفتاح لتعود لها بهجة الحياة، وسعادة النفس، كانت هي الغريبة في وطنها، واليوم عادت إليه مع فلذة كبدها، وينطلق صوت أبي سالم... الغداء غدًا عندنا ياأم عبدالفتاح، والحمدلله على عودة عبدالفتاح، فردّ سالم، نعم ياأبي بعودة الشيخ عبدالفتاح.

لم يصبر (سالم)، صلَّى الفجر، وجلس يقرأ القرآن الكريم منتظرًا شروق الشمس، اجتمعت الأسرة على طعام الإفطار، وانطلق أفرادها هنا وهناك، وأما سالم فأسرعت خطاه إلى ابن عمه عبدالفتاح، ففي النفس شوق، وعند الغائب العائد لاشك الكثير من الأخبار كانت جلسة هادئة لم يعكّرصفوها إلا رشفات الشابين للشاي الذي صنعته أم عبدالفتاح بيديها الطاهرتين.

واستغرقا في حديث الغربة، واستطردا في كنه اللقاءات التي كانت محل سرور الغائب حين يكتب الرسائل لابن عمه سالم وصمت عبدالفتاح طويلًا، وكأنه يتردد في البوح بكل مارأى وعلم ولكنه استسلم أخيرًا لشوق أخيه سالم، فقال: لم تنقطع لقاءاتنا، وعاملوني بمودة يعجز عن تقديمها حتى أخي، وعلى نفقتهم طبعتُ مجموعتي القصصية الأخيرة في بيروت، ومنذ أربعين يومًا فقط شاء الله أن أخرج من ظلمة الضياع والغفلة، وعلى أيديهم حين جاءني إلى البيت أعز أصدقائي، وجلس قرابة الساعة يحدثني عن تقديره لي وإعجاب جميع الرفاق الآخرين بكتاباتي وقصصي ثم قال لي: now you are one of us)) فسأله سالم: وما معنى هذه الكلمات؟ أجابه: لقد أصبحت واحدًا منّا الآن ودعاني كالعادة إلى الدار التي كنا نلتقي فيها دائمًا قلت له: ليس الموعد هذا اليوم قال: لا إن هذا اللقاء له شأن وطعم خاص هيّا وجهّز نفسك وصلنا المكان الذي أعرفه جيدا حيث قاعة الوجبات الخفيفة والمشروبات المميزة والموسيقا الرو... وحيث الفتيات شبه العاريات، وحضر رجل جاوز الخمسين لم أره من قبل، فسلم عليَّ بحرارة، وأعاد الجملة التي قالها لي صديقي في البيت.

شعر سالم أن ابن عمه يريد اختصار المشهد، ولا يحب الخوض في التفاصيل، فحاول استدراجه، ولكن عبدالفتاح استغرب، وقال: أرسلتُ لك رسالة مفصلة مع أخي وصديقي ابن حارتنا (عبدالوهاب)، ألم تصلك؟!

 وفي هذه الأثناء يستإذن وائل للدخول وهو يسمع كلمة عبدالوهاب، ويقول مخاطبا أخاه سالما: ألا تعرف عبدالوهاب، لقد جاء برسالة منذ فترة، ولكني نسيتُ فلم أوصلْها إليك. نظر سالم إلى أخيه بغضب، ولكن وائلا استدرك الموقف قائلا: سآتيك بها، وانصرف مسرعا. أتمَّ عبدالفتاح حديثه عن مشهد تلك الليلة الليلاء، وعمَّا أضمره هؤلاء للإسلام وللمسلمين، وعن أنواع أسلحتهم القذرة من النساء والأموال والإعلام، وعلم علم اليقين أنه سيكون في قبضة هذا الانحدار الفظيع، ويكون أداة لحرب دينه وأمته، وتنهد وكأنه خسر تجارة العمر أو كاد!! والتفت إلى سالم وقال: لقد تأكدت من صحة إرشاد الإمام الغزالي (حجة الإسلام) يرحمه الله، ومن حسن تعليمه، أذكرُ أني قرأتُ في كتابه القيِّم (إحياء علوم الدين) قبل ذهابي إلى ديار الغرب قوله صلى الله عليه وسلم:"لمَّا خُلقتْ المرأة قال لها إبليس:أنتِ نصفُ جندي وأنتِ موضع سرِّي وأنتِ وأنتِ سهمي الذي أرمي به فلا أُخطئ".

فما بالك ياسالم إذا اجتمعت الخمرة والمرأة الكاسية العارية في تلك الأجواء الشيطانية... ساعتها وكان الرفاق في نشوة المشهد... أنقذني ربي من فتنة لاينجو منها إلا من رحم الله، اعتذرت لهم عن السهر، وأخبرتهم بأن صداعا ألمَّ بي، وأنني بحاجة إلى الراحة. وقمت من بينهم، وانطلق لسان قلبي يردد: لبيك اللهم لبيك... وصلت بيتي، فاغتسلتُ وأعلنتُ توبتي أمام ربي وأنا في ظلمات أوروبا، وصليت ما شاء اللهُ لي أن أصلي. وحاولت النوم فلم تغمض لي عين، تذكرتُ ساعتها سبب غضب الوالد ــ يرحمه الله ــ حين لا يراني بين المصلين!!     

أخذ الناسُ يتوافدون إلى دار عبدالفتاح مهنئينه بسلامة العودة، ويأتي صديقه العزيز صاحب المكتبة التي استمد عبدالفتاح من كتبها كلَّ أفكار الضلال والفساد والإلحاد، ومعه أخته (بهيَّةُ) التي كانت تظنه فارس أحلامها، وحبيبها المنتظر المتحرر!! وتعانق أنيس وعبدالفتاح رغم انطفاء جذوة اللقاء عند أخي بهية، وكأن عبدالفتاح تغيَّر أو هكذا ظنَّ عندما رفض عبدالفتاح أن يصافح بهيَّة، أو أي فتاة أخرى!! واستإذن سالمٌ ابنَ عمِّه بالخروج، وذكَّره بدعوته للغداء ظهر هذا اليوم. وأسرع إلى الرسالة التي التي أخفاها وائل منذ فترة، لم يجد وائلا، ولكنه وجد الرسالة مغلقة كما أرسلها صاحبُها، ففتح الظرف، وإذ بالرسالة كأنها قصة قصيرة بعنوان (صحوة قلم). وراح سالم يقرأ أوَّلَ قصة يكتبها الشيخ عبدالفتاح. أعجبته معانيها الفيَّاضة بالهدى، المشرقة بنور الفكر القويم، مفنِّدًا حجج سفهاء تحرير المرأة من كرامتها وشرفها، فقد ظلموها في الجاهلية الأولى بالوأد والحرمان، وهاهم يظلمونها في الجاهلية الثانية بأن استباحوها جملة وتفصيلا، حين عقدوا من أجلها ــ كما يزعمون المؤتمرات. بعد أن أسقطوا كلَّ حقوقها، حين طرحوا في مؤتمراتهم من قبل: هل المرأة إنسان أم أنها من سقط المتاع؟!

 بل إن القانون الإنكليزي أباح للزوج بيعَ زوجته لمن شاء وبأبخس الأثمان، وكذلك القانون الفرنسي الذي لم يؤهلْها للتعاقد، ولقد تمَّ ظلمُ المرأة في هذا العصر على يد أوروبا وأمريكا وروسيا حين استخدموا المرأة لمجرد المتعة الجنسية العابرة، فها هي المرأة في نوادي العراة، وهاهي تغني وترقص وتمثل أخسَّ الأدوار، ومن لم تعد صالحة لهذا الميدان ألقوا بها إلى حيث تُلقى بقايا الطعام، وكأنها كيس قاذورات!!

ويتابع فكرة القصة عن فخره بمنهج النُّبوَّةِ الذي ربَّى الفرقة الناجية، وأكرم السابقين، وميَّزَ الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله، فرح سالم، ورفع صوته قائلا: والله لقد صحا قلبُك يا عبدالفتاح، واستنار فكرُك، وحقَّ لقلمك أن يصحو، ورجع قافلا إلى القاص ليهنئه بصحوة قلمه، ويأتي به إلى طعام الغداء.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply