بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اتقوا الله يا عباد الله وأطيعوه، وعظموه في هذا اليوم المبارك وكبروه، واحمدوه على ما هداكم واشكروه، واذكروه ذكرًا كثيرًا ومجدوه، واعلموا أن الإيمانَ إذا وقرَ في القلبِ فاضَ على الجوارحِ، فتصبح الحركات والسكنات كلها للهِ، فَهُو للهِ وبالله وفي اللهِ. في الحديث القدسي الصحيح، قال الله جل في علاه:"فإذا أحببتُه كنتُ سمعَهُ الذي يسمَع به، وبصرَهُ الذي يُبصِرُ به، ويدَهُ التي يبطِشُ بها، ورجلَهُ التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينّهُ، ولئن استعاذني لأعيذنّهُ"، و{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
اللهُ أكبر، الله أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
معاشر المؤمنين الكرام: أدَّيتم فرضَكم، وأطعتُم ربَّكم، وصمتم لله شهركم. وها أنتم حضرتم لتصلوا صلاة عيدكم، ولتكبروا الله على ما هداكم، وعلى ما يسَّرَ لكم. فأسعدَ اللهُ أيامكم، وباركَ أعيادكم، وأدامَ أفراحكم، وتقبلَ اللهُ منَّا ومنكم، وبُشراكم بإذن الله فوزًا عظيمًا، وأجرًا كبيرًا، فربُكم مُحسنٌ كريم، لا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملا. فقد جاءَ في الحديث الصحيح:"للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فِطره، وفرحةٌ بلقاء ربه. فافرحوا بِعِيدِكم واسعدوا، وأَدْخِلُوا البهجةَ عَلَى ذويكم واهنأوا".{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
اللهُ أكبر، الله أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.
أيها المباركون: الوقتَ هو رأسُ مالِ الانسانِ، وهو أغلى وأنفسُ ما وُهبِ له بعد الإيمان. بل إن كلَّ دقيقةٍ منه أغلى من كل كنوز الدنيا ونفائسها. وما ضاع منه فلا يمكنُ تعويضه أبدًا، والمتبصرُ بإمعانٍ سيرى أنَّ العمر الحقيقي للإنسان، إنما يُحسبُ بمقدار الوقتِ الذي يستثمرهُ لعِمارة آخرتهِ، وما عداهُ فهو خسارةٌ لا تُحسب. وإذا كان الوقت هو الحياة، فإن الوقت لا يتجدَّد ولا يتمدَّد ولا يتراجع. وإنما يمضي للأمام، وللإمام فقط. ومن ضيَّع ولو جزءً يسيرًا من وقته، فما عرفَ قيمةَ الحياةِ. لأن من يوازنُ حياتهُ القصيرةَ بما ينتظرهُ من خلودٍ أبدي في الآخرة، سيرى أنَّ كلَّ نَفَسٍ من أنفاسِه يَعدِلُ دُهورًا وأحقابًا لا نهآية لها، في الحديثٍ الصحيح، قال ﷺ: "من قال (سبحان اللهِ وبحمدِه) غُرِسَتْ له نخلةٌ في الجنَّةِ"، وغراسُ الجنة لها مواصفاتٌ عجيبة، فالجواد السريعُ يسيرُ في ظلها سنواتٍ لا يقطعها، هلَّا تأملتم: فثانيتينِ فقط، تقولُ فيهما: (سبحان الله وبحمده) تساوي نخلةً في الجنة، ودقيقتين فقط، تصلى فيهما ركعتين خاشعتين، أو تقرأ فيهما سورة الإخلاص عشر مرات، تساوي قصرًا في الجنة، فهل عرفت قيمة الوقتِ ونفاسته، وأنَّ ما يُهدرُ منهُ لا يمكنُ تعويضهُ أبدًا. في الحديث الصحيح: أنَّ الرسول ﷺ مرَّ على قبرٍ فقال: "ركعتانِ خفيفتانِ مما تحقرونَ وتنفلون يزيدُها هذا في عمله أحبُّ إليه من بقية دُنياكم". وفي الحديث الصحيح: "مَا جَلَسَ قَومٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكرُوا الله تعالى فِيهِ ولَم يُصَّلُّوا عَلَى نَبِيِّهم فِيهِ إلاَّ كانَ عَلَيّهمْ تِرةً وحسرةً يوم القيامة". ويقولُ الامام ابن القيِّم رحمه الله:*إضاعةُ الوقتِ أشدُّ من الموت، لأن إضاعَةَ الوقتِ تقطعك عن اللهِ والدارِ الآخرةِ، والموتُ يقطعك عن الدنيا وأهلها*.
اللهُ أكبر، الله أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
أيها الأكارم: إن مما يحزُّ في النفس، ويؤلمُ القلب، ويحيرُ العقل: أنَّ استشعار قيمةَ الوقتِ، وحُسنَ استثمارهِ، أمرٌ مفقودٌ لدى الكثيرين. نعم أحبتي في الله: هناك أناسٌ كثيرون، يُفرطونَ في أوقاتهم تفريطًا عجيبًا، ويضيِّعون الساعات الطويلة بلا أدنى فائدةٍ، وصدق من قال:
وَالوَقْتُ أَنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ ** وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ
ووالله يا كرام: والله لو وفقَ المسلمُ أن يستثمرَ أوقاتِه بالشكل الصحيح، لتغيرَ طعمُ الحياةِ في حِسه، ولصنعَ فارقًا ضخمًا لنفسه. دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ. إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني. والناسُ غادٍ في الحياة وَرائِحٌ. ما بين ربحانٍ بها أو خسْرانِ.
فمن أراد أن يستثمر أوقاته بكفاءةٍ عالية، وأنَّ يحقِّق لنفسه فارقًا هائلًا في الإنجاز، فعليه بثلاثة أمور هامة،
أولها:احترامُ الوقت، وأن يكونَ جادًا في تنظيمه وتقسيمهِ، عازمًا في حُسنِ استثمارهِ والاستفادةِ منهُ.
وثانيها: أن يتعلَّمَ فنَّ إدارةِ الوقت، وأن يتعوَّدَ على تنظيم الوقت، وجدولةِ الأعمالِ، وترتيبِ المهام، فلكل أمرئٍ من دهره ما تعودا. ولكل جهدٍ منظم، مردودٌ مضاعف.
وثالثها: ضبطُ النفسِ والتحكّم بها: فبقليلٍ منْ التفكير والجدِّيةِ سيتمكنُ الانسانُ منْ توظيفِ الكثير من الأوقات المهدرةِ، والساعات الضائعة، فإن لم يكن كُلها فبعضها، كما أنَّ عليه أن يحذر من ثلاثة أمور:
أولها: الغفلة، فالغفلة هي أشدُّ ما يضرُ القلوب، الغافلُ يظنُّ أنه يقتلُ الوقت، والحقيقةُ أنَّه يقتلُ نفسه، وصدق الله:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.
وثانيها الكسل، فالكسلُ من أكبر مضيعات الوقت، ومن أشدِّ أعداءِ النَّجاح، والشاعرُ يقول: الفوزُ بالجِدِّ والحِرْمَان في الكَسَلِ. فانصبْ تُصِبْ عن قريبٍ غآية الأملِ، قد هياؤك لأمرٍ لو فطنت له، فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.
وثالثها: الانشغالُ بالتوافه ورفقةُ البطالين: فبقدر الانشغالِ بالأمور التافهةِ، يكونُ الانصرافُ عن الأمور الهامة والعظيمةِ، ومن باع الياقوت بالحصى فهو لا شك مغبونٌ خاسر، وعن المرء لا تسأل وسل عن قرينه، فالمرءُ على دين خليله.
اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
ألا فاستبقوا الخيرات يا عباد الله، فالحياةُ قصيرةٌ، والفرصُ محصورةٌ، والصوارفُ كثيرةٌ. والأيامُ تمرُّ سِراعًا، والأوقات تمضي تباعًا. والمرءُ حيثُ يجعلُ نفسهُ، فإنْ رفعها ارتفعتْ وسمت، وإنْ وضعها اتَّضَعتْ وسفلت، والعاقلُ من لا يرى لنفسه ثمنًا دونَ الجنةِ. ومن كانت له نفسٌ تواقةٌ، طارت به نحو المعالي. في الحديث القدسي:"وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ". فطُوبَى لمن استلهم الفكرة، وأخذَ العظةَ والعِبرَة، ثم عزمَ وحسمَ أمره، وتزودَ ليوم حشره ونشره.{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. و{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.
أقول ما تسمعون..
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى
اتقوا الله يا عباد الله: واعلموا أن الموفق حقًا من وهبَه اللهُ تعالى أُذُنًا تعي وتَسمَعُ، وَقَلبًا يَخشَى وَيَخشَعُ، وعقلًا يرتدِعُ ويُقلِع، ثم اعلموا أنَّ كلٌّ منَّا سيقفُ بين يدي ربه وحيدًا منفردًا، عاريًا حافيًا، يُختمُ على فيهِ، وتتكلمُ جوارحهُ، فالسعِيدُ الموفق من استعد لهذا اللقاء، والعَاجِزُ مَن أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني. اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
أيتها الأخت المباركة: اعلمي أنَّ المرأةَ المسلمةَ المستمسِكة بدينها وحجابها، تقفُ على ثغرٍ عظيمٍ من ثغورِ الإسلامِ، وهي بذلك مجاهدةٌ مأجورةٌ مشكورة. وأما من تساهلت بحجابها، فأبدت زينتها، وكشفت وجهها. فادعوها لتتأمل بإنصاف: فالله جلَّ وعلا يأمرُ المرأةَ المسلمةَ أن تجتهد قدر ما تستطيع في اخفاء زينتِها، ويأمُرها سبحانهُ بعدم الخضوعِ في القول لكي لا يُطمعَ بها، بل وينهاها عن مُجردِ الضربِ بقدمِها لكي لا يُسمعَ صوتُ مِشيتِها، والرسول الكريم ﷺ يأمرُها بأن تُطِيلَ لباسها شبرًا حتى لا يظهرَ شيءٌ من قدمها، ويشددُ عليها أن لا يشمَّ الرجالُ رائِحة عطرها، وإلا فهي كذا وكذا. فإذا ثبت كلُّ هذا بالأدلة الصحيحة الصريحة الواضحة، فما فائدةُ الأمرِ بإطالة الثوب، واخفاءِ الزينة، ورائحةِ الطيب، وصوتُ المشيةِ، ونعومة الصوت، إذا لم تُخفي أجملَ ما فيها، وأكثرَ ما يجذبُ الأنظارَ إليها وهو الوجه. والمسلم الموفق يستبرئ لدينه، ويدعُ الشبهات حذر المكروهات، فكيف بالمحرمات:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
أيها الموفقون المباركون رجالًا ونساءًا: بجميل الكلامِ تدومُ المودَّة، وبحُسن الخُلُق يَطيبُ العيش، وبلين الجانبِ تستقيمُ الأمور، و"لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم}. فإذا عدتم بفضل اللهِ لبيوتكم، فعودوا بقلوبٍ صافية، ونفوسٍ طيبة، صِلوا من قطعكم، وأعطوا من حرمكم، وأحسنوا إلى من أساءَ إليكم. فالعيد أعادكم الله: مناسبةٌ عظيمةٌ للتسامُح والتَّصافي، والتآلُفِ والتآخي. فليكن شعاركم: من الآنَ تصافينا. وننسى ما جَرى مِنّا. وهيَّا اخوتي هيَّا. لنرجِع مثلما كُنّا. فلا كانَ وَلا صارَ. وَلا قُلتُم وَلا قُلنا. فَقد قيلَ لَنا عَنكُم. كَمَا قيلَ لَكُم عَنّا. نسامحُكم من الأعماق. وأنتم فاصفَحوا عنَّا. ألا فاتقوا الله ربكم، وأصلِحوا ذاتَ بينكم، واهنأوا بعيدكم، وادعوا لإخوانكم المستضعفين والمضطهدين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على الحق والدين، وجنبهم الشرور والصراعات والفتن، ما ظهر..
اللهم آمنا في أوطاننا..
أيها الكرام: إنّما ثمرةُ الاستماعِ الانتفاع، ودليلُ الانتفاعِ الاتّباع، فكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
وكما بدأنا الكلام بحمد ربنا وشكره، فنختمُ بذكره مُسبحين، ولحسنُ بلائه شاكرين. وآخر دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد