بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: الإيمان بالملائكة أصل من أصول الاعتقاد، وهو الركن الثاني من أركان الإيمان، ولا يصح إيمان عبد حتى يقر به، فيؤمن بوجودهم، وبما ورد في الكتاب والسنة من صفاتهم وأفعالهم، إجمالًا في الإجمال، وتفصيلًا في التفصيل، وتعيينًا في التعيين، قال تعالى:﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾. وفي حديث جبريل المشهور، قال صلى الله عليه وسلم عندما سأله عن الإيمان:"الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره". رواه مسلم.
وأجمع المسلمون قاطبة على وجوب الإيمان بالملائكة، وقد حكم الله عز وجل بالكفر على من لم يؤمن بالملائكة، فقال تعالى:﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخر فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا﴾، ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾.
وقال بعض السخفاء: إن الملائكة بمنزلة الهواء والرياح، وهذا كذب وجنون؛ لأن الملائكة بنص القرآن والسنن وإجماع جميع من يقر بالملائكة من أهل الأديان المختلفة عقلًا متعبدون منهيون مأمورون، وليس كذلك الهواء والرياح، لكنها لا تعقل ولا هي متكلفة متعبدة؛ بل هي مسخرة مصرفة لا اختيار لها، كما قال تعالى:﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾.(الفصل لابن حزم ٣٦/ ١٩٦) بتصرف.
والملائكة: جمع ملك، وهو مشتق من الألوكة وهي: الرسالة، لأنه يبلغ عن الله تعالى، قال الطبري رحمه الله:*فسميت الملائكة ملائكة بالرسالة؛ لأنها رسل الله بينه وبين أنبيائه ومن أرسلت إليه من عباده* (تفسير الطبري١/ ٢٦١). فهم السفرة بين الله تعالى وبين رسله عليهم الصلاة والسلام.
والملائكة أجسام نورانية، أعطيت قدرة على التشكل والظهور بأشكال مختلفة بإذن الله تعالى.
الملائكة عالم غيبي، مخلوقون ليس لهم من صفات الربوبية والألوهية شيء، بل هم عباد الله منقادون لطاعة الله:﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. خلقهم الله من نور، مربوبون مسخرون، عباد مكرمون، لا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة، لا يأكلون ولا يشربون، ولا يملون ولايتعبون، ولايتناكحون، ولا يعلم عددهم إلا الله. قال تعالى:﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدَا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُون* لا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُون* يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُون*وَمَنْ يِقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نُجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِين﴾. فليسوا إناثًا ولا شركاء مع الله ولا أندادا له تعالى الله عما يقول الملحدون علوا كبيرًا.
والملائكة خلقهم عظيم، ونبأهم عجيب، جند من جنود الله تعالى، قادرون على التمثل، والتشكل حسبما تقتضيها الحالات التي يإذن بها الله، فقد جعل سبحانه للملائكة أجنحة يتفاوتون في أعدادها فقال:
﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام له ستمائة جناح قد سد الأفق، وقد يتحول المَلَكُ بقدرة الله تعالى إلى هيئة رجل، حين أرسله الله إلى مريم فتمثل لها بشرًا سويًا والملائكة الذين أرسلهم الله تعالى إلى إبراهيم ولوط عليهما السلام كانوا على صورة رجال، وجاء جبريل في صورة دحية الكلبي، وفي صورة رجل لايرى عليه أثر السفر جاء يعلم الصحابة أمر دينهم.
هؤلاء الملائكة البررة لهم أعمال سامية ووظائف يقومون بها، فجبريل الروح الأمين الموكل بالوحي، وميكائيل الموكل بالمطر، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، وملك الموت الموكل بقبض الأرواح، ومالك خازن النار، ومنهم الكرام الكاتبون الموكلون بحفظ عمل العباد، ومنهم المعقِّبات وهم الموكلون بحفظ العبد في جميع حالاته، ومنهم خَزَنة الجنة، وخزنة النار، ومنهم ملائكة سيارة يتبعون مجالس الذكر، ومنهم الموكل بالجبال، ومنهم ملائكة صُفوف لا يفترون، وقيامٌ لله لا يتعبون، وما يعلم جنود ربك إلا هو سبحانه،﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾.
والإيمان بالملائكة يثمر ثمرات جليلة في حياة المؤمنين فمنها:
العلم بعظمة الله تعالى، وقوته، وسلطانه، فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق فيزداد المؤمن تعظيمًا لله وتوقيرًا، ومعرفتهم تورث العباد شكر الله تعالى على لطيف عنايته ببني آدم، حيث وكل ملائكة يقومون بحفظهم، وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم.
ومنها: محبة الملائكة وموالاتهم لما قاموا به من عبادة الله تعالى.
ومن الثمرات، الاستقامة على طاعة الله تعالى، ودوام المراقبة، فمن آمن بأن الملائكة تكتب أعماله كلها؛ فإن هذا يوجب خوفه من الله تعالى، فلا يعصيه، لا في السر ولا العلانية.
والشعور بالأنس والطمأنينة عندما يوقن المؤمن أن معه في هذا الكون الفسيح مئات الألوف من الملائكة تقوم بطاعة الله وتسبيحه على أحسن حال وأكمل شأن.
والتخلق بأخلاقهم الطاهرة وأفعالهم الكريمة، فقد جبلهم الله على الحياء يقول صلى الله عليه وسلم عن عثمان رضي الله عنه:"ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة"، والتعلم على الأدب مع الله تعالى، والنظام في الحياة؛ فالملائكة صفوفهم عند ربهم منتظمة ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال:"ألا تَصُفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربها؟ قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يُتمُّون الصف الأول، ويتراصُّون في الصف".
والإيمان بالملائكة ينمي الحرص على النظافة، وعدم الاتيان للمساجد بروائح كريهة فإن الملائكة يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم.
والانتباه إلى أن هذه الدنيا فانية لا تدوم حين يتذكر العبد ملك الموت المأمور بقبض الأرواح حين يتوفاها الله، ويتذكر ملكي القبر، ومن ثم يحرص على الاستعداد لليوم الآخر بالإيمان والعمل الصالح.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
اتقوا الله عباد الله حق التقوى، واجتهدوا في طاعة ربكم وآمنوا بملائكته الكرام، وتذكروا أن منهم عبادًا يحفظون عليكم أفعالكم وأقوالكم ويكتبونها في صحائف أعمالكم التي ستُعْطَونها يوم القيامة، قال تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُورًا *وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ *فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد