الصداقة وعلاقتها بنجاح الزواج وديمومة الحبّ


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

في الدراسة الشهيرة التي أجراها سيمون شال وفريقها البحثيّ، وُجد أنّ الرفقة الطيّبة تهوّن علينا مصاعب الحياة لا من جهة معنوية فحسب ولكن من جهة إدراكية وحسّية أيضًا!

والتفاصيل الإجرائية للدراسة لطيفة للغاية، إذ طُلب من المشاركين الوقوف في أسفل مُنحدَر شديد المَيلان، وأن يتأهّب كل شخص كما لو أنّه سيصعد هذا السطح المائل، ولإضافة المزيد من الصعوبة، أضاف الباحثون شرطًا، أن يحمل المشاركون على ظهورهم حِملًا مثل حقيبة توزن ما مقداره 20% من وزن الشخص المشارك.

المدهش أنّ الأشخاص الذين كانوا يقفون إلى جانب أصدقائهم في أسفل التلّة، شعروا أنّ المنحدر الذي هم على وشك صعوده أقلّ صعوبة وأقلّ مَيلانًا مُقارنة بأولئك الذين وقفوا لوحدهم أو بجانب أشخاص لا يعرفونهم.

بل وجدت الدراسة أيضًا أنّه كلّما كانت الصداقة أقدم وكلّما كانت العلاقة أعمق، كُلّما شعر الإنسان أنّ المهمّة أقل صعوبة وأنّ الوزن الذي يحمله على ظهره أخفّ.

أيّ أنّ الحياة تبدو لنا أقل صعوبة، ويقلّ عبء الأحمال على ظهورنا لمُجرّد وقوفنا بجانب أصدقائنا ولُمجرّد رغبتنا بمواجهة هذه الحياة جنبًا إلى جنب معهم.

وكأنّ الدراسة تجسيد تجريبي لقول المُتنبّي:

وما انسدّت عليّ الدُّنيا لضيقها

ولكنّ طَرفًا لا أراكِ به.. أعمى

 -لماذا تفشل الزيجات في عالَم اليوم؟

في الآونة الأخيرة كنتُ قد طالعت عدد من الأطروحات حول ظاهرة فشل الزيجات في العالَم، وكثرة الانفصال وتصاعد نسب الطلاق خلال فترة قصيرة عقب الزواج، ومن بين أسباب عديدة تتعلّق بتغيّر مفهوم الزواج في العالَم المُعاصر لفتني عدد من الملاحظات النوعية التي أشار لها الباحثون، أذكرها سريعًا:

أولًا، كان الزواج في الماضي بداية لرحلة وجودية، بداية لمعركة مفتوحة على الحياة، يخوضها كلا الطرفين بكامل مخاوفهما وضعفهما، أمّا اليوم، ثمّة انزياح لأنّ يكون الزواج اليوم تتويج لنهاية القصّة، وإيذان بنهاية رحلة تحقيق الذات لكلّ من الطرفين.

ثانيًا، يبدو أنّ تداخل الأدوار الجندرية، وعدم وضوحها وتمايزها، جعل الأزواج في مأزق مباشر مع قدراتهم التواصلية والتفاوضية أكثر من ذي قبل، والقصد أنّ تداخل مسؤوليات الزوجين زاد من مساحات الاصطدام مع الآخر حول ما ينبغي أن يكون وما لا ينبغي أن يكون، بدل تقسيمة حادة شديدة الوضوح حول مسوؤلية كل طرف، كانت بالسابق تُناط فيها الأمور التربوية والتدبير المنزلي فيها للمرأة، وتُحال مسألة الحماية وتوفير الغذاء والدخل للرجل.

ثالثًا، العلاقة الزوجية تتطلّب قدرًا من التضحية بالذات أو إن صحّ التعبير: نسيان الذات في بعض المواطن والأزمان، وذلك لصالح تقديم الآخر أو رعاية الأطفال، وهو ما يُناقض حمولة خطابية كثيفة يتعرّض لها الفرد المعاصر، من ضرورة توكيد الذات وحبّ الذات وأنّ أي محاولة لإنكار الذات ما هي إلّا محاولة لسلب قدرتك على أن تكون إنسانًا، ولذلك باتَ من الشائع أن تشعر الأمّهات بذنب الأمومة Mommy Guilt وأحد أهم الفرضيات لتنامي هذا الشعور: التصادم الوجداني بين الإنجاب ومسؤولياته وبين مَساعي تحقيق الذات.

من الّلافت في هذا السياق أنّ المُحلّل النفسي إريك فروم في مداخلته وورقته الشهيرة:Selfishness and Self-Love أشار لفكرة ذكية أنّ (الأنانيون غير قادرين على منح الحبّ) من خلال التنبيه إلى أنّ الخطاب المعاصر اليوم يقوم على (تكريس الأنانية) وليس حُبّ الذات، أمّا حُبّ الذات فأعلى مظاهره القدرة على منح الحب وإنكار الذات بكلّ عفوية وتلقائية بلا شكوك وبلا خوف من فقدان الذات أو تلاشيها.

لكن ما علاقة الزواج بالصداقة؟

أنّ فشل الزواج اليوم، يكاد يكون في جوهره فشل النّاس في أن يكونوا أصدقاء جيّدين، فشل الإنسان بأن يكون شخصًا حَسَن العشرة، فشل الفرد بأن يكونَ كيانًا قابلًا للمُعايشة عن قُرب.

لذلك ليس من قبيل الصدفة أن تربط دراسات عديدة أخرى في علم النفس الاجتماعي بين حُسن علاقات الفرد مع أصدقائه وبين رضاه عن حياته ونجاح زواجه.

يسأل النّاس على الدوام: ما هي مواصفات الشخص الذي أريد الارتباط به؟

لكن لا أحد يسأل نفسه: ماذا سيكسب الآخر بزواجه منّي؟ ما الذي بإمكاني أن أمنحه للآخر؟ وما الذي بإمكانه أن يُؤذيه وأحتاج للتخلّص منه؟

جوهر الإشكال ذوقي وأساسه تربويّ وغياب التربية على حُسن العشرة، ولنا في النبي أسوة وهو الذي كان طيّب العشرة، يُكرِم زوجاته ويُحسنُ لهن ويعمل في حاجة أهله وقيل في "مهنة" أهله لا في شؤونه الخاصّة ولا في احتياجاته الشخصية فحسب.

وقد قال سعيد بن العاص فيما يورده ابن أبي الدنيا في (مكارم الأخلاق):

إنّ المكارم لو كانت سهلة يسيرة، لسابقكم إليها الّلئام، ولكنّها كريهة مُرّة، لا يصبرُ عليها إلا مَن عرف فضلها!

وأبلغ ما قرأت لإيجاز هذا كُلّه، قول ابن الجوزيّ في صيد الخاطر:

دَوامُ الوُدّ.. بحسن الائتلاف.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply