المخدرات أسبابها وآثارها وعلاجها


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

اتقوا الله عباد الله،{فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}،{وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. معاشر المؤمنين الكرام: لقد كرّمَ اللهُ الإنسانَ إيما تكريم، وفضلهُ على كثيرٍ ممن خلقَ تفضيلًا، وميزهُ بالعقل، فبه يرقى ويتعلَّم، وبه يتبينُ ويفهم، وبه يميّز بين الخير والشرّ، والنافع والضّارّ، والصالح والطالح.. فإذا أزال الإنسانُ عقله ضلَّ وغوى، وانحطَّ إلى اسفل الدركاتِ وهوى، يقول الحقُّ جلَّ وعلا عن أمثال هؤلاء:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}.. فما الإنسانُ بعد زوال عقلهِ إلا مجنونٌ صائل، أو أحمقٌ جاهل، ينحطُ إلى درَكات الذلِّ والهوان، وينحدرُ إلى درجةٍ أقل من الحيوان.. فمن أجل حُقنةِ مخدرٍ تعمى بصيرته، وينسلخُ من إنسانية، وتُظلمُ نفسه، ويتحولُ إلى شيطانٍ في صورة انسان، لا يردعه دينٌ ولا عقلٌ ولا ضمير، يمزقُ عرضهُ ورجولته، ويخسرُ مالهُ وصحته، ويجني على نفسه وأسرته، ويخسرُ دنياه وآخرته، ذلك هو الخسران المبين... ففي صحيح مسلم، قال :"كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ خمرٍ حرامٌ"، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، قال، قال رسول الله :"ما أسكرَ كثيرُهُ فقليلُهُ حرامٌ"، وعن أم سلمة رضي الله عنه قالت: نَهى رسولُ اللهِ عن كلِّ مُسكِرٍ ومفتِّر، وعن جابر رضي الله عنه أنَّ النبي قال:"كلُّ مسكرٍ حرام، إنّ على الله عزّ وجلّ عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيَه من طينةِ الخبال"، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال: "عرقُ أهل النار أو عصارة أهل النار"، والحديث في مسلم، وفي الحديث الصحيح أنّ النبيّ قال:"مُدمن الخمر إن مات لقِيَ الله كعابدِ وثنٍ".. وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسولَ الله يقولُ:"أتاني جِبريلُ، فقال: يا محمدُ، إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لعَنَ الخَمرَ، وعاصِرَها، ومُعتَصِرَها، وشارِبَها، وحامِلَها، والمَحمولَةَ إليه، وبائِعَها، ومُبتاعَها، وساقيَها، ومُستَقيَها".. والله جل وعلا يقول عن نبيه الكريم :{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}..

ولاشك يا عبادَ الله، أنَّ المخدّرات بأنواعها أشرُّ من الخمر وأضرُّ، وأخبث وأخطر، لأنها تشارك الخمرَ في الإسكار، وتزيد عليه في كثرة الأضرار، وقد أجمعَ الناس قاطبةً على فداحة ضررها، وشدَّةِ خطرها، وأنها مُشكلة حقيقية تهدد الوجود البشري كله، فتنادوا جميعًا لحربها والقضاء عليها.. وقال العالمون بواقع الحال:إنّها أشدُّ فتكًًا، وأعظمُ تدميرًا من الحروب والأمراض.. وأنها تسبب تَلَفًا مباشرًا في خلايا المخ، وخللًا في العقل، وضَعْف في الإدراك والتركيز، كما أنها تسبب الهلوسة وكوابيس اليقظة، والكآبة والتوتُّر العصبي، وصُعُوبة النوم، والقلق والانعزال، وفقد التحكم في النفس، وكثيرا ما ينتهي الأمر بالمدمن إلى الموت أو الجنون..

ولا شك أنَّ بلادنا مستهدفةٌ أكثر من غيرها، وأن أعداءِ الملةِ والدين يكيدون الليل والنهار، لتدميرِ مجتمعنا، واتلافِ مقوماتِه ومقدراته.. ولا شك أن اقوى أسلحتهم وأشدها فتكًا وتدميرًا، هي المخدرات.. ولذلك فقد تفننوا في تصنيعها، واستماتوا في إيصالها إلينا بشتى الصور والأساليب، وكل من اطلع على وقائع هذه المؤامرة الدولية، يُدرك مدى خطرِها وخِستها، وشدة فتكها وقساوتها، وكثرة ضحاياها وشراستها.. وأنها حربٌ حقيقية وإن لم يستعمل فيها دباباتٌ ولا طائرات، ولا صواريخٌ ولا مدرعات، لكنها بلا مبالغة هي الحرب الأخطرُ والأفتكُ والأشرس.. ومع ذلك فإنها أَسْهَلُ الطرق لِإِفْسَادِ المُجتَمَعَاتِ، وتدمير صحتها، وَإِضْعَافِ اقتِصَادِها، وسلب مقدراتها، وَأَقوَى الوسائل لإفساد العُقُولِ والسيطرة عليها، وتحويل الأفراد إلى أشباحٍ فتاكة، ووحوشٍ ضارية، ينشرون الرعب والفساد في بيوتهم الأمنة، وينخرون بنيان مُجتَمَعِهم من داخله.. حقًا ألا لعنة الله على المخدرات ومروجيها، فكم مزَّقت من صِلات، وكم قطعت من علاقات، وكم هتكت من أعراض ومحرمات، وكم افسدت من أخلاق وسلوكيات، وكم شتَّتت من أسرٍ وجماعات، وكم أشعلت من أحقادًا وعداوات، وجرائم قتلٍ وسرقات.. وكم أرهقت كاهل الأمة بما تجلبه عليها من مآسيٍ ونكبات، وبما يُهدرُ في سبيل مكافحتها من أموالٍ طائلة ونفقات، وجهودٍ ضخمة وامكانيات.. كَمْ مِنْ شَابٍ ذو إمكانيات عالية، قَضَتْ هَذِهِ السُّمُومُ عَلَى آمَالِهِ وَطُمُوحَاتِهِ! ودمرت دنياه وآخرته، ورمت به في أودية الضياع والهلاك.. ولا يخفى على أحدٍ، أنَّ كلَّ من يقعُ أسيرًا في أوحالِ المخدرات فلن يكونَ في حِسه شيءٌ أهمَّ من الحصول عليها، ولو ارتكبَ في سبيلها كلَّ حرام، أو ضحى من أجلها بعرضه وأخلاقهِ ومبادئه.. ويظل ينحدرُ في هذا المسلك الوعر، إلى أن تتدنى صحته، ويضعف عقله، ويفقدَ كل مقوماته، ويخسر كل مكتسباته، ويمسي عالةً على أسرته ومجتمعه، يسيرُ بقدميه نحو الهاوية، ويلقي بنفسه إلى التهلكة..حمى الله مجتمعاتنا من كل شرٍّ وبلاء..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله لرحمن الرحيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}..  

اتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم...

معاشر المؤمنين الكرام: إذا كان الشاب يعاني من بعضَ المشاكل في محيط أسرته أو بيئته.. فإنه عادةً ما يبحث عمن يُصغي له ويستمعُ إلى شكواه، ويكونُ معه حين يهربُ من واقعه.. فإذا كان هؤلاء هم رفاق السوء، ومدمني المخدرات وتجارها؛ فما أتعسَ حظه، وما أخطر مصيره، فريما زينوا له تعاطيها وزعموا له كذبًا إنها الحل، وأنها تَجلب السعادة وتبعدُ الأحزان، وتُعين على المذاكرة والتركيز.. وربما كان الشاب يعاني من طول الفراغ والبطالة؛ فيميل إلى الهروب من هذا الواقع المؤلم، ومع ضعف الوازع الديني، وقِلَّة المعرفة بأمور الدين، يصبح صيدًا سهلًا لهم.. كما أن من أكبر أسباب الوقوع في براثن هذه الآفة المهلكة انشغال ولي الأمر عن أبنائه، وتركهم بلا رقابة ولا متابعة، وعدم توجيههم التوجيه السليم.. وربما كانت القسوة في التربية دافعًا للبعض للبحث عن البديل، وما أسوأهم من بديل..

أما مظاهر التعاطي فبينةٌ لا تخفى، منها فَقْدُ الشهيَّة للطعام وكثرة النوم، وسرعةُ الانفعال وكثرة التغيُّب عن المنزل، والهروب من العمل والمدرسة، وانخفاض مستوى الإنتاج، والتقصير في الواجبات الشرعية والعلاقات الاسرية، وكثرة طلب المال والتحايل على الحصول عليه بأية طريقة، وتدني صحة المتعاطي، ونقص الوزن وارتعاش الأصابع وعدم الاتزان في المشي، والتلعثم أثناء الكلام وعدم التركيز وتشتت التفكير، وغيرها من الأعراض التي لا تخفى على متأمل..

ألا وإنَّ غرسَ الإيمانِ ومراقبة الله جلَّ وعلا في نفوس النشءِ هو أساسُ الصلاح، وبلسمُ الوقاية من كل فسادٍ وشرٍّ..

التربية الإيمانية هي بإذن الله أكبر ضمانةٍ من الوقوع في براثن المخدرات أو غيرها، فالحق جل وعلا يقول؛{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.. إذا علم هذا فيجب على كل فردٍ مسلم، أيًا كان مكانه ومكانته، أنَّ يُساهم بما يستطيع في تعميق روح الإيمان والمراقبة، وتقوية الاستجابة لأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، والبعدِ عن مواطن الريبةِ ومسالك السوء، فالسلامةُ لا يعدلها شيء، وأن يأخذَ المسلمُ نفسهُ بالآداب الإسلاميةِ الفاضلة، ويُزكي نفسهُ ويُحلِّيها بالأخلاق الحسنة، وأن يختار الصحبة الصالحة، فالصاحبُ ساحب، والمرءُ على دين خليله، وأن يُكثرَ من الصدقة والدعاء، فصنائعُ المعروفِ تَقِي مصارعَ السوءِ والآفاتِ والهلكاتِ.. والحقُّ جلَّ وعلا يقول:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}..

ثم اعلموا يا عباد الله: أن أي مجهودٍ يبذله المسلمُ في مكافحة هذا البلاء المستطير هو نوعٌ من الجهاد في سبيل الله، وتعاونٌ على البر والتقوى وأمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، وعملٌ مشكور يثابُ عليه المسلمُ إن أحسن النية والقصد.. أما وقد سهلت الدولة وفقها الله، وسائل التواصل، ورصدت الجوائز، وغلظت العقوبات، وسرَّعت الإجراءات.. فلا يتوانى الغيورون على مصلحة مجتمعهم عن التعاون والتبليغ عن المروجين والمتعاطين، فما لم يتعاون الجميع فلن يُقضى على هذا الخطر العظيم.. وصدق الله:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply