تحذير الإنسان من عداوة الشيطان


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مقترح خطبة الجمعة الثالثة من شهر شوال ودروس هذا الأسبوع ودروس النساء:

1- قصة وحقيقة عداوة الشيطان.

2- مداخل وأسلحة الشيطان.

3- سُبُل الوقاية من الشيطان.

الهدف من الخطبة: التذكير بعداوة الشيطان للإنسان، وبيان شدة وخطورة هذه العداوة، وبيان مداخله وأسلحته التي يحارب بها، وسُبُل الوقاية منه.

مقدمة ومدخل للموضوع:

أيها المسلمون عباد الله، لقاؤنا اليوم بإذن الله تعالى إرشادات وعلامات تحذيرية من عدو خطير، وعدو لدود لا يعلم مدى خطورته إلا الله تعالى.

لو اجتمعت البشرية جمعاء بمفردهم ليغلبوه ما استطاعوا إلا بإذن الله جل في علاه.

لا تؤثر فيه قنابل ذرية ولا أسلحة نووية؛ بل لو جمعت أسلحة العالم الحديثة، الثقيلة منها والخفيفة، ثم رميته بها ما غلبته.

إنه عدو البشرية ومُهلك الإنسانية إنه إبليس عليه اللعنات من ربِّ البريَّةِ.

الشيطان، إبليس، الوسواس، الخناس، الملعون، الرجيم، المطرود من رحمة الله تعالى، الداعي إلى الضلال، الداعي إلى الجحيم.

ذلكم العدو الخطير الذي نصب عداوته لجميع جنس الإنسان.

فهو يتربص بالإنسان ليل نهار، في السفر والحضر، في السر والعلن، في الصحة والمرض، في الصغر والكبر، في الغنى والفقر، في المنشط والمكره ؛ هذا إذا كان الإنسان غافلا عن ذكر ربه سبحانه وتعالى.

وترجع خطورته أننا لا نراه بأعيننا ومع ذلك فهو يرانا.

قال الله تعالى:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}.

وسلاحه الذي يحارب به من أخطر الأسلحة وأفتكها وهو سلاح الوسوسة والتزيين؛ ومع ذلك فهو ضعيف أمام أهل الإيمان والطاعات والذكر.

قال الله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.

قال ابن الجوزي رحمه الله: سمَّى الله الإنسان ضعيفا، وقال عن كيد الشيطان:{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}؛والضعيفان إذا اقتتلا ولم يكن لواحد منهما معين لم يظفر بصاحبه؛ فأمر الله الإنسان الضعيف أن يستعين بالرب اللطيف من كيد الشيطان الضعيف؛ ليعصمه منه ويعينه عليه .

وبدأت قصة العداوة عندما خلق الله تعالى آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود له.

قال الله تعالى:{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.

فماذا كانت النتيجة حيال هذا الأمر من الله تعالى.؟

استجابة الملائكة كلهم إلا صنف واحد:{فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.

فأخرجه الله تعالى من جنته وطرده من رحمته ولعنه إلى قيام الساعة.

قال الله تعالى:{قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} .

وقال تعالى:{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إلى يَوْمِ الدِّينِ}.

وأمر الله تعالى آدم عليه السلام وزوجه أن يسكُنا الجنة ولا يأكلا من الشجرة.

كما قال تعالى:{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}.

فاستشاط الشيطان غضبًا ومن هنا بدأت العداوة، وبدأ بهما فأخرجهما من الجنة .فجاء إليهما وتقمص دور الناصح الأمين وأقسم لهما أنه من الناصحين.

قال تعالى:{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}.

ثم بدأت العداوة، وبدأ الصراع مع هذا العدو الخبيث الذي أقسم بعزة الله وأخذ عهدًا على نفسه بأن يوقع كل بني آدم في الخطايا، وأن يحرمهم من دخول الجنة كا حُرِمَ هو من دخولها.

قال الله تعالى:{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـاكِرِينَ}.

وبدأ الصراع بين الحق والباطل، والضلال والهدى، وبدأ يتربص بالعبد ليل نهار، لا يغفل ولا ينام، في كل وقت وحين .منذ ولادته؛ بل وهو في صلب أبيه، ولذلك أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التدابير الوقائية.

فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا". وفي راوية:"لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ". وقد قال الله تعالى للشيطان:{وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ..}.

ذكر العلماء: أن معنى المشاركة في الأموال والأولاد أن يُعاشر مع الرجل إذا أتى أهله ولم يذكر الله. وعند ولادته أيضًا.

ففي الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا". ولذلك جاء الإرشاد النبوي: بالأذان في إذن المولود.

فإذا وصل إلى سن التكليف الشرعي كلف أحد أقرانه لكي يكون معه قرينًا لا يفارقه؛ إلا عندما يكون في طاعة لله تعالى، أو دوام ذكر لله عز وجل .ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندي ليلًا، فغِرْتُ عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال:"ما لك يا عائشة؟!"، قلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟! فقال:"أقد جاءك شيطانك؟!"، قلت: يا رسول الله: أَوَمعي شيطان؟! قال:"نعم"، قلت: ومع كل إنسان؟! قال: "نعم"، قلت: ومعك يا رسول الله؟! قال:"نعم، ولكنّ ربي أعانني عليه حتى أسلَمَ".

وفي رواية:"ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينُهُ من الجن وقرينُهُ من الملائكة".

وفي الحديث الصحيح:"إن الشيطان قال: وعزّتك وجلالك، لا أبرحُ أُغوي عبادَك ما دامت أرواحُهم في أجسادِهم، فقال الرب جلّ جلاله: وعزَّتي وجلالي لا أزالُ أغفرُ لهم ما استغفَرُوني".

وروى أحمد عن سَبْرةَ بنِ أبي فاكِه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إنَّ الشيطانَ قعد لابن آدم بأطرقه؛ فقعد له بطريق الإسلام فقال له: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟ قال: فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطور، قال فعصاه فهاجر، قال: ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال له: هو جَهْد النفس والمال فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويُقسم المال، قال: فعصاه فجاهد" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقًا على الله أن يدخله الجنة".

وعند الطعام لا يفارقه إلا إذا ذكر الله عز وجل.

عن جابرٍ رضي الله عنه قال: أَن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِن الشَّيْطَانَ يَحضرُ أَحدَكُم عِند كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِندَ طعَامِهِ، فَإِذا سَقَطَتْ لُقْمةُ أَحَدِكم فَليَأْخذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كانَ بِهَا مِن أَذى، ثُمَّ ليَأْكُلْهَا وَلاَ يَدَعها للشَّيْطَانِ، فإذا فَرغَ فَلْيلْعَقْ أَصابِعِهُ فإِنَّه لاَ يَدْرِي في أَيِّ طعامِهِ تكون البرَكَةُ" وفي راوية:‏"إنَّ الشَّيْطانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعامَ الذى لا يُذْكَرَ اسْمُ اللّه عَلَيْه". بل حتى عند النوم لا يفارقه إذا غفل عن ذكر الله عز وجل.

في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإلَّا أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ".

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ". وهو يجري من الإنسان مجرى الدم.كما في الحديث الصحيح:"إنَّ الشَّيطانَ يَجري مِن ابنِ آدمَ مَجرى الدَّمِ". ويبث سراياه كل يوم لإضلال العباد.

فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِذَا أَصْبَحَ إِبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ فَيَقُولُ: مَنْ أَضَلَّ الْيَوْمَ مُسْلِمًا أَلْبَسْتُهُ التَّاجَ... "الحديث[رواه ابن حبان، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة].

وتستمر عداوته لبني آدم حتى وهو في سكرات الموت.

وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء:"وَأَعُوذُ بِكَ إِنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ"[رواه النسائي]. ولقد حذرنا الله تعالى من عداوته وفتنته في مواطن كثيرة من القرآن الكريم.كما قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}. وقال تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.

وقال تعالى:{ألَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَـانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِى هَـذَا صِراطٌ مُّسْتَقِيمٌ}. وضرب لنا الأمثلة للأمم السابقة وكيف أنه أضلهم وأغواهم وزيَّن لهم أعمالهم فانحرفوا عن أمر الله تعالى.

كما قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وحذرنا من اتباع خطواته.

كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}

وبيَّن لنا أسلحته ومداخله التي يدخل بها على قلب العبد، ومن طرق إضلاله وإغوائه، وبيَّن لنا سُبُلَ الوقاية والتحصين منه؛ وهذا ما سنتعرف عليه في وقفتنا الثانية بإذن الله تعالى.

نسأل الله العظيم أن يعصمنا ويحفظنا من الشيطان الرجيم.

 

الخطبة الثانية: مداخل وأسلحة الشيطان.

1- الدعوة إلى الكفر والارتداد عن الدين وعبادة غير الله تعالى.

قال الله تعالى:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ}.

2- الدعوة إلى ترك شرع الله تعالى.

فمن بدل شرع الله المنزل فقد اختار شرع الطاغوت.قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}.

3- تزيين الأعمال الفاسدة والمحرمة.

قال الله تعالى:{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ}.

وقال تعالى:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ}.

وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}.

قال الشيخ أبوبكر الجزائري رحمه الله:سوَّل لهم؛ أي زيَّن له ذلك الارتداد، وأملى لهم؛ أي وَاعدهم ممنيا لهم بطول العمر والبقاء الطويل في الحياة، والعيش الطيب الواسع فيها، فهذا الذي جعل أهل الذنوب والمعاصي أسرى لذنوبهم. وكانت البداية هي تزيين الشجرة كما مرَّ معنا.

قال تعالى:{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ}،فهو يزين فقط ولا يمسك بك لكي تقع في المعصية.

يعني ما يضع في جيبك علبة السجائر، أو في هاتفك المقاطع المحرمة؛ وإنما يزين لك هذه المحرمات حتى تقع فيها؛ ولذلك يقوم خطيبًا يوم القيامة ويتبرأ ممن أغواهم وأضلهم.

كما قال الله تعالى:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

4- ومن مداخل وأسلحة الشيطان: سلاح التلبيس.

بأن يوقعه في المحرمات على أنها حلال، والخبائث على أنها من الطيبات، ويثبطه عن الواجبات على أنها مجرد مستحبات، وهكذا.

5- ومن مداخل وأسلحة الشيطان: العمل على إفساد العبادة.

ففي الصلاة مثلًا:

يحرص أولًا أن يصدك عنها ويمنعك منها بالكلية.

كما قال تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}.

وفي الصحيحين عَنْ ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إلى الصَّلاَةِ، فَقَالَ:"ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ".

وما حديث العقد الثلاث عنا ببعيد.

فإذا وجد منك عزمًا فيحرص على التشكيك في الطهارة.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ فِي صَلَاتِهِ، فَيَنْفُخُ فِي مَقْعَدَتِهِ فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ، وَلَمْ يُحْدِثْ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا". [رواه الْبَزَّارُ.] وفي رواية:"إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: إِنَّكَ أَحْدَثْتَ، فَلْيَقُلْ: كَذَبْتَ". وَفي رواية:"فَلْيَقُلْ فِي نَفْسِهِ".

ثم يحرص على قطع الصلاة وإفسادها.

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا كانَ أحَدُكُمْ يُصَلِّي فلا يَدَعْ أحَدًا يَمُرُّ بيْنَ يَدَيْهِ، فإنْ أبَى فَلْيُقاتِلْهُ، فإنَّ معهُ القَرِينَ".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ".[رواه الحاكم]. فإذا فشلت المحاولة فإنه يلجأ إلى التلبيس عليك وذلك بالتشكيك في عدد الركعات.

ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَّسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وجَدَ ذلكَ أحَدُكُمْ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وهو جَالِسٌ".ولذلك شرع لنا سجود السهو.

كما في صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى تَمَامًا؛ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ". ثم يبدأ بالتشويش عليك في الصلاة، يذكرك بأشياء وأنت في الصلاة ،فإذا باءت كل المحاولات بالفشل يحاول ولو أن يختلس من صلاتك ولو شيئا يسيرا.

ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ:"هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ".

6- ومن مداخل وأسلحة الشيطان: التحريش بين الناس.

قال الله تعالى:{مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.

وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ إِبْلِيسَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُم".

وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ". قَالَ الأَعْمَشُ رحمه الله: أُرَاهُ قَالَ:"فَيَلْتَزِمُهُ".

7- ومن مداخل وأسلحة الشيطان: سلاح التخويف.

قال الله تعالى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}.

وقال تعالى:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}.

8- ومن مداخل وأسلحة الشيطان: النسيان.

قال الله تعالى:{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إلى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا}.

وقال تعالى:{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}.

الوقفة الثالثة والأخيرة:مع بيان سُبُل الوقاية من الشيطان.

فقد أرشدنا الله تعالى إلى ما يعصمنا من مكائد الشيطان ووساوسه.

1- ومن أهم ذلك: توحيد الله تعالى والتوكّل عليه والانقطاع إليه وإخلاص العبادة له.

قال الله تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.

وقال تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـانٌِ إلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}.

وقال تعالى عن إبليس الرجيم:{قال فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ}.

وعباد الله المخلصين هم الذين أخلصوا دينهم وعبادتهم لله وحده لا شريك الله.

2- ومما يحفظك من كيد الشيطان ووساوسه: التعوّذ بالله من شرّه.

قال تعالى:}وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَاِن نَزْغٌ فَاْستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ.{

3- ومما يحفظك من كيد الشيطان ووساوسه: تلاوة القرآن وسماعه.

وكلّما أكثر العبد من التلاوة حصّن نفسه من الشيطان الرجيم.

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من قرأ آية الكرسي كل ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح".

وقال صلى الله عليه وسلم:"من قرأ خواتم سورة البقرة في ليلة كَفَتَاه". وفي رواية:"لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام".

ومن ذلكم قراءة سورة البقرة في المنزل، فإنها تطرد عدو الله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:"لكل شيء سَنَام، وإن سَنَام القرآن سورة البقرة، وإن الشيطان يفرّ من البيت الذي يُسمَع فيه سورة البقرة".

4- ومما يحفظك من كيدَ الشيطان ووساوسه: مداومة ذكر الله عز وجل.

ففي الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ، إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ".

وجاء في الحديث:"إنَّ اللهَ أوحَى إلى يحيَى بنِ زكريَّا بخمسِ كلماتٍ أن يعملَ بهنَّ ويأمرَ بني إسرائيل أن يعملوا بهنَّ" فذكر منها:"وأمركم بذكرِ اللهِ كثيرًا ومَثلُ ذلك كمثلِ رجلٍ طلبه العدوُّ سِراعًا في أثرِه حتَّى أتَى حصنًا حصينًا فأحرز نفسَه فيه، وكذلك العبدُ لا ينجو من الشَّيطانِ إلَّا بذكرِ اللهِ".

5- ومما يحفظك من كيد الشيطان: الذكر عند دخول المنزل وعند الطعام والشراب، وعند كل أمر ذي بال.

ففي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ".

نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عباده المخلصين، وأن يعصمنا من الشيطان الرجيم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

ملحوظة:

      1-الموضوع قابل للزيادة والتعديل بحسب وقت الخطبة أو الدرس.

      2-إن لم تكن خطيبًا أو واعظًا فتستطيع بإذن الله تعالى أن تكون كذلك:

-            إما بقراءة المادة الوعظية على غيرك (أسرتك... أقرانك... زملاءك...).

            - وإما بنشرها، وما يدريك لعل الخير يكون على يديك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply