أليس الله بكاف عبده


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، الحمد لله كتب على نفسه البقاء، وكتب على خلقه الفناء،وقدر ما كان قبل ان يكون في اللوح والقلم، وخلق آدم وجعل من نسله العرب والعجم،جعل الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء " بل تؤثرون الحياة الدنيا والاخرة خير وابقي " الضحى .

 الحمد لله قامت بربها الأشياء، وسبحت بحمده الأرض والسماء، ولا زال الكون محكوما بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فما من شيء الا هو خالقه ولا من رزق الا هو رازقه، ولا من خير إلا هو سائقه، ولا من أمر إلا هو مدبره " يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيات لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ "(الرعد:2)

الحمد لله القاهر فوق عباده فلا يمانع، الأمر بما يشاء فلا يراجع، الحاكم بما يريد فلا يدافع، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ونشهد ان سيدنا محمد عبد الله ورسوله اعتز بالله فاعزه، وانتصر بالله فنصره، وتوكل على الله فكفاه، وتواضع لله فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ويسر له امره، ورفع له ذكره، وذلل له رقاب عدوه.. اللهم صلي وسلم وبارك عليك يا رسول الله وعلى أهلك وصحبك ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..!!

 

أيها المسلمون: إن الله تعالى خلق الإنسان لعبادته، وسخر له الكون في خدمتة، وامتنَّ على هذه الأمَّة فأعطاها الفرائض لكي يستَقِيموا إلى خالقهم، ويتطهَّروا من ذنوبهم، ويَنصُروا دينَهم، و يذكروا ربهم و يحسنوا أخلاقهم، ويستمرُّوا في طريق إيمانهم الذي رسمه الله لهم " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تتقون " الأنعام.

والعبد طالما كان عابدا لله، مجاهدا في الله، راضيا عن الله، مسبحا بحمده، متوكلا عليه،متوجها اليه، لا يخاف بخسا ولا رهقا، ولا يخاف ظلما ولا هضما، يواجه الشدائد، ويقارع الفتن، مهما كثرت، ومهما كبرت!!  

عباد الله: إننا نعيش في زمن تعددت فيه الفتن، ما ظهر منها وما بطن، زمن تختلط فيه المحن، وتتعاظم فيه الفتن، ويكثر فيه الضعف، ويتضاعف فيه الوهن، تتبارى فيه الشهوات والشبهات، وتتسابق فيه الملذات والتفاهات، كل بليّة أعظم من أختها، وكل مصيبة أكبر من التي قبلها، فاحتار الكثير من الناس بعد ثبات، وانتكس الكثير من أصحاب المبادئ بعد استقامة، وارتعدت فرائص قوم كنا نعدّهم أصحاب بأس وشأن، الا ما رحم ربي وعصم.

وقد يبتلي الانسان بأخيه الانسان فتصير فتنة أكبر مما كان "وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا " الفرقان.

أيها المسلمون: نحن في زمن خارت فيه الهمم، وترنحت فيه القيم، وخربت فيه الذمم، وتاهت فيه العمم، تدنت فيه العزائم، وتقهقرت فيه النفوس، فأضحى الفرد – إلا من رحم الله – أسيرًا لهواه، تائها في ملهاه، مطواعا لشهواه، غارقا في نزواه، تابعًا لشيطانه، تلفه رغائبه كالثور في الساقية، أو كالخاتم في الاصبع، وغدت بعض الأسر في مجتمعنا تتعامل بالقسوة والتهميش، والتمرد والعقوق، فتعاظم الشقاق، وكثر الطلاق، وتفكّكت الأسر، وهدّمت البيوت، وأضحى المجتمع يئنّ من آلام التنازع والفرقة، ومن ويلات القتل والتشريد!!!

لماذا كل هذا؟! لان الناس بعيدين عن ربهم، مقصرين في عباداتهم، ما المخرج إذن؟!

-أخي المسلم: لا تقلق ولا تنزعج..!!

فكل العقبات أمامك، وكل الشدائد حولك، وكل التأخيرات في حياتك، ما هي إلا خير ورب الخير لا يأتي إلا بالخير، تأكد تمامًا أن الله ما صرف عنك شيئًا ليحرمك، ولا آخر عنك أمرًا ليعذبك، وإنما ليعطيك الخير، يعطيك أفضل من اختياراتك لنفسك ويرفعك بهذا البلاء درجات عنده، عليك أن تحقق العبودية في نفسك، وبعدها يكفيك ربك، المؤمن يدرك ذلك ببصيرته لا ببصره،" أليس الله بكاف عبده "!!

-اخا الاسلام: لاتضعف ولا تنكسر!!

إذا كنت تشعر بضعفك؟! و تحس بكسرك؟! وتشعر بأن الدنيا أكبر منك، وبأنك في مهب الريح، إذن ربما خالطك شرك ما، نظف نفسك، وطهر روحك، وراجع نفسك، إدلف في العبودية لربك، وإلا " ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق " الحج

في الحياة ماعليك إلا السعي والله يتكفل بالباقي، لا تفكر كيف سيأتيك الفرج، تدابير الله عظيمة وهو القدير العزيز، لا تستبق الأحداث وتخاف الابتلاء فكل بلاء لُطفه معه، ورحمة الله ترافقه، لا أحد يعرفك من الداخل إلا الله، فلا تجزع وتقلق، ماعليك إلا السعي والإيمان أنه بك أرحم الراحمين، واعلم ان الله يكفيك همك، ويكشف كربك " أليس الله بكاف عبده "

أيها المؤمن: هل تشعر أنك بلا قوة، بلاعزيمة، مسلوب الإرادة، منزوع الهمة، عد إلى ربك واستغفر من ذنبك، فإنما تثقلك الذنوب حتى تصير مثل الجبل، روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار، وعندما تتطهر من كل ذلك يكفيك ربك " أليس الله بكاف عبده "

أشياءك التي تخشى عليها، وتريد أن تجعلها عند من لا تضيع لديه الودائع؟ أبناءك، أو مالك، أو صحتك، أو حياتك؟

الله الذي لا ينبغي أن تتوكل إلا عليه، ولا أن تُلجئ ظهرك إلا إليه، ولا أن تضع ثقتك إلا فيه، ولا أن تعلق آمالك إلا به، يأمرك أن تركن إليه، فماذا بعد هذا من راحة وهدوء؟!، وماذا بعد هذا من عز و شموخ؟! " أليس الله بكاف عبده "

تلجئ ظهرك إليه حتى يمنع عنك سهام الغدر، تفوض أمرك إليه حتى يتم على أكمل حال، لا تتعلق بحبال الدنيا الواهية، ولكن عد لربك ولاتقلق " أليس الله بكاف عبده " ؟!!

عندما تتعرض لضيق كبير و كرب شديد وهم عظيم، توجه إليه فإنه قوي قادر، غالب قاهر، فهل يستعصي شئ على رب العزة؟ العزة نفسها هو ربها، كل عزة رأيتها أو سمعت بها أو علمتها هو ربها، فكيف يمكن لكروبك أن تصمد أمام إرادة رب العزة والكبرياء والعظمة؟ إذن لا تجزع  " أليس الله بكاف عبده " ؟!!

عندما تتبرأ من حولك وقوتك إلي الله وقوته، وتقول بقلبك قبل لسانك " لا حول ولا قوة الا بالله " وتردد كذلك: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ"، فتستعين وتتوكل وتطلب القوة منه على أن تعبده واثقا فيه متوكلا عليه،

" أليس الله بكاف عبده " ؟!!

عندما تردد من قلبك (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) فكيف يخذلك؟! " أليس الله بكاف عبده " ؟!!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه: تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته ثم رأيته في الفاتحة في " إياك نعبد وإياك نستعين".

ويقول أيضا: "القلب يعرض له مرضان عظيمان إن لم يتداركها العبد تراميا إلى التلف ولابد وهما الرياء والكبر فدواء الرياء: إياك نعبد ودواء الكبر: إياك نستعين، إذا كنت كذلك فلما تخاف؟! "أليس الله بكاف عبده !!

 إياك نعبد تدفع الرياء! وإياك نستعين تدفع الكبرياء". بن تيمية

 ثق بأن الله تعالى  هو الذي يقضي حوائجك، ويرفع قدرك، ويطهر قلبك، ويغفر ذنبك، ويشفي مرضك " وإذا مرضت فهو يشفين " ، "أليس الله بكاف عبده " ؟!!

الذي عبدته فصليت له، والذي مرّغت جبهتك له، والذي نكست رأسك له، هو الأحق أن تعلق حاجاتك به، أن توكل إليه أمر شفائك، أن يكون ملجأك من مخاوفك، أن تجعله سبحانه المعين على تحقيق أحلامك هو من يهديك ويحفظك ويرشدك ويكفيك: " أليس الله بكاف عبده " ؟!!

أيا عبد الله: اعلم انك حتى لو مت، فهو الحي الذي لا يموت،، تموت أنت ولا يموت هو، سيكون لأولادك من بعدك، سيكون معهم، يرأف بحالهم، يسعدهم، سيجعل حياتهم أفضل منها وأنت معهم، لأنه الحي الذي لا يموت، المهم نفذ وصاياه، ومن وصاياه؟! " وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا " النساء " أليس الله بكاف عبده!! "

اركن إلى ربك، وجه إليه نبضات قلبك وحركة أعضائك وتدفق دمائك في شرايينك وانتقال الطعام داخل جسدك، فإنه يحفظك، ويهديك ويرشدك.

لو لم يإذن لقلبك أن ينبض لفارقت الحياة!!

لو لم يإذن الله لجفنك أن يغمض لاحترقت عيناك جفافا!!

لو لم يإذن لعقلك أن يفكر

سئمت كل من حولك!!

لو لم يإذن الله للسانك أن يتذوق، بهتت الحياة في نظرك!!

لو لم يإذن الله لجلدك أن يحس، تقطعت دون أن تشعر!!

حتي صلاح أبنائك لا ينجزه لك ولا يحققه لهم إلا ربك سبحانه!!

عباد الله: إنَّ من خاف من ربه حقّ الخوف، وتوكّل عليه حقّ التوكّل، وركن إلى عزّته وقوّته فلن يُضام لأنه استند على خير الجناب ولجّأ إلى العزيز الوهّاب ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى، ومن احب ان يكون اكرم الناس فليتق الله، ومن سره ان يكون اغني الناس فليكن بما في يد الله اوثق مما هو في يديه، ومن لجأ إلى الله ترفّع عن خوفه من المخلوقين " أَلَيس اللَّه بِكَاف عَبْده " الزمر

 لذا إن اجتمعت جيوش الكفر وتعاونت قوى الباطل، وأحاط بنا الأعداء من كل مكان، فالله معنا وهو كافينا وحامينا " قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " التوبة " ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك "

" أليس الله بكاف عبده "

أيها المسلمون: من الذي أنقذ يونس عليه السلام من ظلمات ثلاث، ومن الذي عافى أيوب عليه السلام من الضر، ومن الذي أنجى إبراهيم عليه السلام من النار، ومن الذي سلّم موسى عليه السلام من فرعون وقومه، ومن الذي عصم يوسف عليه السلام من فعل الخطيئة، ومن الذي حفظ محمد عليه السلام وصاحبه من أعين المتربصين، أليس هو الله، " أليس الله بكاف عبده "

عباد الله: إن من أهم أسباب حماية الله لك أن تكون حافظًا لحدوده وحقوقه،وأوامره ونواهيه، وأن تكون حافظًا لجوارحك من التعدي في الحرام او التمادي في الباطل، وأن تكون محافظًا على فعل الطاعات وبذل المعروف والإحسان إلى الآخرين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، ومتى ما كنت محافظًا لذلك كله حفظك الله من كل سوء وشر ومكيدة، قال تعالى " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ " الرعد، وقال عليه الصلاة والسلام (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)

 في يوم بدر حين قل العدد ونقص العتاد، من الذي أنزل ملائكته على الكافرين تحصدهم حصدا " أليس الله بكاف عبده

 حين اجتمعت القبائل لاستئصال شأفة المسلمين، وبعد أن نفِدَت أسباب الأرض من بين ايديهم، من الذي هزم الكفار، واخرجهم خزايا، ولم يمكِّنْهم الله تعالى من رقاب المؤمنين، ولم يجعَلْ لهم على المؤمنين سبيلًا،

" أليس الله بكاف عبده "

ويوم حُنَين، من الذي أرسل مِن جنده فتغيرت مجريات الأمور، وقلبت موازينها " أليس الله بكاف عبده "

 

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرج الرجلُ مِن بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يقال حينئذٍ: هُدِيتَ وكُفِيتَ ووُقِيتَ، فتنحى له الشياطين، فيقول شيطانٌ آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي وكُفي ووُقي ) رواه أبو داود، وصححه الألباني.

 وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: غزَوْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجدٍ، فلما أدركته القائلة، وهو في وادٍ كثيرِ العضاه، فنزل تحت شجرةٍ واستظل بها وعلق سيفه، فتفرق الناس في الشجر يستظلون، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئنا، فإذا أعرابي قاعدٌ بين يديه، فقال: (إن هذا أتاني وأنا نائمٌ، فاخترط سيفي، فاستيقظت وهو قائمٌ على رأسي، مخترطٌ صلتًا "، قال: مَن يمنعك مني؟ قلت: " الله، فشامه ثم قعد، فهو هذا ) قال: ولم يعاقِبْه رسول الله صلى الله عليه وسلم،رواه البخاري

" أليس الله بكاف عبده "

اخوة الاسلام: إن العبدَ إذا أحسن عبادته لربه وأحسن يقينه بربه، وتوكله على ربه، كفاه كل ما أهمَّه، وحفظه مِن جَور الجائرين، وظُلم الظالمين، وتسلُّط المتسلطين، وشر الشياطين، وغير ذلك مما لا يعلَمُه إلا ربُّ العالمين.

 يا عبد الله: إذا رأيت من يَهزَأُ بدين الله، ويتآمر على دعوة الله، ويستبيح حرمات الله، ويصد عن دين الله، ويقهر عباد الله فتذكر " أليس الله بكاف عبده "

وإذا رأيت من يكذب على الله في دينه ورسله، في بلاده وعباده، فقل له: " أليس الله بكاف عبده

وإذا رأيت من يهتك أعراض الناس بالغيبة أو اللعن أو إشاعة الفاحشة " ويشيع الحقد والسحر والحسد فقل له: " أليس الله بكاف عبده "

وإذا رأيت من يُعاند السماء، ويسفك الدماء، ويبعثر الأشلاء، ويُمثِّل بالشهداء، فقل له: " أليس الله بكاف عبده "

وإذا رأيت من يبثُّ الرعبَ في البلاد، وينشر الخوفَ في العباد؛ فتتساقط دموع الثَّكالى، وتتعالى صرخات الأيتام، وتتصاعد آهات الأرامل، ويعلو أنين الجرحى، ويزداد ألم المصابين، فقل لكل هؤلاء:

 " أليس الله بكاف عبده "

 وإذا رأيت زوار الليل يُعربدون ويعبثون، ويهددون ويعتقلون، يكشفون الأستار، ويَفجعون الصغار، ويُفزعون الكبار، قل لهم " أليس الله بكاف عبده "

وإذا رأيت الظالمين يصادرون الأموال، وينهبون الأغراض، ويهتكُون الأعراض، فقل لهم: " أليس الله بكاف عبده "

وإذا رأيت تضحيات المجاهدين، وصبر المناضلين، وثبات المرابطين، فقل لكل هؤلاء " أليس الله بكاف عبده "

عباد الله: لكل وحيدا بلا أتباع، لكل أعزل بلا سلاح، لكل فقير بلا أموال

"أليس الله بكاف عبده "

لكل مهموم مكروب أحاطت به الشدائد، وحاصرته الخطوب من كل اتجاه

" أليس الله بكاف عبده "

لكل متعب اتعبته الدنيا، و ارهقته الحياة فلم يعد ليله ليلا، ولم يعد نهاره نهارا " أليس الله بكاف عبده "

لكل مظلوم تكاثرت عليه ايدي البشر من كل اتجاه، شددت عليه طبيعة الدنيا من كل منحي " أليس الله بكاف عبده "

لكل من تعثرت قدماه في طلب الرزق فبات مهموما، لكل محتاج اذلته الحاجة ولم يجد من يجبر خاطره او يحنو عليه،

لكل من فارقه عزيز فترك في قلبه فراغا مؤلما" أليس الله بكاف عبده "

ذكر بها نفسك حينما تظن انك وحيد بشعورك، وحيد بظرفك، وحيد بضعفك،تذكر أن الله كافيك وان الله حسيبك.

ولا يأخذك بريق الحياة، ولا يقلق مضجعك وساوس الشيطان، فإنه سبحانه يمهِل ولا يهمِل، وما من مظلوم دعاه إلا رفع دعْوتَه فوق الغمام وفتح لها أبواب السماء، وقال: (وعزتي، لأنصرنَّك ولو بعد حين )

" أليس الله بكاف عبده " استفهام له معاني كثيرة، فهو سبحانه بهذا الاستفهام يجعل مَن اعترف بنعم الله تعالى يقر بهذه النعم عليه، فيثبت العقل، ويستقر الفؤاد، ويهدأ البال، وما ينشغل الحال إلا بأداء شكر الله تعالى وفضله عليه.

وهذا الاستفهام أيضًا فيه استنكار على مَن جحد نعم الله تعالى عليه، فتشتت حاله، وهاج عقله، وطار فؤاده بحثًا عمَّن يكفيه ويدبر أمره، تاركًا الله تعالى الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد.

 إن كفاية الله تعالى للعباد لا يحدها حد، ولا يمنعها مانع، رآها المسلمون رأيَ العين في مواطن كثيرة.

عندها لم يعد للخوف وجود، ولا للتردد مكان، ولا للاحتمالات سبب!! إذا أمعنت التفكير في هذه الآية " أليس الله بكاف عبده "

أيها المسلمون: لقد أعزّنا الله بالإسلام ومتى ما تمسّكنا به حق التمسك كنّا أعزاء به على غيرنا " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ " المنافقون، ومن هنا تكن كفاية الله لنا.

والله تعالي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس متى ما بذلنا كل ما نستطيع في إصلاح الناس والسعي إلى هدايتهم وربطهم بخالقهم جل وعلا: " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون" ال عمران،

كانت كفاية الله قريبة منا، ترق لحالنا،وتحفظنا في طريقنا.

عندما لا نستسلم للهوان،أو نكون أسرى للخوف والأحزان، عندها نستحق هذه الكفاية و نكون في أسمى مقام وأعلى مكان، وكل ذلك ما دمنا على الحق والإيمان

قال تعالى: " وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " آل عمران

عباد الله: لقد سُميت سورة يوسف أحسن القصص، لأنها تُعَلّمُنَا أن:

السجين سيخرج، و المريض سيشفى، والغائب سيعود، والحزين سيفرح، والكرب سيزول.

موسى الرضيع لم يغرق وهو في قمة ضعفه!، وغرق فرعون وهو في قمة جبروته!! " أليس الله بكاف عبده "

 فمن كان مع الله فلن يضره ضعفه

ومن لم يكن مع الله فلن تنفعه قوته،

لذلك لا تحملوا الأرض على رؤوسكم وقد جعلها الله تحت أرجلكم

وإلى كل مهموم أحسن الظن بربه وتذكر انُه قال سبحانه " أليس الله بكاف عبده "

فالله ياعبد الله سيحول جميع مشاكلك إلى حلول، وكل آلامك إلى عافية، وكل أحلامك إلى واقع، وكل دموعك إلى ابتسامات، أليس الله بكاف عبده؟!!

" أليس الله بكاف عبده " الزمر

آية عظيمة تبعث في النفس الأمن والاستقرار والطمأنينة، فمن كان الله مانعه وكافيه لن يخاف من غيره، ومن كان الله معينه وناصره فلن يأبه بقوة أحد من خلقه، فقط ما على المؤمن إلا أن يحقق العبودية لربه وأن يستقيم على أمره وأن يبتعد عن أسباب غضبه وسيكفيه حينها كل شر يخافه وكل بلاء يحذره، وكل عبودية يحققها العبد لربه يقابلها حماية منه تعالى له، فكلما أوجس المؤمن خيفةً في قلبه فعليه أن يبدّدها بعبادة ربه، والعباد الذين تتحقق فيهم كفاية الله لهم هذه صفاتهم " وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما " الفرقان

عندما تتحقق عبادتك لله تجد أن أمانيك مع الله حقائق، تطلعاتك مع الله واقع، رغباتك ستُهدى إليك، أشواقك ستصل إليك!! " أليس الله بكاف عبده !

‌‎ثِق بأن الله ألطف من أن يحزن قلبك ثم ينساه، و أكرم من أن يعطيك حزنا لا يعقبه فرح، وأعظم من أن يزرع فيك أملًا ثم يميته، الله أكبر من همّك وقريبًا ستقول "استجاب " بدلًا من "سيستجيب" و أن الله جبر قلبي جبرًا لم أكن أحلم به أبدًا كن واثقًا بالله

وقل "إِن الله قادر"، وهون عليك بـ" فإِنك بأَعيننا "، وإذا ارتعد خوفا فطمنه "ولسوف يعطيك ربك فترضى " وضم قلبك واقرأ عليه " أليس الله بكاف عبده "

اللهم اكفنا بما شئت وكيف شئت وحيث شئت.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply