بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، الحمد لله كتب على نفسه البقاء، وكتب على خلقه الفناء،وقدر ما كان قبل أن يكون في اللوح والقلم، وخلق آدم وجعل من نسله العرب والعجم،جعل الدنيا دار فناء والآخرة دار فناء "بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى" الضحى.
الحمد لله، فلا سبيل لانتظار الفرج إلا بالتوجه إلى الله، ولا سبيل لمقارعة الباطل إلا بالاستعانة بالله، ولا سبيل لمواجهة الهموم إلا بالتوكل على الله، والله عز وجل يداول الأيام بين الناس "وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" آل عمران.
الحمد لله قامت بربها الأشياء، وسبحت بحمده الأرض والسماء، ولا زال الكون محكوما بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فما من شيء الا هو خالقه ولا من رزق الا هو رازقه، ولا من خير إلا هو سائقه، ولا من أمر إلا هو مدبره " يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيات لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ" الرعد.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ونشهد ان سيدنا محمد عبد الله ورسوله اعتز بالله فاعزه، وانتصر بالله فنصره، وتوكل على الله فكفاه، وتواضع لله فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ويسر له امره، ورفع له ذكره، وذلل له رقاب عدوه.. اللهم صلي وسلم وبارك عليك يا رسول الله وعلى أهلك وصحبك ومن تبعك بإحسان إلى يوم الدين..!!
أيها المسلمون عباد الله:
ثمة حالة خطيرة تصيب الروح، وتطعن في النفس، وتهز جدار العقل، وتصيب الأنسان النشط،المتقد، الحساس، بحالة من التوتر والاكتئاب والهزال وعدم الاتزان!!
الحرمان، وقلة الاهتمام، وعدم التقدير، وهذا ما يعرف بالجفاف العاطفي!! أو الفراغ العاطفي!!
حالة إنسانية يتخللها شعور الملل المعمم، والإحباط المقنن، والاغتراب الاجتماعي، واللامبالاة في الحياة، مما يؤدي إلى الهشاشة النفسية، والضائقة الصدرية، والطمس القلبي، والخواء الروحي.
إنها تلك الفجوة التي يشعر بها الفرد عندما لا يجد من يفيض عليه حنانًا وحبا، تجعله يحس بأهميته وقيمته الذاتية، وفي المقابل أيضا عندما يتلفت لمن حوله فلا يجد من يفضي له بما في داخله من حب، وعواطف طيبه سواء من حنان الأمومة، والأبوة، والأخوة، والصداقة أو الزوجية وغيرها، فيكون نتيجة ذلك كثرة الطلاق، وزيادة التشرذم، ومضاعفة الفشل الأسري، الذي يفضي أحيانًا إلي الانتقام بالقتل، مما ينعكس سلبا على المجتمع بأسره!! لذلك يجب علي الدعاة والخطباء والوعاظ والمعلمين والدارسين أن يتناولوا هذا الموضوع بحكمة واستفاضة!!
-غياب روح المكاشفة:
أيها المسلمون: الجفاف العاطفي من المشكلات النفسية والاجتماعية المتفاقمة والمعقدة في المجتمعات العربية، ويمكن تعريفه بأنه نقص حاد في شبكة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الأفراد، يعاني منها كافة أفراد المجتمع، خاصة الأطفال والمراهقين، يؤدي إلي ذلك تآخر الخطاب الديني، وانتشار اللغة الاجتماعية السائدة، وكذلك موجة التكنولوجيا الافتراضية ومواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة على مصراعيها!!
فقد يغيب عند كثير من الآباء روح المكاشفة والمصارحة مع أبنائهم حتى يتمكن بها الآباء من معرفة مشاكل أبنائهم الخاصة التي تتعلق بالتعليم والتصورات الفكرية والعلاقات العاطفية واحتياجاتهم البدنية والروحية
في نطاق الأسرة، نلاحظ كثيرًا أن العلاقة بين الآباء والأبناء تتسم بالجلافة والتعامل الفوقي المبني على صيغة الأمر والنهي!!
-الجسد والروح والغذاء:
أيها المسلمون: الإنسان جسد وروح، فكما الجسد يجوع ويعطش، يشعر ويتألم، ويحتاج غذاء ودواء، كذا الروح تجوع وتعطش، تتألم وتشعر، وتحتاج لغذاء ورواء!!
الغذاء الرُّوحي هو الحب والعاطفة، الاحتواء والرواء، والحنان والأمان، الذي يحصل عليه الإنسان من أسرته ومن اقربائه ومن كل المحيطين به، فهو بحاجة للاهتمام والاحتواء، في حاجة للحنان والأمان، في حاجة للشُّعور بأنَّ أمره يهم من حوله، وخاصة المقربين منه، أي أنَّه بحاجة إلى من يسمع له ويحدثه، ويحاوره، ويُشعره أنَّه ليس وحيدًا، ويحتاج كذلك إلى من يُشاركه همومه ويُشعره بالأمن والأمان، وبحاجة أيضا لمن يقدره ويمدحه وويأخذ رأيه!!
-مخلفات الفراغ العاطفي:
اخوة الاسلام: الفراغ العاطفي يجعل كثير من الأشخاص في حالة من فقدان الشغف، فقدان الشعور، وفقدان الأمل، في مرحلة ما في حياتهم، ويظل كل منهم يبحث عن تفسير لهذه الحالة وطريقة لعلاجها، حتى يعود مرة أخرى للاستمتاع بالأشياء التي يملكها!!
-إنه شعور الشخص بالفقدان تجاه بعض الأشياء، أو بعض الأشخاص وهو ما يخالف طبيعته الشخصية، أي إنه كان يملك المشاعر في البداية ومن ثم بدأ يفقدها تدريجيًا ولم يعد يستشعر قيمتها، مما قد يصل به إلي عدم القدرة على التعبير عن مشاعره بصورة صحيحة وطبيعية.
الجفاف العاطفي هو حالة نفسية تبدأ عند الشعور بوجود فجوة أو فراغ عاطفي، وفقدان الحب والرغبة!!
كما يرتبط بالملل الدائم والإحباط القائم، وعدم القدرة على التركيز والخواء الداخلي كأن الشخص فقد أحد أعضاءه!!
-عدم الاشباع مشكلة:
عباد الله: عندما لا يُشبع الإنسان احتياجه العاطفي، يدخل في حالة من الفراغ أو الملل العاطفي، وهي من المشكلات النفسية والاجتماعية المتفاقمة والمتراكمة خاصَّة في مجتمعاتنا العربية، وهذا ينتج عنه انفصال زوجي، وتفكك اسري، وفساد مجتمعي، وقد تصل لحالة من اللاشعور، او اللامبالاة، بل قد تتعدي ذلك إلي العوس النفسي.!!
عدم الاشباع مشكلة تصيب الانسان في كل مراحل حياته وخاصة في المراحل المتقدمة، حيث يكون أكثر حساسيَّة، واكثر حيوية، واعلي نشاطا، وأعلي طموحا، وإذا وجد نقص واحتياج عاطفي صارخ، يشعر فيها الإنسان بالغربة وسط الأهل،
والوحشة بين الأصدقاء والوحدة عند المعارف، والغربة مع الزوجة، وتنتابه مشاعر من الفراغ وفقدان الرَّغبة بالحياة، وفرط حساسيَّة تجاه أمور لا تستحق ذلك فعليًا، ويفقد ثقته بنفسه، لأنَّه يشعر أنَّه شخص غير مهم لمن حوله!!
إذا لم يوجد حل؟!!
أيها المسلمون: إنها حالة خطيرة إذا تفاقمت ولم يتم تداركها أو حلها، لأنها قد تودي إلي التيه والضياع، وتدفع لسلوكيات خاطئة مثل الإدمان، ومن ثم البحث عن العاطفة في خارج البيت بمصاحبة رفاق السوء، أو الدُّخول في علاقات غير سويَّة مع أشخاص قد يستغلون هذا الاحتياج لديهم، فيقعون ضحية لكلامهم المعسول ومشاعرهم الزائفة، وتكون العواقب وخيمة مما يلحق بهم مزيدًا من الأذى النفسي، والألم القلبي!!
أما اذا كان المرء مشبعًا عاطفيا من أسرته يصبح في مأمن إلى حد ما من الفراغ العاطفي، والمشكلة عدم إظهار مشاعر الحب والحنان للأبناء، فالتَّربية ليست توفير متطلَّبات الحياة من مأكل وملبس ومصاريف فقط، بل هي أعمق وأهم من ذلك بكثير، فهي توفير الإشباع العاطفي للأبناء.
-من أسباب الجفاف العاطفي:
أخا الإسلام: كثيرًا ما يكون الأهل مشغولين بمتطلبات الحياة المادية، ويبتعدون عن أبنائهم ويُهملون الجانب النفسي لهم، ولا يعرفون ما يجري معهم ولا ما يعيشون أو يعانون في تجاربهم الحياتية، فتتحول العلاقة بينهم علاقة واجب، أي علاقة قاسية قائمة على الأوامر والطاعة بدون وجود جسور للتواصل الروحي.
وقد يكون غياب الأصدقاء الصدوقين الفاعلين، سبب، وكذا من فقد عزيز غالي فجأة، فأصبح وحيدًا من دونه، ولا يعوضه أحد عن فقدانه، ويشعر أنه لا سعادة مع أحد غيره!!
-من مظاهر الخواء العاطفي:
إتقاد المشاعر وعدم تحمل المسؤولية تجاهها، وإلقاء اللوم على الآخرين، والعيش في الماضي، والبعد عن الحاضر، وعدم التطلع إلى المستقبل.
وإخفاء الحقائق، وعدم الشفافية، والحديث السلبي عن الذات وعن الآخرين، كل هذه مظاهر للجفاف العاطفي.
-معرفة المشكلة وإصلاحها:
عباد الله: إن كان ما يعانيه الإنسان من فراغٍ عاطفي سببه علاقة غير مرضية مع الأسرة، أو شريك الحياة، أوالأصدقاء، يحاول إصلاح هذه العلاقة والتكلم مع الطرف الآخر عن حقيقة شعوره، وما يعانيه وما يحتاجه في هذه العلاقة، ربما يصلان للعلاقة السليمة التي تسد احتياجاتهم العاطفية، وكذلك لابد أن يطلق الإنسان العنان لنفسه في التعبير عن مشاعره، لأن كثيرًا ما يكون سبب الفراغ العاطفي هو الخوف والخجل من التعبير عن المشاعر، سواء كانت للأهل أم للحبيب أو للصديق،
وينصح الإنسان الذي يعاني فراغًا عاطفيًَّا بملء أوقات فراغه بممارسة هواية يحبها أو ممارسة الرياضة أو السفر، بحيث لا يبقى حبيس أفكاره ومشاعره السلبية، وأن يركز الإنسان في عمله، ويستثمر كل طاقاته في الخير، لتحقيق الذات وإنجاز نجاح ينسيه ما يعانيه من مشاعر سلبية.
وبذلك يتشبع المرء عاطفيا من عائلته، ويكون محصنا من الفراغ العاطفي، فهو مكتف داخليًا، ولن يلجأ إلى العالم الخارجي بحثًا عن العاطفة.
إن البيت الذي تملؤه مشاعر الحب والألفة، والحرص على أن يكون الزوجين صديقين لأولادهما، ومستودعًا لأسرارهم، بحيث يخبر الابن أبويه كلَّ ما يُساوره من أفكار أو مشاعر دون أي خوف أو خجل.
لذا فإن حب الإنسان لنفسه وتلبية احتياجتها في حدود الشرع هو خط الدفاع الأول من أي نقطة ضعف قد تواجهه في حياته، بحيث يستمد قيمته من ذاته، وليس من الآخرين، ويعتني بنفسه، يحصنها من أن يعيش مشاعر احتياج للآخرين.
-الفراغ العاطفي والزوجين:
أيها المسلمون: إن الإشباع العاطفى بين الزوجين هو ارتواء قلبى الزوجين بالحب والحنان، والمودة والرحمة بحيث لا يكون عندهما نقص فى المجال العاطفى، يبحثان عنه خارج حدود الإطار الزوجي أو الشرعي، وينقسم الإشباع العاطفى إلى قسمين: إشباع العاطفة القلبية وإشباع الغريزة الجنسية، فكما أن الجسد بحاجة إلى تغذية وإشباع للجوع، فكذلك القلب بحاجة إلى إشباع فى حاجاته العاطفية كالحب والحنان والاحتواء.
إن العلاقة بين الجسد والعاطفة علاقة وثيقة، لا يمكن أن نفصلها أو نهمل جانبًا على حساب الآخر، فلا يمكن أن تكون العلاقة الحميمة بين الزوجين مجرد التقاء الجسد مع الجسد، وإلا فما معنى المودة والرحمة بينهما، " وجعل بينكم مودة ورحمة " فكل إنسان يحتاج لمن يشبعه عاطفيًا منذ الولادة حتى الموت، فالطفل ينتظر الإشباع العاطفى من والديه ثم من إخوته ثم زملاء الدراسة!!
يجب على كل من الزوجين أن يعبر كل طرف عن الطريقة التى ترضيه لهذا الإشباع العاطفى وعلى الطرف الآخر أن يلبى هذا النداء بالطريقة المرضية له.
تخصيص وقت للطرف الآخر وإظهار الاهتمام له حتى يعطيه كل ما يحتاجه من مشاعر بعيدًا عن مشاحنات الحياة!!
البعد عن تضخيم سلبيات كل طرف للآخر والتركيز على الإيجابيات!!
لابد من وجود الاستقرار العاطفي لديهما حتى يصلا للإشباع العاطفي!
ولا داعى من وجود تراكمات بمعنى أن يصارح كل منهما الآخر بأى شىء أولًا بأول.
أما حالة الركود والملل التي تغلف الحياة العاطفية بين الزوجين، تأتي نتيجة عدم قدرة الزوجين على تجديد أنفسهما أو إهمال للجانب العاطفي للشريك، والانغماس بشكل كبير في متطلبات البيت، اقتصاديا واجتماعيا، على حساب الطرف الآخر، أو الاهتمام بالأطفال على حساب شريك الحياة، وعدم تكيف كل طرف مع حاجات ورغبات الآخر،وهي كلها أمور تحتاج إلى الالتفات إليها وإصلاحها.
-البخل العاطفي:
يتسرب إلى أحد الزوجين أو كلاهما أن يتناسى أنّهما يملكان الحق في العيش كحبيبين، فيظنون أن الحب انفعال وتأثّر، وطالما أنّهم لا يشعرون به، فإنّه من الصعب إيقاظه أو إحياؤه بين القلوب، بل ويُلقي كلّ من الزوجين المسؤوليّة الكاملة عن البخل العاطفي على الطرف الآخر، والبخل العاطفي انه يملك ولا يعطي، شحيح وبخيل، علمًا أنّها مسؤوليّة مزدوجة بين الطرفَين.
-التوازن قد يكون حل:
اخوة الاسلام: أحيانًا تتجاهل الزوجة مهامها تجاه الزوج بسبب أعباء الاهتمام بالأولاد، معتقدةً أنّ الأولى بالعناية هم الأبناء، فتختار رعاية أبنائها على حساب تلبية احتياجات زوجها، غير عابئة بالتقصير تجاهه، فهي ترى أنّ الهدف الأساسيّ من الزواج قد تحقّق، وتبدأ في التصرّف وكأنّها أم فقط، وتعاود عيش حياتها الخاصّة مع صديقاتها وأخواتها على حساب وقت الزوج!! لذلك التوازن مطلوب بين متطلبات الزوج و مسؤولية الاولاد، وعدم طغيان أحدهما علي الآخر، قد يصل بالطرفين إلى شاطئ الامان.
وفي الناحية الأخرى، نرى الزوج ينهمك في عمله لتأمين احتياجات أسرته، ويقضي وقت راحته مع أصدقائه ليرفّه عن نفسه، ويتصرّف كأنّه عازب بلا مسؤوليّة، ومع الوقت، يتناسى واجباته العاطفيّة تجاه زوجته، ويكملان حياتهما معًا تحت مسمّى الواجب فقط، وتصبح اهتماماته في مكان آخر بعيدة عن جدران المنزل، ومع ذلك، يشعر أنّه غير مقصّر تجاه عائلته!
-الوازع الديني:
عباد الله: كما أن هناك سبب جوهري من أسباب الجفاف العاطفية وهو غياب الوازع الدينى.
وديننا الإسلامي لم يترك شيئا الا طرق بابه وأوجد له حلا ناجعا وشافيا!!
الحلول تجدها هنا في ديننا: فلكي نحل مشكلة الفراغ العاطفي عند الأشخاص، لا بد من تقوية صلتهم بالله تعالى، وربطهم بالدين منهجًا وسلوكًا، لأن الإيمان هو العاصم الأول للإنسان من الخطأ والانحراف،
قال ربنا " إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى " سورة الكهف.
وهنا نجد أن الهدي والرشاد يتناسب تناسبا طرديا مع الإيمان، أي كلما زاد الإيمان وتعمق في القلب، زاد الهدي الذي يعصم صاحبه من الشرود والسقوط!!
والإسلام يعصم المسلم في جميع مراحل حياته العمرية، كيف!!
-بالنسبة للأطفال: الإشباع العاطفي منذ الطفولة:
لا شك أن الحنان الأسري والإشباع العاطفي منذ الطفولة من حق أولادنا، وله تأثيره البيًن على تفكيرهم، وعلى سلوكياتهم، لذا فقد حث الإسلام على الرضاعة الطبيعية للطفل؛ لأن الطفل يرضع مع لبن أمه حنانها، وضمها له، وحدبها عليه، قال تعالى: " وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ " البقرة
ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم خير مثال في الرحمة بالأطفال والحنو عليهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَبْصَرَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ، أَوِ الْحُسَيْنَ، رضي الله عنهما، فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَطُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لاَ يُرْحَمُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ " أخرجه البُخاري ومسلم
-بالنسبة للغلمان: أيها المؤمن:
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تربية الشباب والغلمان على العقيدة الصحيحة، ويتضح ذلك في وصيته الجامعة المانعة لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حينما قال له: " يا غُلأَمُ، إني أعلمك كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشيء، لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بشيء قَد كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء، لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الاقْلأَمُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ " أخرجه أحمد والتِّرْمِذِيّ
-بالنسبة للشباب: عباد الله:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاءٌ ". صحيح، متفق عليه
الباءة أي مؤنة الزواج، وجاء. أي وقاية.
وهنا بما أن التحصن والتعفف واجب، وضدهما محرم، وهو آتٍ من قبل شدة الشهوة مع ضعف الإيمان، والشباب أشد شهوة، لذلك خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم مرشدا ًلهم، وناصحا لهم إلى طريق العفاف، وذلك أن من يجد منهم مؤنة النكاح من المهر والنفقة والسكن، فليتزوج لأن الزواج يغض البصر عن النظر المحرم، ويحصن الفرج عن الفواحش، وأغرى من لم يستطع منهم مؤنة النكاح وهو تائق إليه بالصوم، ففيه الأجر، وقمع شهوة الجماع و إضعافها بترك الطعام والشراب، فتضعف النفس وتنسد مجاري الدم التي ينفذ معها الشيطان.
وقص علينا القرآن الكريم وصايا لقمان الإيمانية حينما قال لولده معلمًا ومربيًا: "يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " لقمان
-بالنسبة للزوجين:
إخوة الإسلام: الزواج ليس سلعة، أو فتنة، أو تأدية واجب، وإنما هو سكن ومودة ورحمة، هو جاء ليصنع العفة ويعالج الجفاف، فإذا نظرنا للزواج من منظور الإسلام لايمكن ان يأتي الجفاف العاطفي، كيف؟!
قال تعالي: " وَمِنْ آياتهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيات لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " الروم
في تفسير الآية: قال ابن عباس ومجاهد: المودة الجماع، والرحمة الولد، وقيل: المودة والرحمة عطف قلوبهم بعضهم على بعض، وقال السدي: المودة: المحبة، والرحمة: الشفقة: وروي معناه عن ابن عباس قال: المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء، ويقال: إن الرجل أصله من الأرض، وفيه قوة الأرض، وفيه الفرج الذي منه بدأ خلقه، يحتاج إلى سكن، وخلقت المرأة سكنا للرجل!!
-بالنسبة للوالدين:
اعتني بهما الاسلام ووجه الاولاد إلي الرعاية بهما والدعاء لهما وخفض جناح الذل من الرحمة لهما، قال ربنا: " وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورً" الاسراء، أما العقوق هو الذي يخلق الجفاف ويدمر العاطفة!
-الشعور الأعلى والاجمل:
الشعور الأجمل في الحياة هو أن لا تؤذ نفسا، فالإنسان أجمل من أن تمتلئ عيناه بكل هذا الخوف، أجمل من أن يسكن الحزن قلبه، أجمل مِن أن يصاب قلبه بكل هذا الفتور والخواء، وبكل هذا الضيق والضجر، ولأنه الأجمل سيأتى الشخص الذى سيمحى كل تلك المشاعر حين يربت على كتفه، حين يخبرك بأنك الملاذ الذي يلجأ إليه من هذا العالم البشِع، بأنك طوق نجاتُه، ذلك الشخص الذي يمسك بك فى أشد لحظات ضعفك، من يؤمن بك في الوقت الذي تفقد فيه الثقة بحالك، من يقبل بعالمك الصغير الذي نسجته بعيدًا عن عيون الجميع، من يريك العوض عن كُل خيبات الحياة وأوجاعها، سيأتى الذى يختار عتمتك رُغمًا عن الجميع، فلا وقت للخيبة، فهناك جميل من الله ينتظرك، قم واكسر كل شعور سيء داخلك، فلم تخلق نفسك لتعذبها، ولكن خلقت لتكون داعمًا لها في صنع المستحيل، فغدًا ستكون مُمتن لنفسك على لحظات الإحباط هذه التي كدتُ تستسلم فيها ولم تفعل وبقيت تقاوم هذا الخواء، و تسد هذا الفراغ!!.
وحتى لا تساعد على خلق جفاف عاطفي في محيطك لا تكسر قلبًا ولا تُبك عينًا ولا تجرح روحًا ولا تقتل حُلمًا ولا تُطفئ بسمة، وتذكر أن كل من ضر سيُضر، ومن قَهر سيُقهر، ومن ظَلم سيُظلم، وربك يُمهل ولا يُهمل، وكلُ ساقيِ سيسقُى بما سقى!!
اللهم انفعنا بالقرآن، واحفظنا بالإيمان، ونجنا من وساوس الشيطان.
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد