أعرف عدوك


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

بعد سويعات قليلة من انتخاب الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، سارع الربي هيلال فايس الناطق الرسمي لتنظيم «السنهدرين» اليهودي في الولآيات المتحدة إلى مباركة هذا الانتخاب، مشددًا على ضرورة أن ينفذ وعده الذي قطعة بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، تطبيقًا للقرار الأميركي الصادر منذ 1995 والمعروف باسم مشبهًا إياه بالإمبراطور الفارسي قورش الأكبر الذي أعاد اليهود المنفيين إلى فلسطين في القرن السادس قبل الميلاد.

والواقع أن هذه الصفة: صفة قورش الأكبر مخلص اليهود هي التي طالب الرئيس هاري ترومان أن تنطبق عليه هو أيضًا، عندما تم تكريمه في المؤسسة الأكاديمية اللاهوتية اليهودية الأميركية وشبهه حينها صديقه رجل الأعمال إيدي جاكوبسن قائلًا: بأنه ممن ساهم في قيام إسرائيل، فقاطعه قائلًا:«أنا لم أساهم فقط، بل أنا هو قورش الأكبر».في ذات السياق الاحتفالي أشار الربي هيلال فايس إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه، داعيًا إياه إلى تحقيق الوعد الذي يُقال أنه قطعه لأحد المتدينين اليهود عندما زار القدس سنة 2012، وحائط المبكى تحديدًا، عندما اعترض موكبه محدثًا إياه عن أهمية الهيكل بالنسبة إلى اليهود، فأجابه الرئيس الروسي قائلًا:«لهذا السبب أنا هنا، لقد جئت حتى تتمكن أنت وغيرك يومًا من إعادة بناء الهيكل».

وسواء أصحت هذه الروايات أم لم تصح، فإن للقدس والهيكل المزعوم أهمية بالغة في تشكيل مستقبل أرض الأنبياء وتشكيل ملامح الصراع في الشرق الأوسط في العقود القادمة. فالقدس التي اعتبرتها مفاوضات أوسلو من قضايا الحل النهائي، واعتبرتها الأمم المتحدة بمقتضى القرار 242 أرضًا محتلة، تعرف اليوم تحولًا خطيرًا جدًا يخرجها من جوانبها القانونية إلى جوانبها الميثولوجية والدينية، مما يؤذن بخطر تحويل الصراع إلى صراع ديني بين أبناء إسحاق وأبناء إسماعيل، هذا الذي قالت عنه التوراة «إن يده على كل واحد ويد كل واحد عليه». وهو أمر لم يعد مستغربًا، ما دامت الأساطير المؤسسة للصهيونية هي التي تتحكم في مصير العديد من القرارات السياسية الدولية، فالتوراة كانت ولا تزال بمثابة «دفتر خانة» كما يقول العثمانيون، أو سجلًا عقاريًا، منه تستمد اليهودية والصهيونية المسيحية شهادة ملكيتها لأرض فلسطين، وتخطيطها لهدم الأقصى، وبناء الهيكل الثالث.

فوضع القدس وهدم المسجد الأقصى لا يمكن أن يفهما اليوم بمعزل عن خلفية نظرية دينية ضرورية يجب أن تكون عدة كل عربي مسلم، وتكون بمثابة الميزان الذي يزن به الأمور عندما تختلط السبل. السياسي والقسيس كان يوم 16 فبراير (شباط) من سنة 1896 يومًا استثنائيًا ومهمًا في تاريخ الصهيونية السياسية والمشروع السياسي الذي قاده تيودور هرتزل. ففي هذا اليوم وعده صديقه رفائيل لانداو بعد أن أدرك مشروعه الطموح في تأسيس «دولة لليهود» بأن يصله بشخصية دينية مسيحية سيكون لها الدور البارز في الدفع قدما بالمشروع الصهيوني. وكان ذلك هو الأب ويليام هيشلر (1845 ـ 1931) William Hechler، قسيس السفارة البريطانية في فيينا والمحامي والصحفي في جريدة «الصحافة الحرة الجديدة» Neue Freie Presse ذائعة الصيت آنذاك، الذي كان يتوفر على شبكة علاقات كبيرة وضعها لاحقًا تحت تصرف أبو الصهيونية السياسية». وقد تحدث أندريه شوراقي عن هذه الصلة بين هرتزل وهيشلر في تقديمه لكتاب الأب دوفرنوا «الأمير والنبي»، فشببها بالصلات بين النبي موسى وكاهن مدين يثرو أو شعيب كما يسميه القرآن، فقد كان هيشلر على يمين هرتزل بمنزلة كاهن مدين بالنسبة إلى موسى. كان رفائيل لانداو يدفع باتجاه التقاء هرتزل بهيشلر، لأنه كان مقتنعًا بأن المشروع الصهيوني يمكن أن يكون أيضًا مشروعًا مسيحيًا، أو بالأحرى مشروع فئة من المسيحيين الذين سيطلق عليهم اصطلاحًا اسم (المسيحيين الصهاينة) المنحدرين من رحم البروتستانتية في نسختها الإنجيلية الألفية والاسترجاعية. وقد تم اللقاء أخيرًا في منتصف مارس (آذار) 1896 حيث رحب القس «بفتى صهيون»، كما لقّبه. وليبسط أمامه في بيته خريطة فلسطين، وصورة للهيكل المزعوم في القدس، مشيرًا إلى الموضع الذي يجب أن يعاد فيه بناء الهيكل الثالث. وعبّر لهيرتزل عن أمنيته أن يكون هو أسقف القدس الذي سيقف عند أبواب المدينة ليستقبل يسوع المسيح المخلّص عند عودته الثانية، زمن ما يسميه اللاهوت المسيحي بـ(الباروزيا) كما يقول أرنست باول في كتابه «متاهة الشتات». والحقيقة أن هذه الشخصية التي يتناساها مؤرخو الصهيونية لفترة طويلة، ومات صاحبها فقيرًا معدمًا منسيًا، قبل أن تقوم إحدى المنظمات الصهيونية بالبحث عن قبره واكتشافه وبناء شاهد عليه يخلّد مساهمته الكبيرة في خدمة المشروع الصهيوني، هي من تحدثت إلى تيودور هرتزل بعصارة التصورات المسيحية الصهيونية، ومقوماتها الأساسية من المشيحانية والعقيدة الألفية أو الألفانية. والحقيقة أن هذه العقيدة قد ظهرت في المسيحية منذ فترة مبكرة لتقول بعودة المسيح الثانية بين قومه ليعيش ويحكم ألف سنة، فيما يشبه حياة الفردوس تمهيدًا لنهاية العالم، وهو زمن لا يمكن أن يتحقق بدون وجود اليهود في فلسطين. ومن هنا كانت ضرورة العمل على إعادة تجميعهم في فلسطين ليشهدوا على عودة هذا المسيح، وليؤمنوا به ويشهدوا على ماشيحانيته ويؤمنوا بها. عقيدة الاسترجاع وهكذا وجد هرتزل نفسه وجهًا لوجه مع أحد أشد المناصرين لمشروعه لم يكن ليحلم به. فمن الغرابة أن يكون هذا الشخص الذي يشد أزره مسيحيًا، في الوقت الذي كان فيه الصد هو نصيبه من قبل اليهودية الأرثوذكسية وفهمها التقليدي للماشيحانية إلى حدود تلك الفترة. ولم ينس هرتزل مزية هذا الشخص على الحركة الصهيونية، فشرّفه بالحضور في مؤتمرها الأول بمدينة بازل، حيث لم يحضر في هذا المؤتمر سوى شخصيتين غير يهوديتين هما: ويليام هيشلر ومؤسس الصليب الأحمر الدولي هنري دينان (1828 ـ 1910) Henri Dunant. لقد كانت دوافع هيشلر دوافع دينية، ما في ذلك شك، يحرّكها اعتقاد راسخ وتغذيها قراءات معينة لقسم من التوراة اليهودية، وخصوصا لسفري دانيال والمزامير. وهو ما عبّر عنه في نصّ نشره قبل سنتينمن ظهور كتاب هرتزل «دولة اليهود» سنة 1894، وعنوانه «إعادة توطين» ـ أو إرجاع ـ اليهود إلى فلسطي The restauration of the Jews to Palestine. ومن هنا اشتق المذهب المعروف بالإرجاعي أو الاسترجاعي، ومعناه العمل على جمع اليهود من العالم وإعادة توطينهم في فلسطين. ولهذا السبب سيغرق الإنجيليون المسيحيون في التراث القبالي اليهودي كما غرق فيه من قبلهم اليهود، في عمليات حسابية معقدة لمعرفة تاريخ قيامة هذا المسيح استعدادًا لملاقاته والتسريع، في جمع اليهود وتوطينهم في فلسطين من جديد. ويذكر إرنست باول صاحب الكتاب الشهير عن سيرة هرتزل إلى أن حساباته الرياضية كانت تؤكد قرب قيامة المسيح. ومن هنا شدّة حماسته واعتقاده الراسخ أنه سيشهد هذا الحدث الجلل. لقد كانت حساباته كما يقول، تعتمد على تأويل للآية التوراتية الواردة في سفر المزامير، الآية الرابعة من المزمور 90، والتي شغلت الأوساط الألفية والمشيحانية والقبالية من قبله وفيها: «لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ في عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ وَكَهَزِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ». وكذلك ما جادت به النصوص المسيحية الواردة في سفر يوحنا الرؤيوي من الإصحاح السابع. والحقيقة أن هذه العقيدة الألفية قد ظهرت وظلت حية طيلة القرون المسيحية الثلاث الأُوْلَى، بتأثير من (المسيهودية) الأُوْلَى، وبتأثير من التصورات البولسية، وبعض آباء الكنيسة الأوائل، أمثال: القديس إيرينيوس والقديس ميلتون ساردس، إلا أن الفضل يرجع إلى القديس أريجين والقديس أوغسطين تحديدًا في قمع هذه العقيدة، والتشديد على ملكوت المسيح السماوي، وأورشليم السماوية، ومبدأ الخلاص الفردي. وشدد القديس أوغسطين على أن عبارة الألف سنة الواردة في سفر يوحنا الرؤيوي لا تعني سوى «زمن الكنيسة» وأورشليم السماوية. وقد ظلّت هذه العقيدة على خفوتها إلى أن استيقظت من سباتها في القرن الثامن عشر، عصر الأنوار، ويا للمفارقة على يد إثنين من كبار اللاهوتيين المسيحيين وهما: يواكيم الفلوري وبيك دولا ميروندول. وقد حاول الأول في نصّ شهير حول الأخروية إعادة بناء النزعة الألفية من جديد بحسب التثليث، معتبرًا أنها المرحلة الثالثة، مرحلة الروح القديس بعد مرحلتي الأب أي العهد القديم ومرحلة الابن أي العهد الجديد، مقدمًا تواريخ أخذها من بعد ويليام هيشلر في الحسبان. حسابات الوعد وضلّت هذه الأفكار حية متداولة حتى عاد إليها جون نيلسون داربي الإيرلندي، مترجم الكتاب المقدس المشهور وزعيم حركة الإخوان بلايماوث Plymouth brethern، ذات الخلفية الألفانية، فاهتم بدراسة مفهوم للزمن الألفي يقوم علي ما يسميه بالتدبيرية أو القدرية. وهو منهج في قراءة الكتاب المقدس يذهب كما تذكر ذلك إحدى الموسوعات إلى «تقسيم تاريخ العلاقة بين الله والإنسان» إلى سبعة أقدار أو حقب زمنية، يُخضع فيها الله الإنسان لتجارب تمتحن طاعته. ووفقًا للتدبيريين فنحن نعيش اليوم في الحقبة السادسة، أو ما يسمى «دور الكنيسة والنعمة»، بانتظار حلول الحقبة السابعة والأخيرة برجوع المسيح للأرض لتأسيس حكمه الألفي. وهكذا تفصل التدبيرية بين مفهومي إسرائيل والكنيسة، فبالنسبة للمسيحية التقليدية، فإن الكنيسة كما يقول أوغسطينوس هي وارثة الوعود التي أعطاها الله لإسرائيل، فهي بذلك إسرائيل الجديدة التي تسعى بشوق لبلوغ أورشليم السماوية. ففي هذا المفهوم تصبح أورشليم أو أرض الموعد للمسيحيين، ذات طبيعة روحانية أزلية لا صلة مباشرة لها مع أرض إسرائيل التاريخية، على عكس الصهاينة المسيحيين، الذين يشددون على الفصل بين إسرائيل كشعب يهودي أو شعب الله على الأَرْض والكنيسة أو شعب الله في السماء، مؤكدين على التفسير الحرفي للكتاب المقدس. يفضي هذا بهم إلى نتيجة حتمية مفادها أن أرض فلسطين التاريخية هي ملك أبدي للشعب اليهودي، وأن نبوءات الكتاب المقدس التي أعلنت عن عودة اليهود إلى أرضهم قد تحققت في القرنين التاسع عشر والعشرين. ومن هذه الخلفية جاءت مسيحية داربي الصهيونية الراغبة في التسريع بعودة المسيح وقيام مملكته على الأَرْض، لتلتقي بالمشروع الصهيوني الذي بشر به تيودور هرتزل من جهة الصهيونية السياسية. ويذهب داربي إلى الحديث في سياق شرحه لهذه الألفية إلى الحديث عن الحقبة السابقة لظهور الألفية، التي تتميز بسطوة المسيح الدجال، وقيام معركة الأرمجدون قبل نهاية العالم، وقيام الصور الأخيرة للأخروية. وستجد أفكاره التدبيرية رواجًا في بريطانيا. فقد تبنت بريطانيا ورجال سياستها من البروتستانت مشعل التمكين للمشروع الصهيوني مند وعد بلفور واللورد شافستبري ولويد جورج وغيرهم، تحقيقًا للرغبة التي عبر عنها هيشلر من قبل. فهو القائل:«إنه بحسب الإنجيل فإن اليهود يجب أن يعودوا إلى فلسطين، ولذلك فإنني أساند هذا المسعى الصهيوني، باعتباري مسيحيًا مقتنعًا تمام الاقتناع بحقيقة الإنجيل لأن هذه القضية هي قضية الرب نفسه». نحو أميركا ومن بريطانيا ستنتقل سطوة هذه الأفكار إلى الولآيات المتحدة التي ستتحول إلى مركز تجميع لكل هذه الأفكار الألفانية والاسترجاعية والتدبيرية، ذات الأصول البروتستانتية، وهي التي إذا ما أضيف لها القوة العسكرية والمالية المتعاظمة منذ القرن التاسع عشر وسطوة الكنائس الإنجيلية على النخب السياسية الأمريكية، والضعف النسبي للكنائس الكاثوليكية أو المناهضة للتصورات الإنجيلية، يتبيّن لنا حجم الخطر الذي ستشكله هذه الأفكار التي تهزأ بكل العقلانيات وكل تراث الأنوار، بل وبكل محاولات اليهودية الإصلاحية مثلًا التي نجد في إعلانها المعروف بإعلان بيتسبورغ سنة 1885 ما يقترح حلولًا، يدهش الباحث اليوم من مدى تشبّعها بقيم الأنوار ورفضها لمقولات الشعب اليهودي والعودة إلى فلسطين وبناء الهيكل، واعتبار القدس عاصمة للشعب اليهودي الذي لا تؤمن هذه الحركة بوجوده أصلًا. إن هذه الأفكار خطيرة على الشعب الفلسطيني وعلى المسلمين، وشكّلت وتشكّل وستشكّل في العقود القادمة خطرًا أكبر وأشد على فلسطين التاريخية والإسلام والقدس تحديدًا. ولا يجب على المرء أن يغرق في المعطيات الآنية ليعرف حجم سطوة اليمين الأمريكي الصهيوني المسيحي منذ الثمانينات على وجه الخصوص على القرار السياسي الأمريكي، منذ عهد رونالد ريغن وبوش الابن إلى حد الساعة. بل لعله لا يخفي على الكثيرين أن عددًا لا يستهان به من مستشاري الرئيس الأمريكي الحالي في المسائل الدينية هم من رجال الدين المتبنين لهذه الأفكار، ومن غلاة الإنجيلين أمثال: باولاوايت Paula White وكينيث كوبلاند Kenneth Copeland وميشال باخمان Michele Bachmann وروبرت جيفرس Robert Jeffress، وعشرون آخرون لا يقلّون عنهم تشددًا وولاء لإسرائيل وللأفكار الإنجيلية المؤسسة للصهيونية المسيحية. ربما لن نفيق نحن العرب من هذه الصدمة قبل أن تدركنا الصدمة الثالثة القادمة التي تحدث عنها أحد غلاة القساوسة الإنجيليين أمام الرئيس الأمريكي الحالي، وهي إعادة بناء الهيكل، فليست إقامة إسرائيل وعودة اليهود وإعلان القدس عاصمة لها إلا مقدمات للحدث الأهم وهو إعادة بناء الهيكل المزعوم، حتى تتمكن اليهودية من استعادة شرائعها المعطلة وتتمكن المسيحية الصهيونية من إدراك هدفها النهائي وهو انتظار المخلّص، وتحضيرًا لتصفية الحساب مع اليهودية. إن هناك خطرًا حقيقيًا لا يقدره المسلمون والعرب حق قدره، وهو المتمثل في ضرورة الوعي بالخلفيات النظرية والضمنيات والمسلّمات التي تحكم تحالف الصهيونية واليمين الديني المسيحي الصهيوني في الولآيات المتحدة بالأساس، وهم مطالبون بإعادة التفكير في هذا الخطر وتدبره والاحتياط منه، وهو يتمثل في تلك الفرضية التي تريد أن ترى أن حل القضية الفلسطينية لا يمكن أن ينبني أو يستقيم إلا بجعل الإسلام غريبًا عن الحضارة المسيحية اليهودية نشأة ومسارًا، وغريبًا أيضًا عن الحضارة الإغريقية الرومانية. وهذا هو أخطر ما في هذه الدعوى وهو مصادرة على المطلوب، يمكن اعتبارها نموذجًا على النصب والاحتيال التاريخي، إذ يبدو أن الصراع هو صيغة معدلة لذلك الجدل الديني القديم، يحاول تغييب صلة الإسلام بالحلقة المسيحية اليهودية المفقودة، وهو قول يجد غايته في النازية والمحرقة من حيث هي فصل نهائي بين اليهودية والمسيحية من ناحية، وفي الحروب الصليبية من حيث فصل الإسلام عن المسيحية من ناحية أخرى. كما يجد غايته في فصل الإسلام عن اليهودية مع قيام إسرائيل. ثم ظهور صياغة جديدة هي الاتصال الجديد بين المسيحية واليهودية في ما يعرف بالمسيحية الصهيونية وإقصاء الإسلام باعتباره غريبًا عن التراث المسيحي اليهودي في صياغته المعاصرة. تصورات وحتميات إن ما يفعله اليمين المسيحي الصهيوني الأمريكي من الوجهة الدينية والسياسية، هو غطاء يقوم على إعادة تملّك اليهودية بأن يقدم لها الإسلام طعمًا لاسترضائها من أجل تمرير جوهر خطابه القائم على استرداد اليهودية وفق منطق الكتابين: كتاب العهد الجديد/‏‏‏‏ القديم والإدماج assimilation مع التدمير والإبادة annihilation. إنه دعوة لليهودية إلى الاشتراك في جبهة مناهضة للإسلام باسم (مسيهودية) مشتركة، تقبل فيها اليهودية بفعل تملّكها من قبل الصهيونية المسيحية وتصوراتها الألفية. وعلى اليهودية أن تقبل بهذه الصفقة مقابل استرضائها بإخراج الإسلام من هذه (المسيهودية) باعتباره شكلًا من أشكال الوثنية. إن على المسلمين بالتالي، أن يدركوا حقيقة أن تدمير المسجد الأقصى هو حتمية صهيونية وحتمية مسيحية صهيونية، وهي آتية لا ريب فيها لمن يقرأ الصهيونية جيدًا ولمن يقرأ تاريخ الحركات البروتستانتية ذات المرجعيات الإلفية والقدرية وغيرها، ويدرك حجم سطوتها على القرار السياسي الأمريكي في هذه المرحلة من التاريخ. وعلى كل فـ«هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ» حتى يولوا هذه المسائل حقها من الكتابة والانتباه، إذ ليس بالضجيج وحده يمكن الوقوف في وجه هذه العقائد والحركات والتنظيمات التي تقذف بوصفات جاهزة ومعلّبات من الأفكار الماشيحانية والميثولوجية واللاعقلانية، ولا يمكن لأحد أن يجهل حجم قوتها التدميرية إذا ما ترجمت جيوسياسيا. ولمن يضعون أصابعهم في أذانهم من الصواعق حذر الموت أن يتذكروا أن الأَرْض المقدسة الواردة في القرآن «ادخلوا الأَرْض المقدسة التي كتب الله لكم» والتي يستشهد بها بعض العوام والملبسين للدلالة على أحقية اليهود في فلسطين بل في الشام كله، وكأن القرآن يدعم التصورات الصهيونية في هذا المجال، إنمّا يدل دلالة قاطعة على عدم فهم جوهر الرسالة النبوية التي انفصلت منذ السنة الثانية للهجرة، أي بعد الشروع في تصفية الوجود اليهودي السياسي في الجزيرة، فأعادت تشكيل الإسلام خارج إطار الرصيد السامي اليهودي القديم. وبالتالي فإن هذه الآية لا يمكن أن تفهم إلا في سياق آية أخرى أساسية وهي إن «الأرض يرثها عبادي الصالحون»، وكلمة الأَرْض في هذا السياق لا تعنى مجرد التراب أو أي أرض بل الأَرْض في المعنى الكتابي biblique اي ما اشتهر لاحقًا باسم «أرض كنعان وأرض إسرائيل»، فالقرآن أنهى أسطورة الوعد التوراتية التي تتحدث عنها الآية الأُوْلَى ليقول إنها موعودة للصالحين من عباده، كما أنهى ترسيخ فعل النبوة من خلال النسب الإسماعيلي والانتساب إلى إبراهيم والتمسك بحق البكورة الإسماعيلي وغير هذا مما كشفته العبقرية القرآنية التي ورثت المسيهودية القديمة التي أنكرتها كل من اليهودية والمسيحية سواء بسواء. لقد كانت الأمور واضحة في ذهن النبي صلى الله عليه وسلّم وفي القرآن الكريم… فحذار من تحويل الصراع إلى صراع ديني، لأن الصهيونية المسيحية ستعود يوما إلى حجمها الطبيعي وتعود الأفكار الألفية إلى القمقم الذي ربطها فيه القديس أوغسطين، وسيتذكّر الكثيرون تعليق البابا بيندكتوس الخامس عشر على هامش وثيقة وعد بلفور وفيه أن اليهود لا يمتلكون أي حق سيادي على الأَرْض المقدسة. ولكن في انتظار ذلك سيكون الثمن غاليا وعلى العرب أن يضيفوا صفحات إلى كتاب المحن لابن أبي العرب التميمي وأن يسير المسيحيون منهم أيضا على درب الآلام.#### الماشيحانية كلمة ماشيح تعني (المسيح) والعقيدة تسمى المشيحانية، ويرجع أصل الكلمة إلى (مشح) وتعني باللغة العربية (مسح)، ويرجع هذا المسمى في أصله إلى عادات الشعوب الغابرة التي كانت تمسح وتخضب رأس الملك الجديد عند تنصيبه بالزيت كناية عن مباركة الآلهة له ولملكه.. يعتقد اليهود بأن هذا المسيح هو مرسل من عند الله وهو حاليًا موجود في السماء ينتظر الإذن من الله للنزول، وبأنه من نسل نبي الله داوود عليه السلام، ويعتقدون إنه سيأتي ليغيّر مجرى حياتهم من الضلال والشتات إلى الطريق القويم، فهو من سينهي شقاءهم وشتاتهم، وهو من سيقضي على أعدائهم، ويعود بهم إلى صهيون (فلسطين) وعاصمتهم القدس، وسيعيد بناء الهيكل (كما في زعمهم) ويحكم بشريعتهم، فينشر العدل ويمتد حكمه إلى 1000 عام، تزدهر فيه الأرض وتخرج خيراتها، ويطلق اليهود على هذه الفترة بالفردوس الأرضي أو (العقيدة الاسترجاعية). فرسان الهيكل بعد وقت قصير من وقوع المدينة المقدسة في أيدي الصليبيين عام 1099 واقتراف الغزاة مذبحة جماعية بحق سكانها، جاءت جماعةً مغمورة عرفت باسم فرسان الهيكل، حيث حصلت على التصريح اللازم لممارسة نشاطها في الأرض المقدسة، بل إن السلطات الصليبية منحتها الموافقة على إقامة مقر لها في المسجد الأقصى، مدعين أنه موقع هيكل سليمان. وفي ذلك يقول جون روبنسون في كتابه المعنون «معمد بالدم.. أسرار الماسونية المفقودة»: «فرسان الهيكل اختاروا المسجد الأقصى مقرًا لهم عن سابق قصد وتعمد لاعتقادهم بأنه موقع هيكل سليمان، وهناك وفي اجتماعاتهم السرية اعتاد فرسان الهيكل إحياء الطقوس الماسونية القديمة التي يعتقد بأنها انطلقت من مبنى المعبد في الأساس». وكانت هذه الجماعة تمارس السرية التامة في طقوسها وأهدافها، وكان القتل السريع لمن يفشي أي من أسرارها. كان فرسان الهيكل أول من أصدر كتب اعتماد عرفها النظام المالي القديم، وطبعوا نقودهم الخاصة، عملوا كوكلاء في تحصيل الديون وإدارة الصناديق المالية والممتلكات، وتوزيع الحصص على الورثة، وهي خدمات كانت تقدم مقابل رسوم محددة. وخلال حكم الصليبيين كان فرسان الهيكل نخبة النخبة في محاربة المسلمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply