بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجًا إحْلَوْلَوَتْ النبوة في عين عباد السلطة، فخرج في كل ناحية دَعيٌّ يطلب الأتباع بادعاء النبوة، يظن أن مجرد الادعاء يكفي. فكان مسيلمة الكذاب، وطلحة الأسدي، والأسود العنسي وسجاح. والأدعياء الكذبة يقتلون كما جاء منسوبًا للمسيح عليه السلام. ودارت الأيام تموج بالصالحين والطالحين يدفع بعضُهم بعضًا كلٌ يطلب ما يحب ويدفع ما يبغض. وقتل الله الأسود العنسي بلا جيش ولا عتاد.. قتله رجل بمعاونة نفر من أقربائه، ونزل الوحي من السماء يخبر النبيَّ بهلاك الأسود العنسي، وأخبر النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، أصحابه بكلماتٍ حُفرت في خاطري منذ قرأتُها صبيًا، قال، صلى الله عليه وسلم،: "قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين".
وقفت طويلًا عند وصف الصادق، صلى الله عليه وسلم، لهذا الرجل الكريم بأنه مبارك من بيت مبارك. وهو، رضي الله عنه، حديث عهد بالإسلام. اتكأ هذا المشهد بخاطري ولم يرحل؛ فقلت: هذا أثر المعدن الثمين. والناس معادن كما جاء في الحديث. ومن يومها وأنا أقول: اللهم بيتًا مباركًا. اللهم آمين.
إن تسعة أعشار ما يظهر على أحدنا سببه المباشر الصفات الوراثية، والبيئةُ التربويةُ تُظهر طبيعة المعدن ولا تنشئه، فالفرد يستقبل من معطيات التربية ما يناسب معدنه، وقد تلقّى الوحي من آمن به وتلقاه من شقي به، وهذا المعنى كثير في كتاب الله، يقول الله تعالى:}قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى{(فصلت:44).
وبعد أن استقر المسلمون في الشام ركبوا البحر يبلغون رسالات ربهم، ويزيحون الطواغيت ليختار الناس بحرية بين الإيمان والكفر}فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر{، وأتم الله لهم فتح قبرص، وجاءوا بالأسارى إلى دار الخلافة (دمشق)، وكان من بين الأسرى راهب قد تمكن من علم النصرانية. عَرَفَهُ أحد نصارى الشام، فاشتراه من المسلمين بثمن بخس دراهم معدودات، وأخذه لبيته وأكرم مثواه وجعله معلمًا خاصًا لولديه.
اتخذ لولديه معلمًا خاصًا رفيع المستوى؛ وجلس هذا الذي تمكن من "علمٍ" مع الغلامين، فكان أحدهم (يوحنا الدمشقي).. أحد أسوأ من عرف التاريخ ضد المسلمين.
حُفرت هذه القصة بخاطري، فاتكأ مشهد "يوحنا الدمشقي" وهو يتعلم من أمهر أهل زمانه، وليس فقط يتعلم بل يعايشه طول الوقت، وأبوه وهو يقتنص الفرصة ليعلم أبناءه على يد أفضل المعلمين. وقرأت بعد ذلك أن هكذا تفعل الأسر الغنية (المرتاحة) يرحل أبناؤهم للمدارس الراقية أو يأتون بمربيات بموصفات خاصة جدًا لأبنائهم.
والأم تكفي. وذلك أنها إن كانت حسيبه نسيبه تمدك بمعدن ثمين نفيس، وإن كانت مُعلَّمة وأُكرمت كرم الرجال (باللسان واليد وحسن العشرة) عَلَّمت أبناءها أو أشرفت على تعليمهم. والمشكلة تأتي من أن السائد اليوم هو الاختيار على الدخل المادي.. يسر الحال. فيطلبها من أسرة غنية، أو موظفة ذات راتب شهري، ومن يختار هكذا يصعب أن يحصل على أسرة مباركة، وذلك أنه إن كانت المرأة مجهدة (عاملة) فإنها لا تستطيع تربية أبنائها وتعليمهم أو الاشراف على تعليمهم، والذي يحدث عمليًا هو أن الأبناء يسلمون كليًا لمؤسسات العلمانية ويحدث ما يشتكي منه أكثرنا، والكل يطالب بمحاضن تربوية، ومن أين والكل يجري وراء تحصيل الرفاهية؟!
وتأتي المشكلة أيضًا من اعتقاد بعض الذكور أن المرأة هي المسئولة الأولى والأخيرة عن العملية التربوية والتعليمية، فيطالبها بالمساعدة في نفقات البيت، والقيام بحاجة الزوج، وحاجة الأبناء، ثم تربية وتعليم الأبناء!!
ويحدث العكس، بمعنى أن بعض النساء يفسر نجاح بعض التجارب التربوية بوجود رجل في البيت ذو رؤية وقدرة على الضبط والتوجيه، وكثير من التجارب الناجحة قامت بأم وحدها، ونقول: أم الإمام مالك، وأم الإمام الشافعي، وأم الإمام أحمد بن حنبل، وغيرهن كثيرات، والله حيي كريم لا يرد سائلًا، وفضله واسع، وينادي على عباده }وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦ{.
وأمرُّ ما في المشهد الأسري أن يتم تجاهل عملية إعداد الزوجين للعمل التربوي. يباشرون العمل التربوي دون سابق إعداد في الغالب، ولذا يتوقفون أو تكون النتائج محدودة، لابد من عملية إعداد.
إن كثيرًا من مشاكلنا تنتهي إن أطعنا ربنا وزوجنا الطيبات للطيبين، وأكرمنا المرأة، ووضعت مناهج لرفع مستوى النساء في بيوت آبائهم تربويًا، ومن ثم توجيههم إلى مهماتهم الأساسية تربية الأبناء أو الإشراف على تربيتهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد