من أقوال السلف في الكسوف والخسوف


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الشمس والقمر آيتان من آيات الله جل وعلا لا ينكسفان لموت لأحد ولا حياته، ولكن الله عز وجل يُخوف بهما عباده، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والناس في عصرنا أصبحوا لا يخافون عند حدوث الكسوف والخسوف مع إنهما إنذار بعقوبة انعقدت أسبابها، نسأل الله الرحيم أن يوقظنا قلوبنا جميعنا، وأن يمنّ علينا بالتوبة والإنابة إلى الله جل وعلا.

للسلف رحمهم الله أقوال عن الكسوف والخسوف، اخترت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

  • كسوف الشمس والقمر تخويف للعباد:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كسوف الشمس والقمر... من حكمة ذلك تخويف العباد.

قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: الكسوف آية من آيات الله يُخوف بها عباده جلَّ وعلا، كما قال سبحانه:﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيات إِلَّا تَخْوِيفًا[الإسراء:59]، هذه الشمس المنيرة العظيمة، وهذا النور العظيم يعتريه في بعض الأحيان من أمر الله ما يُذهب نوره ويُطفئه الله ويبقى مظلمًا، أحمر بلا نورٍ، أو أسود، وهذا يدل على قدرته العظيمة، وأنه يقول للشيء: كن فيكون. فهذا من باب التَّخويف، من باب ترهيب الناس من سُوء أعمالهم، وأن ينتبهوا لأنفسهم، وأن يعدّوا العدة الصَّالحة للقاء ربهم.

قال العلامة العثيمين رحمه الله: الكسوف له سببان:

السبب الأول: التخويف: تخويف العباد إذا كثرت الذنوب، ورانت المعاصي على القلوب، نسأل الله العافية…

السبب الثاني: كوني قدري.

  • للكسوف أسباب طبيعية وأسباب شرعية:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: لا مانع من أن يكون الأمر له سببان: سبب طبيعي، وسبب شرعي لا يعلم إلا بطريق الوحي، كالكسوف مثلًا له أسباب طبيعية، وأسباب شرعية، فالسبب الشرعي أن الله يخوِّف به العباد، والسبب الطبيعي معروف هو أن خسوف القمر سببه حيلولة الأرض بينه وبين الشمس، وكسوف الشمس سببه حيلولة القمر بينها وبين الأرض... فمن كان مؤمنًا آمن بالأمرين، ومن لم يكن مؤمنًا ضرب صفحًا بالأسباب الشرعية واعتمد على الأسباب الكونية الطبيعية أما نحن فنؤمن إن شاء الله تعالى بالأمرين جميعًا السبب الشرعي والسبب الفلكي الطبيعي.

  • الكسوف والخسوف إنذار بعذاب قد انعقدت أسبابه: 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الكسوف مَظِنَّةُ حدوث عذاب بأهل الأرض.

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: كسوف الشمس له سبب شرعي، وهو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام: أن الله يخوِّف بهما عباده، فتخويف العباد من عذاب انعقدت أسبابه، وليس الكسوف نفسه أو الخسوف عذابًا، لكنَّه إنذار بعذاب انعقدت أسبابه.

  • أمور تشرع عند الكسوف:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله:النبي صلى الله عليه وسلم أمر في الكسوف بالصلاة، والعتاقة، والمبادرة إلى ذكر الله تعالى، والصدقة؛ فإن هذه الأمور تدفع أسباب البلاء.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره؛ لأنه مما يدفع البلاء.

  • كثير من الناس لا يصلي عند وجود الكسوف والخسوف: 

قال العلامة العثيمين رحمه الله: عند كسوف الشمس أو خسوف القمر لا نجد كثيرًا من الناس يتأثر أو يقبل على المساجد، ليفعل ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة.

  • حال الناس فيما سبق عند حدوث الكسوف:

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: كان الناس في الماضي إذا كسف القمر تحصُل منهم رهبة عظيمة، ويحصل منهم خوف، ويَحضُرون بأعدادٍ كبيرة إلى المساجد، وتحصل صلاة وبكاء وخوف، وقد رأيت هذا، أما الآن فلا ترى شيئًا من هذا.

  • لا منافاة أن يدرك الكسوف بالحساب وأن يكون مما يخوف الله به عباده: 

قال العلامة السعدي رحمه الله: الكسوف... يدرك بالحساب، ولا منافاة بين... أنه يدركه البصير بالحساب، وأن الله يخوف به عباده، فإن الأشياء توجد بوجود أسبابها، مع ما في ذلك من الحِكَم والمصالح العظيمة، ولكن الغلط أن يقال: إنه يقع بموجب الحساب، وليس مما يخوف الله به عباده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في ومنه، قام فزعًا يخشى أن تكون الساعة.

  • عدم إفشاء وإعلان الكسوف: 

قال العلامة السعدي رحمه الله: وإن كان يدرك بالحساب... فإن الله يخوف به عباده، فلا ينبغي إفشاؤه وإعلانه، لأن ذلك يأمن الناس، ولا يحدث معهم الخوف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس، ومع ذلك فزع، وخوف الناس وحذرهم.

قال العلامة العثيمين رحمه الله: هل من الأفضل أن يخبر الناس به قبل أن يقع؟

 الجواب: لا شك أن إتيانه بغتة أشد وقعًا في النفوس، وإذا تحدث الناس قبل وقوعه، وتروضت النفوس له، واستعدت له صار كأنه أمر طبيعي.

ولهذا لا تجد في الإخبار به فائدة إطلاقًا بل هو إلى المضرة أقرب منه إلى الفائدة. 

وقال رحمه الله: لهذا أتمنى ألا تذكر ولا تنشر بين الناس، حتى لو نشرت في الصحف لا تنشرها بين الناس، دع الناس حتى يأتيهم الأمر وهم غير مستعدين له، وغير متأهبين له، ليكون ذلك أوقع في النفوس.

وقال رحمه الله: أنا أرى أن بقاء هذه الأمور مكتومة أشدُّ في نفوس الناس، فهي ليست صلاة رغبةٍ حتى يقال: يُخبر الناس بها حتى يتأهبوا لها، ولكنها صلاة رهبة، فالذي أرى في هذه المسألة أنه لو لم يخبر الناس بها لكان أهيب.

  • ذكر العلماء من قديم الزمان أنه يمكن العلم بالكسوف قبل وقوعه:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: لو سأل سائل: هل يمكن العلم به قبل وقوعه؟

فالجواب: نعم يمكن، وقد ذكر ذلك العلماء من قديم الزمان، أنه يمكن العلم به قبل وقوعه، لأنه يدرك بالحساب، فسير الشمس والقمر سير متزن معتدل، ولكنه ليس عاديًا.

  • خطبة الكسوف: 

قال العلامة السعدي رحمه الله: هذا الحديث أجمع ما ورد في صلاة الكسوف [حديث عائشة في الصحيحين] وفيه: أنه خطب، وهل هي خطبة لازمة لصلاة الكسوف... الصحيح: التفصيل، وأنها تستحب للحاجة، وأما مع عدم الحاجة فلا تستحب، ففي زماننا هذا تستحب.

قال العلامة العثيمين رحمه الله: مشروعية الخطبة في صلاة الكسوف بعد الصلاة، وهل هي خطبة راتبة أو عارضة؟ في ذلك خلاف بين العلماء رحمهم الله، فمنهم من يقول: إنها عارضة، وأنه إذا رأى الإنسان مناسبةً خطب وإلا فلا، فمثلًا إذا رأى الناس مُنهمكين في معصية من المعاصي فليتكلم بعد الكسوف بما يتعلق بهذه المعصية، وبغيرها أيضًا، وأما إذا لم يكن هناك سبب فلا يخطب، والصحيح أنها خطبة راتبة.

  • عدم الاعتماد على الحساب في إثبات الخسوف والكسوف:

قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: قوله صلى الله عليه وسلم:"فإذا رأيتم منها شيئًا فصلوا" فيه دليل على عدم الاعتماد على الحساب، في إثبات الكسوف والخسوف، وإنما المعول عليه الرؤيا، فلو أثبت أهل الحساب وقوع الكسوف الليلة، ثم جاءنا غيم كثير لم نتمكن معه من رؤية القمر، فإننا حينئذ لا نصلي، لأنه علق الصلاة بالرؤيا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply