من أقوال السلف في الأخلاق السيئة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فالأخلاق السيئة سموم قاتلة، وأمراض قاتلة، ينبغي للمسلم تجنبها، والحذر منها، ومن كان فيه خلة منها فليجاهد نفسه في التخلص منها، فإن الأخلاق قابلة للتغير والتبديل.

للسلف أقوال في الأخلاق السيئة، يسّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

·       الأخلاق الخبيثة أمراض وأسقام:

** قال الإمام الغزالي رحمه الله: الأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس.

** قال الحسن رحمه الله: من ساء خلقه عذب نفسه.

فائدة: صحب ابن المبارك رحمه الله، رجلًا سيء الخلق، في سفر، فكان يحتمل منه، ويداريه، فلما فارقه بكى، فقيل له في ذلك، فقال: بكيته رحمة له، فارقته وخلقه معه لم يفارقه.

·       أثر سوء الخلق على الدين والحسب:

عن الفضيل رحمه الله قال: من ساء خُلُقه ساء دينه وحسبُهُ ومودتّهُ.

·       الأخلاق السيئة سموم قاتلة:

قال الإمام الغزالي رحمه الله: الأخلاق السيئة هي السموم القاتلة، والمهلكات الدامغة، والمخازي الفاضحة، والرذائل الواضحة، والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين، المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين.

·       أركان الأخلاق السافلة:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: منشأ جميع الأخلاق السافلة وبناؤها على أربعة أركان: الجهل، والظلم، والشهوة، والغضب.

فالجهل يُريه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، والكمال نقصًا والنقص كمالًا.

والظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه، فيغضب في موضع الرضا، ويعجل في موضع الأناة، ويبخل في موضع البذل، ويحجم في موضع الإقدام، أو يقدم في موضع الإحجام، ويلين في موضع الشدة، ويشتدُّ في موضع اللين.

والشهوة تحمله على الحرص والشح والبخل وعدم العفة والنهمة والجشع والذل.

والغضب يحمله على الكِبر، والحقد، والحسد، والعدوان، والسفه.

·       أخلاق من وقي منها وعُصِمَ منها فقد أفلح:

** قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: قد أفلح من عصم من المراء والغضب، والطمع.

** قال الفضيل بن عياض رحمه الله: من وقي خمسًا وقي شر الدنيا والآخرة: العجب، والرياء، والكبر، والإزراء، والشهوة.

·       الطرق الذي يعرف به الإنسان عيوب نفسه:

قال الإمام الغزالي رحمه الله: اعلم أن الله عز وجل إذا أراد بعبده خيرًا بصره بعيوب نفسه، فمن كانت له بصيرة نافذة لم تخف عليه عيوبه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله طرق:

الأول: أن يطلب صديقًا صدوقًا دينًا فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه ينبه عليه.

الثاني: أن يستفيد معرفة عيوبه من ألسنة أعدائه فإن عين السخط تبدى المساوي.

الثالث: أن يخالط الناس فكل ما رآه مذمومًا فليتفقد نفسه ويطهرها من كل ما يذمه.

·       قبول الأخلاق للتغير:

** قال الإمام الغزالي رحمه الله: بعض من غلبت عليه البطالة استثقل المجاهدة والاشتغال بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق... فزعم أن الأخلاق لا يتصور تغيرها فإن الطباع لا تتغير. فنقول: لو كانت الأخلاق لا تقبل التغير، لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات... وكيف ينكر هذا في حق الأدمي، وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل الباري من الاستحياش إلى الإنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلامة والانقياد، وكل ذلك تعيير للأخلاق.

** قال ابن القيم رحمه الله: هل يمكن أن يكون الخُلق كسبيًا أو هو أمر خارج عن الكسب؟ قلت يمكن أن يقع كسبيًا، بالتخلُق والتكلُف، حتى يصير له سجيةً وملكة.

·       الطريق إلى تهذيب الأخلاق:

قال الإمام الغزالي رحمه الله: النفس في علاجها بمحو الرذائل والأخلاق الرذيلة عنها، وجلب الفضائل والأخلاق الجميلة لها مثال البدن في علاجه بمحو العلل عنه وكسب الصحة له وجلبها إليه وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملًا وإنما يكمل ويقوى بالنشو والتربية بالغذاء فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم وكما أن العلة المغيرة لاعتدال البدن الموجبة للمرض لا تعالج إلا بضدها... فكذلك الرذيلة التي هي مرض القلب علاجها بضدها فيعالج مرض الجهل بالتعلم ومرض البخل بالتسخي ومرض الكبر بالتواضع.

وكما أنه لا بد من الاحتمال لمرارة الدواء وشدة الصبر عن المشتهيات لعلاج الأبدان المريضة فكذلك لا بد من احتمال مرارة المجاهدة، والصبر لمداوة مرض القلب بل أولى فإن مرض البدن يخلص منه بالموت ومرض القلب والعياذ بالله مرض يدوم بعد الموت.

وفي الختام فليحذر العبد من الأخلاق السيئة، وليعلم أن من عامل الخلق بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من تتبع عوراتهم تتبع عورته، ومن هتكهم هتكه وفضحه، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن شاق الله شاق الله تعالى به، ومن مكر مكر به، ومن خادع خادعه. ومن عامل خلقه بصفةٍ عامله الله تعالى بتك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه.

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: عقوبة من أشاع السوء على أخيه المؤمن، وتتبع عورته، وكشف عورته، أن يتبع الله عورته ويفضحه ولو في جوف بيته، كما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، وقد أخرجه الإمام أحمد وأبو داود. وأخبر الله تعالى أن المكر يعود وباله على صاحبه، قال تعالى: }وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ{[فاطر:43] والواقع يشهد بذلك، فإن من سبر أخبار الناس، وتواريخ العالم، وقف على أخبار من مكرَ بأخيه فعاد مكرُهُ عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply