فوائد من درس دلائل الإعجاز 65

6 دقائق
9 رجب 1447 (29-12-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف.

يوم الأحد: 27 ربيع الآخر 1447ه، الموافق لـ 19 من أكتوبر 2025م:

• كنا نتحدَّث عن حديث الشعراء، ليس عن الشِّعْر، وإنما عن صَنْعة الشِّعْر، وما الذي يبذلونه وهم يَصنعون الشِّعْر، وما الذي يَقصِدون إليه وهم يَصنعون الشِّعْر؛ لأن كلَّ هذه الأشعار ذكرها الشيخُ عبد القاهر ليُبيِّن أن حديث الشعراء عن صنعة الشِّعْر، والذي يتوخَّاه الشعراء في الشِّعْر = يتنافى تنافيًا مطلقًا مع القول إن فصاحة الكلام في خُلوِّه مما يَثقُل على اللِّسان.

• جيدٌ جدًّا أن تَجِدَ العالِمَ يفتح بابًا من أبواب العلم ليردَّ على مسألةٍ ربما لا يَحتفِل غيرُه بالردِّ عليها.

• أبو تمَّام والبُحتريُّ من أكثر الشعراء حديثًا عن صَنْعة الشِّعْر، وهذا جيدٌ جدًّا؛ لأنهما مِن أجود الشعراء، ومِن أكثر النَّاس حفاوةً بالشِّعر.

• جيدٌ جدًّا أن يُحدِّثك عن صَنْعة الشِّعْر مَن هو إمامٌ فيها، ومَن هو مِن أجود من تحدَّثوا في الشِّعْر، ومَن هو أكثرُ مَن تحدَّث في الشِّعر.

• لا قيمةَ لأبي تمَّامٍ ولا للبُحتريِّ ولا لامرئ القيس ولا لشاعرٍ، ولا لعبد القاهر ولا لعالِم، ما لم تُعمِل أنت عقلَك فيما يقول. إذا أعملتَ أنت عقلَك، واعتقدتَ أن هذا كلامُ الناس، وأنك واحدٌ من الناس، وأنك تُدرِك ما يُقال، بل تُدرِك أفضلَ مما يُقال = إذا اعتقدتَ هذا ونظرتَ وتدبَّرتَ بعقلية المؤمن بقدرتِه، وليس بعقلية المغرور، وليس بعقلية الهاضِم لنفسِه، ستجد كلامًا جيدًا جدًّا.

• تعليقًا على أبيات أبي تمَّام: «كَشَفْتُ قِنَاعَ الشِّعْرِ عَنْ حُرِّ وَجْهِهِ. إلخ»، قال شيخُنا: شَرحتُ هذا الكلامَ في الدرس الذي مضى، ولكنَّ الكلامَ الجيِّدَ كلما لَقِيَنا احتجْنا إلى بيانه؛ لأنه جيِّد، والنُّفوسُ لا تَملُّ مِن تكرار الجيِّد، وبيان جودة الجيِّد؛ لأن النُّفوسَ أثقلَها ما هي فيه مِن السُّوء، ومِن استحسان السُّوء، ومِن مَدْح السُّوء، ومِن مَدْح أهل السُّوء، ومِن الباطل الذي يعيش فيه الناس، ومِن «الخراب» الذي يُسمَّى: «عُمرانًا»، ومن «الفقر» الذي يُسمَّى: «غِنًى»، ومِن «الخوف» الذي يُسمَّى: «أمنًا». النُّفوسُ مَلَّتْ، فإذا وجدتْ كلامًا جيدًا وقفتْ عنده لتَغْسِلَ نفسَها من الباطل ومن السُّوء الذي كان يُغشِّي عليها.

• أنا مع الكُتب، أو مع الشِّعْر، أو مع بيان أهل الحقِّ = أجِدُ لذَّةً؛ لأنها تُخْرِجني من بيان أهل الباطل، وتَغسِلُ قلبي من بيان أهل الباطل؛ الكَذَبَةِ الذين يُسمُّون «الخرابَ»: «عُمرانًا».

• لا بُدَّ أن تُضيفَ فكرةً إلى الفكرة، ولو لم يكن عندك إلا الفكرة لتقولَها فأرِحْ نفسَك، واترك الناسَ يَعْلمُونها من الكتاب كما عَلِمْتَها، لكنْ لا تتكلَّم في كتابٍ إلا إذا أضفتَ إلى أفكارِه مِن أفكارك.

• أبو تمَّام لا يُلقِي الكلامَ عبثًا، وإنما كلُّ كلمةٍ لها معنى، ولها أعماق، ولها دلالة.

• كلُّ الذي أرجوه مِن الله أن يكون في كلامي بعضُ الحكمة؛ لأُعلِّم بعض الحكمة؛ لأنك لن تُعلِّم جيلًا جديدًا أفضلَ من الحكمة والعقل والبصيرة والوَعْي.

• أنت تُدمِّر شِعْرَ أبي تمَّامٍ إذا لم تُحْسِنْ فَهْمَه.

• «اليَمن» كانت بلادًا عامرةً ومتقدِّمةً ومتفوِّقةً وغالبةً في الزَّمن الأول في فَجْر الوجود البشري؛ فانظر إليها الآن!!

• أبو تمَّامٍ والبحتريُّ كان يَجِدان طُربةً في قلوبهما إذا ذَكَرا «اليَمَن»، وذَكَرا ثيابَها، وذَكَرا بُرودَها، وذَكَرا رِماحَها.

• الجَدَّةُ العزيزةُ الرُّدَيْنِيةُ اليَمانِيةُ القديمةُ، التي شُهِرَت بصناعة الرِّماح، لو بُعِثت الآنَ لصَنَعتْ صواريخَ وطائراتٍ مُسيَّرة؛ لأنها تقدَّمتْ في صناعة الرِّماح حين لم يكن على الأرض إلا الرِّماح؛ فلو بُعِثتْ لن ترضى بأن تَصنعَ رِماحًا في زمن الصَّواريخ والطائرات المُسيَّرة.

• أنت إنسانٌ بشَرْط ألا يكون في الناس مَن يَسُدُّ مَسدَّك، أمَّا أن يكون كلُّ الخَلْق يَسدُّون مَسدَّك فوجودُك عبءٌ على الوجود.

• يَجِبُ أن نُربِّيَ الجيلَ الجديدَ على أنه إمَّا أن يكون إنسانًا حيًّا لا يملأ مكانَه إلا هو، وإمَّا «يروح في ستين داهية».

• الكلامُ له نَغَم، ونَغَمُ الكلام له دلالة.

• النَّغَم ليس مُتعةً للأذن، النَّغَم له معانٍ وله دلالات، وبَحْرُ الشِّعْر الواحدُ تأتي فيه قصائد، ولكلِّ قصيدة نَغَم.

• في أوَّل حياتي أذهلني «الرُّمَّاني» حين ذَكَر من وجوه الإعجاز: التلاؤم الصَّوتي، الذي هو النَّغَم، ولولا فَرْط التلاؤم الصَّوتي ما استطاع الأطفال أن يحفظوا القرآن وسِنُّهم عشرُ سنوات أو اثنتا عشرة سنة، ولو أتيتَ بكتابٍ في حجم القرآن فلن تجد أحدًا يَحْفظُه في هذه السِّن. لماذا؟ لأنه يَفتقد النَّغَم.

• أشعر أنِّي أضرُّ طلابي حين أشرح لهم؛ لأني أريدهم هم أن يَشْرحوا، ولذلك أنا لا أشرح، أنا أُعلِّم كيف تتعلَّم، لا أشرح لك الشِّعْر، ونِيَّتي في شرح الشِّعْر أن تتعلَّم أنت كيف تَفْهم الشِّعْر.

• تعليقًا على أبيات أبي تمَّام: «إِلَيْكَ أَرَحْنَا عَازِبَ الشِّعْرِ. إلخ»، قال شيخُنا: أبو تمَّام لا يقول مثلَ هذا إلا لكريم؛ لأن أبا تمَّام لو قال لفاشلٍ كذَّاب: «إِلَيْكَ أَرَحْنَا عَازِبَ الشِّعْرِ. إلخ» فلن يُساعِدَه لسانُه، ولو ساعده لسانُه فلن تَسْمَعه آذانُ الآخرين.

• أحبُّ الشِّعْرَ العاليَ في الشَّخص العالي، وإذا قلتَ الشِّعْرَ العاليَ في النَّذْل الذي لا يستحقُّه تكون قد أهنتَ الشِّعْر، ولم يَعُد الشِّعْرُ عاليًا؛ لأن الشِّعْر يَعْلُو بعُلوِّ ما قِيل فيه.

• دائمًا كنت أتساءل وأقول: لماذا لم يجعل البلاغيون مِن عناصر البلاغة ومِن محاسن الكلام أن يكون الكلامُ قد قِيل لمن هو أهلٌ له، ثم وجدتُهم قد قالوا: لكلِّ مقامٍ مقال.

• أبو تمَّام كان من أعجب الشعراء، ولكننا تركنا هذا وتكلَّمنا عن أنه تَصنَّع في الجناس، وتَصنَّع في السَّجع، يا سيِّدنا ليس الأمر كذلك، يا سيِّدنا ابحثْ عن الحَسَن في كلام الناس، وغُضَّ عينَك عن السيئ؛ لأن الحسناتِ يُذهِبْن السيئات، ولكنك بالعكس: تبحث عن السيئات لتُذهِبَ الحسنات؛ فأنت ضدُّ الوجود؛ لأن خالق الوجود يَعلم أن فيه خيرًا وأن فيه شرًّا، وقال لخلقه: ادرأوا السيئةَ بالحسنة، ولا تدرأوا الحسنةَ بالسيئة.

• يا سيِّدي، تَذكَّرْ للناس أعمالَهم الحَسَنة، وأغمض العينَ عمَّا غَفَلُوا فيه.

• أنْ يعيش الإنسانُ جيدًا طولَ حياته، ثم تَعثُر قدمُه عَثْرةً فتُدمِّره، فأنتَ بذلك تُدمِّر كلَّ أهل الخير؛ لأن كلَّ إنسانٍ له عَثْرة، وكلُّ ابن آدم خطَّاء، والله يقبل توبةَ مَن أخطأ، وفخامتُك لا تقبل توبةَ مَن أخطأ.

• عمارةُ الكون تكون بالمنهج الذي وضعَه خالقُ الكون، وهو أن ندرأ السيئةَ بالحسنة.

• كلَّما قرأتُ الهجومَ على أبي تمَّام قلتُ لمهاجميه: «حرامٌ عليكم»؛ ربُّنا - سبحانه وتعالى - قال: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}، وأنتم بالعكس: سيئاته تُكفِّر حسناتِه.

• حياتُنا مبنيةٌ على أن «غَلْطةً» تَهدِم لك صرحَك كلَّه، وابنُ آدم خطَّاء؛ لا يمكنه أن يعيش مِن غير «غَلْطة».

• درَسْنا أن المحسِّنات البديعية من مكمِّلات البلاغة، وليست من جوهر البلاغة، نعم، لكن لا تجعلْ هذه الكلمةَ تَصُدُّك عن تذوُّق الحُسْن البديعي، واحذرْ أن تَستهين بالمكمِّلات؛ لأنك لن تَصِلَ إلى الأصول إلا إذا حَفِظتَ الفروع وحَفِظتَ المكمِّلات.

• الشِّعْرُ الكريمُ العالي يبحثُ عن الرِّجال الكرام؛ ليأنسَ بقُربِهم، وليأنسَ بهم، ويأنفُ من اللِّئام أهل الخساسة المنافقين.

• لو لم يكن لديكم إلا الشِّعْرُ لكان كافيًا في تربيتكم.

• الجاهليون لا تَلْعَنْهم؛ لأنهم لمَّا نطقوا بالشهادتين صاروا خير أجيال الأرض، وخيارُهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام، وهم لم يكن لديهم مدرسةٌ ولا أستاذٌ يُعلِّم، وإنما الشِّعْر وحدَه كان هو المدرسة؛ فعلَّمهم البيان، وعلَّمهم الأخلاق، وعلَّمهم الكرم.

• الشِّعْرُ هو الذي ربَّى الجيلَ الذي بعدما نطق الشهادتين صار كالنُّجوم؛ بأيِّهم اقتديتُم اهتديتُم.

• لو أننا نَضَعُ البحتريَّ مكانَ عبد القاهر، ونتعلَّم منه البلاغةَ كما نتعلَّمُها من عبد القاهر = لقال لنا إن مِنْ حُسْن البيان وبهاءِ البيان أن يُقال في الكرام.

• وقفتُ وتساءلتُ: لماذا علَّم ربُّنا داودَ عليه السَّلام صَنْعةَ الدُّروع؟ لأن الله يَعلمُ أن أعداءَ الحقِّ لا يَصدُّهم، ولا يَصدُّ باطلَهم، ولا يَصدُّ سطوتَهم على الحق، إلا أن يتعلَّم أهلُ الحقِّ صنعةَ أدوات الحرب.

• الناسُ تتطلَّع إلى أن تكون لها قوَّةٌ تَحميها، خصوصًا أنه زُرِعَ بيننا أشدُّ الناس عداوةً لنا؛ الذين لا دينَ لهم ولا خُلُق ولا عَهد ولا ميثاق، الذين قتلوا الأنبياء، طبَّعْتَ معهم أو لم تُطبِّع؛ لأنه يومَ أن يتمكَّن مِن عُنقك سيَدُقُّه، واتفاقاتُ «إبراهام» و«غير إبراهام» كلُّ ذلك خطواتٌ حتى تنامَ، فإذا ما غطَطْتَ في النَّوم قتلَك.

• لك مالٌ وليس لك قوَّة فليس لك مال؛ لأن المالَ إذا لم تكن له قوَّةٌ تَحْمِيه فهو ضائع.

• لاحِظْ شيئًا، لاحِظْ أنني حين أشرح لك بيتًا يجب أن أترك البيت الثانيَ لتشرحَه أنت كما شرحتُ لك البيتَ الأوَّل، أي لن أشرح لك كلَّ شيء، وإنما أشرح لك ما يُعلِّمك كيف تَشْرح.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق