طرائف وعجائب في طريق الدعوة تاجر الفودكا


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

منذ إثنا عشر عامًا وأنا أدعو إلى الله سبحانه وتعالى في هذه البلاد، ولا شك أنني قابلتُ الكثير من العقبات والنجاحات والفشل، ولكن الأمر لا يخلو أيضًا من الأمور الطريفة وإن كان الكثير منها محزنًا ومؤلمًا في البداية، ولكن مع مرور الوقت أتذكرها بابتسامة. ولعلي سأذكر بعضها في مدونتي لربما تكون عبرةً لبعض الناس. واليوم سأذكر قصة ذلك الرجل الأذربيجاني والذي تعرفت عليه عندما كنت أتوجه للتجار المسلمين المحليين في كاريليا ليساعدوا جمعيتنا في بناء مسجد في مدينة بيتروزافودسك، أو على الأقل ليدعمونا ماديًا لتحقيق المشاريع الدعوية المختلفة التي كنا نطمح لتنفيذها، ولكنني لم أكن أعرف هؤلاء التجار شخصيًا وهم لم يُظهروا أيضًا أية علامة تثبت انتمائهم لأمة المسلمين، إلا أنني ظننتُ أنهم لن يردوا طلب المساعدة وخاصة بأن الهدف سامي وعظيم، وهكذا صرت أبحث عن رجال الأعمال والتجار الذين يحملون أسماءً إسلامية أو أن يكون مظهرهم الخارجي واضح بأنهم ليسوا روسًا، طبعًا هذا كان صعبًا لأن كثيرًا منهم اتضح أنهم روس وآخرون قوقازيون ولكن غير مسلمين مثل الأرمن والجورجيين، ولكني استطعت أن أصل فعلًا إلى الكثير من المسلمين وخاصة الأذربيجان؛ ذلك لأن الكثير منهم يعمل في الأسواق ومن السهل الوصول إليهم، طبعًا فإن أغلب استجاباتهم كانت سلبيةً جدًا، وبما أنني عربي فكانوا يربطوني دائمًا بجماعاتِ العنف ويتهمونني بالوهابية وإن كانوا لا يفقهون في الدين شيئًا! ولكن من كان يرفض علانيةً أن يساعد هو أهونهم علي، ذلك أن كثيرًا منهم يخجل أن يقول لا في وجهي، فيتوجه إلى الشرطة والمخابرات ويخبرهم بأنني إرهابي عربي يبحث عن تمويل لنشاطه الإرهابي! وهذا طبعًا سبّب لي الكثير من المشاكل ولكنها كانت خيرًا في نهاية الأمر لأن الدولة تعرفت علينا عن قرب واتضح لها بأننا نعمل في حدود القانون.

مرةً من المرات استطعت أن أصل إلى رئيس الجمعية الثقافية الأذربيجانية *أفيستا*. زمان رسولوف وهو رجلُ أعمالٍ ثري وقد كان في مكتبه عدد من كبار التجار الأذريين، وكان النقاش معهم صعبًا جدًا؛ فتارة يقال لي: ألا ترى أننا سمينا جمعيتنا باسم أفيستا وهو اسم الكتاب المقدس لزردشت نبي المجوس، ذلك لأننا نفخر بتراثِ جدودنا قبل أن يأتي الاحتلال العربي الإسلامي لبلادنا، وتارةً يقولون بأنهم شيعة آل البيت ونحن العرب نكرهُ علي رضي الله عنه، ثم يعبرون عن شكهم في ضرورة وجود مسجد، وشكهم في النهاية قد كان فيَّ شخصيًا، فلربما أني مجرد محتال يريد أن يجمع أموالًا ويهرب إلى بلاده. وفي وسط هذا الهجوم وإذا بأحدهم يتقدم إلي ويعرض المساعدة، وأي مساعدة فقد وعد أن يبني مركزًا إسلاميًا، ولا وبل أخذ على نفسه تكاليف الدعوة كلها. ولكن بشرطٍ واحد فقط، فالرجل يتاجر بالفودكا (أحد أنواع الخمور) وطلب مني ألا أقول له أن الإتجار بالخمر حرام!

فقلت له ألا تستطيع أن تبدل تجارتك لشيءٍ حلال؟ فكان جوابه بأن الدخل من تجارة الخمور لا يضاهيه أي دخلٍ من التجارة في الأمور الأخرى، فقلت له: يا سيدي العزيز إن عرضك سخيٌ فعلًا، ولو كان الأمر بيدي لربما وافقت، ولكن ألا تعلم بأن الذي حرم الخمر هو رب الخلق ولست أنا؟

ولكنه لم يفهم وأصر على قوله، وطبعًا تركته بعد أن دعوت له بأن يغنيه الله بحلاله عن حرامه.

ولم أرى ذلك الرجل سنين عديدة، وعندما التقيت به صدفة توجه إلي بترحيب حار وضمني إلى صدره وقبل يدي وقال لي: لا بد أنك ولي من أولياء الصالحين؟ فقلت له لماذا تعتقد ذلك؟

قال: أنا لم اطعك عندما حرّمت علي التجارة في الخمر، وأصررت بتكبرٍ على كلامي،  فعوقبت بأن خسرت كل رأس مالي بعد أن صادرت الحكومة كل البضاعة من الخمور، بسبب مخالفاتٍ ارتكبتها أثناء تعبئة الخمور في الزجاجات. وبذلك أصبحت مفلسًا وبدأت من الصفر وأنا الآن والحمد لله أحرص على ألا أتاجر إلا في الحلال!

واعتقد المسكين بأن هذا حل بهِ لأنني لعنته، فقلت له يبدو أنك لم تفهم بعد؛ أنا ليس لي من الأمر شيئًا، فعندما رفضت الانصياع لم يكن رفضًا لأمري، بل رفضًا لأمر الله. وعندما عاندت وحاربت لم تحاربني بل حاربت رب العزة، وهل يفوز من أعلن الحرب على ربه، فافرح يا أخي بأن الله أبقاك حيًا وطهرك من الرجز وأعطاك فرصة لأن تصلح نفسك فلا تُضيعها.

والحمد لله فلم نكسب في هذا الرجل ممولًا لنا، ولكننا كسبنا أخًا تائبًا عائدًا إلى الله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply