شرح حديث احفظ الله يحفظك


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أخرج الإمام الترمذي في سننه (4/ 667) برقم (2516) بسنده عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ:"يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ".

 قال الإمام الترمذي:* هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ*.

تخريج الحديث:

أخرجه أحمد (2763) وعبد بن حميد في المنتخب (636) وابن الجعد في "المسند" (3445) وأبو يعلى الموصلي في "المسند" (2556) وفي "المعجم" (96) وهناد بن السري في "الزهد" (536) والطبراني في "المعجم الكبير" (12988) وفي "الأوسط" (5417) والحاكم في "المستدرك" (6303)؛ (6304) والقضاعي في "مسند الشهاب" (745)، وفي رواية الإمام أحمد رقم(2803) بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:"يَا غُلامُ، أَوْ يَا غُلَيِّمُ، أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ "فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ:احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".

وقال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" (4/ 285): وهو حديث صحيح.

وقال ابن رجب:"هذه الطريق حسنة جيدة" جامع العلوم(1/ 462).

معاني المفردات:

خلف: أي وراء أو رديفه على الدابة.

غلام: أي الصبي الذي ناهز الاحتلام.

احفظ: أي صن وارعى. 

تجاهك: أي أمامك. 

سألت: دعوت وطلبت.

استعنت: طلبت الإعانة.

كتبه: قدَّره.

رفعت الأقلام: انتهت من الكتابة.

جفت: يبست أي يبس المداد.

الصحف: الكتب التي كتبت فيها المقادير في اللوح المحفوظ. 

صحابي الحديث: أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، (3 ق ه / 618م – 68 ه / 687م) صحابي جليل ومحدث وفقيه ومُفسِّر، وهو ابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين لرواية الحديث، حيث روى 1660 حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهُ في الصحيحين 75 حَدِيثًا متفقا عليها.

وتفرد البخاري له بِ 110 أَحَادِيثَ، وتفرَّد مسلم بن الحجاج ب 49 حَدِيثًا.
أسلم عبدالله بن عباس قبل أبيه، وهاجر مع أبويه إلى المدينة عام فتح مكة؛ أي: في العام الثامن من الهجرة.[سير أعلام النبلاء؛ للذهبي 3/333(].

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان، وأمي من النساء؛ [البخاري (1357)].

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس:

 (1) روى البخاري عن ابن عباس، قال: ضمَّني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقال:"اللهم علِّمْه الحكمة"؛[البخاري(3756)].

وأخرج أحمد (2879) بسنده عن ابن عَبَّاسٍ، قال: وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ أَوْ قَالَ: عَلَى مَنْكِبَيَّ  فَقَالَ:"اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ". 

 (2) روى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءًا، قال: "من وضع هذا؟" فأخبر، فقال: "اللهُمَّ فقِّهْه في الدين"؛ [البخاري(143)].

 (3) روى أحمد عن عبدالله بن عباس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فصلَّيتُ خلفه، فأخذ بيدي، فجرني فجعلني حذاءه، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال لي:"ما شأني أجعلك حذائي فتخنس؟"، فقلت: يا رسول الله، أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله الذي أعطاك الله؟ قال:"فأعجبته، فدعا الله لي أن يزيدني علمًا وفهمًا"؛[مسند أحمد (3060)].

طلب عبد الله بن عباس العلم والحديث من الصحابة، وقرأ القرآن على زيد بن ثابت وأبي بن كعب، وكان يسأل عن المسألة الواحدة ثلاثين من الصحابة.
شرح الحديث:

هذا حديث عظيم القدر حافل بالمعاني والفوائد، مبين وموضح لأصول جليلة من أصول الدين وأركان الإيمان.

 

 بيان جواز الإرداف على الدابة:

أولا: قوله " كنت خلف رسول الله ﷺ " أي رديفه على دابة، ومن العلماء من قال كان يمشي خلفه، ومنهم من قال يحتمل أن النبي كان راكبا وابن عباس يمشي خلف الدابة، والصواب أنه كان رديف رسول الله على الدابة لرواية الإمام أحمد في "المسند" (2803) وفيها التصريح بالإرداف.

وإرداف النبي لابن عباس رضي الله عنهما دليل تواضعه ولينه لأصحابه وآل بيته، روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال:"كان صلى الله عليه وسلم يُرْدِف خلفه، ويضع طعامه على الأرض، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار(1)".

 

أسلوب النداء لإعداد المخاطب وتهيئته لتلقي الكلام والخطاب

ثانيا: قوله " يا غلام " نداء، والنداء من أساليب التخاطب والتواصل عند العرب، ويستعمل للتنبيه واعداد المخاطَب لما سيقوله المتكلم، لأن (النداء) يسترعي أسماع المنادَيْن. حتى يتحقق مقصد الكلام من التقارب والتفاهم.

والأصل في النداء أن يكون باسم المنادَى، ولا يعدل من الاسم العَلَم إلى غيره من وصف، أو إضافة إلا لغرض مقصود من تعظيم، وتكريم أو تلطف وتقرب، أو قصد تهكم ؛ نحو:{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}(الحجر:6)، والنداء في قوله " يا غلام " للتلطف والتحبب والتقريب.

 

استغلال المواقف والأوقات في الدعوة إلى الله

ثالثًا: في الحديث إشارة إلى أن النبي كان لا يخلي موقفًا من دعوة إلى الله تعالى أو بيان للتوحيد وكذا التحذير من الشرك ومظاهره، أو من نصح وإرشاد وتعليم. 

فالداعية عليه الاستفادة من المواقف والأحداث والوقائع ويستثمرها في الدعوة وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من ذلك ما أخرجه الشيخان عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ" قُلْنَا: لاَ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ:"لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا"(2).

وهكذا كان أحيانًا يطرح النبي سؤالا ليسمع من أصحابه أجوبتهم ويسبر علمهم ويقوِّم فهومهم، ويحدثهم بأسلوب الحكيم وهو إعطاء الجواب وزيادة من الفوائد.

بيان فصاحة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

رابعًا: قوله "إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ" أي قليلة المباني لكنها عظيمة المعاني، وكان أفصح العرب، ولا يتكلف القول، ولا يكثر السجع، يقول الله تعالى:﴿وما ينطق عن الهوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾(النجم: 3 -4).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ" متفق عليه.

وأيضًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ "يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لَأَحْصَاهُ" متفق عليه.

 

 " احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ "

خامسًا: قوله "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ" أي احفظ حدوده، والزم أمره وقف عند نهيه، فاعمل بالشرائع وانته عن المناهي، قال تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِين}[النساء: 13، 14].

وقد وعد الله الحافظين لحدوده سبحانه بالجزاء الجميل، قال تعالى:{وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (التوبة: 112). وقال:{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ. مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ}(ق: 32 – 33).

جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا معاذ بن جبل! قلت: لبيكَ رسولَ الله وسعديك، قال: فإنّ حقَّ اللهِ على العباد أنْ يَعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، ثم سار ساعةً؛ ثم قال: يا معاذُ بن جبل! قلت: لبيكَ رسول الله وسَعْديك، قال: هل تدري ما حقّ العباد على الله؛ إذا فعلوا ذلك؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال:أنْ لا يُعَذّبهم".

ومن ذلك المعنى ما أخرجه البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ".

 

الجزاء من جنس العمل

سادسا: وجملة "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ" توضح أن الجزاء من جنس العمل، وفي الرواية الثانية لهذا الحديث:" تعرّف إلى الله في الرخاء، يعرِفك في الشدة " وهذا في باب الجزاء، مثل قوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} (البقرة:40)، وقوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (البقرة:152) وقوله:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}(الأنفال: 30) وقوله:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}(النساء:142).

 

حفظ النفس من الهلاك

سابعا: ومن معاني الحفظ من الله للعبد حفظ النفس والبدن عن الهلاك والمصائب، قال تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}(الرعد: 11). أخرج الطبري في تفسيره (16/ 371) بسنده عن ابن عباس:{يحفظونه من أمر الله} قال:ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدره خَلَّوا عنه.

 وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم  إذا أصبح إذا أَمْسَى:"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِنْ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تحتي"(3).

 وقال تعالى:{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} (الطارق: 4). 

قال الطبري (24/ 353): فتأويل الكلام إذن: إن كلّ نفس لعليها حافظ من ربها، يحفظ عملها، ويُحصي عليها ما تكسب من خير أو شرّ.

وقال القرطبي في تفسيره (20/ 3): قَالَ قَتَادَةُ: حَفَظَةٌ يَحْفَظُونَ عَلَيْكَ رِزْقَكَ وَعَمَلَكَ وَأَجَلَكَ....

 وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِنْ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ: يَحْفَظُهَا مِنَ الْآفَاتِ، حَتَّى يُسَلِّمَهَا إلى الْقَدَرِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْحَافِظُ مِنَ اللَّهِ، يَحْفَظُهَا حَتَّى يسلمها إلى المقادير. انتهى

 

حفظ المال والولد

ثامنا: ومن معاني حفظ الله للعبد حفظ ماله وولده، أخرج الطبري في تفسيره (18/ 91) بسنده عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس، في قوله{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} قال:حفظا بصلاح أبيهما، وما ذكر منهما صلاح.

قال ابن رجب الحنبليّ رحمه الله: 

وقد يَحفظ اللهُ العبدَ بصلاحِه، بعد موتِه في ذريته، كما قيل في قوله تعالى:{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}[الكهف من الآية:82]: أنهما حُفظا بصلاح أبيهما! قال سعيد بن المسيّب لابنِه: لأزيدنَّ في صلاتي من أجلك، رجاء أن أُحفظ فيك، ثم تلا هذه الآية:{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}. 

وقال عمر بن عبد العزيز: ما من مؤمنٍ يموت؛ إلَّا حفَظه اللهُ في عقبِه وعَقب عقبه!.

وقال ابن المنكدر: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح؛ ولدَه وولدَ ولدِه، والدويرات التي حولَه، فما يزالون في حفظٍ من الله وستر (4).

 

حفظ العبد من مضلات الفتن

تاسعا: وكذلك من معاني الحفظ حفظ العبد من مضلات الفتن، فتن الشبهات وفتن الشهوات، وهذا خاص بالمؤمنين، قال تعالى:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (يوسف: 24) وقال تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}(الإسراء: 74).

وقال الله تعالى:{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}(الأعراف:43).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرتجز هو والصحابة برجز عبد الله بن رواحة رضي الله عنه.

اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا    ...   وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا.

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا          ...   وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا.

إِنَّ الإلى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا       ...   وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا (5).

وأخرج أحمد(12107) والبخاري في الأدب المفرد (683) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:"اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ".

ولقد أجاد من قال:

ما سُمِّي القلب إلا من تقلُّبه    ...    فاحذر على القلب من قلب وتحول 

وأخرج مسلم (2654) عن عَبْد اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:"إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ".

 

عاشرا: الحفيظ اسم الله تعالى، وكذلك الحافظ.

والحفيظ نقيض النسيان والغفلة، وحفظ الشيء صيانته من التلف والضياع.

قال تعالى:{إنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}(هود: 57).

وقال تعالى:{وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} (سبأ: 21).

وأما "الحافظ" فقد ورد مرة واحدة في قوله تعالى:{فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(يوسف: 64). وورد مرتين بصيغة الجمع في قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر: 9). وقوله:{وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ}(الأنبياء: 82).

ومن آثار الاسمين الكريمين حفظ الله تعالى لعباده بكل أنواع الحفظ والرعاية ؛ حفظ عام لجميع الخلق من تيسير الرزق وجلب المنافع ودفع المضار وهذا عام لكل الخلق.

وحفظ خاص لأوليائه، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}(الحج: 38).

وقال تعالى:{لَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(الزمر:36).

ومن معاني الحفظ كذلك حفظ الأعمال وإحصائها وكتابتها في الصحف قال تعالى:{أحصاه اللَّه ونسوه}(المجادلة: 6)، وقال:{وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا}(النبأ: 29). وقال تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. كِرَامًا كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (الانفطار: 10 -12). وقال:{إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}(الطارق: 4).

 

" احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ "

حادي عشر: قوله "احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ" أي تجده أمامك أو تجده معك، يؤيدك وينصرك ويدافع عنك، وهو سبحانه فوق السماء، فوق العرش، فوق جميع الخلق، ولكنه معنا بعلمه واطلاعه ورؤيته وتأييده لعباده ولما بعث الله موسى وهارون إلى فرعون قال لهما: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (طه:46)، فلا تخفى عليه خافية، وقاللأبي بكر رضي الله عنه وهما في الغار، كما في القرآن:{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}(التوبة:40) ؛ وقال تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق:2-3)، وقال:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}(الطلاق:4).

 

قصة الثلاثة الذين حبسوا في الغار فنجاهم الله:

أخرج البخاري (2272) بسنده عن عبد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا المَبِيتَ إلى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا، وَلاَ مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ، أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ"، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا"، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئُ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ".

 

النهي عن سؤال غير الله

ثاني عشر: قوله صلى الله عليه وسلم"إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ" والسؤال هو الدعاء بتحقيق مرغوب ومطلوب أو رفع مكروه، وفي الحديث بيان وجوب تحقيق التوحيد فلا يُسأَل إلا الله، والتوجه بالدعاء لغير الله شرك بالله تعالى، قال تعالى:{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}(فاطر: 13 -14).

وقال سبحانه:}وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{(غافر:60)، وقال:}ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً{(الأعراف: 55)، وقال:}قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ{(الفرقان: 77)، وقال تعالى: }وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ{(الأعراف: 29).

وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من لم يسأل الله يغضب عليه".

لا تسألن بُنيَّ آدم حاجةً    ....   وسلِ الذي أبوابُه لا تحجَب

اللهُ يغضبُ إن تركتَ سؤالَه ....   وبُنَيُّ آدمَ حين يُسأل يغضَب

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء ليلقى البلاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة" أخرجه الحاكم وحسنه الألباني.

وعن ثوبان مولى رسول الله أنه صلى الله عليه وسلم قال:"ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر" أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم وحسنه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم:"إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا خائبتين"رواه أبو داود والترمذي وحسنه.

 

بيان معنى الاستعانة

ثالث عشر: قوله صلى الله عليه وسلم "وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ" والاستعانة هي طلب العون، والسؤال هو طلب ما لا يقدر الداعي عليه، والاستعانة لا تكون إلا بالله، قال تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(الفاتحة:5).

 وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:"احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ"(رواه مسلم)، وعنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِي يَوْمًا، ثُمَّ قَالَ:"يَا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ مُعَاذٌ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ، فَقَالَ:أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ؛ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِك"( رواه أحمد).

وأما الاستعانة بالمخلوق الحي فيما يقدر عليه فلا بأس بها، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}(المائدة: 2).

أما فيما لا يقدر عليه نحو طلب الشفاء أو الولد فلا يجوز لأن ذلك شرك. 

وكذا الاستعانة بالأموات أو بالجن أو بالمخلوقين الأحياء الغائبين فمن صور الشرك بالله قال تعالى:{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}(فاطر: 13 -14).

 

وجوب الإيمان بالقدر

رابع عشر: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ".

وهذا أصل في الإيمان بالقدر الذي هومن أركان الإيمان التي لا يتم إيمان العبد إلا بها، ففي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب في سؤال جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال:"أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره"، قال:(أي: جبريل عليه السلام):صدقت.

وقال تعالى:}إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر{[القمر: 49]، وقوله}:وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا{[الأحزاب: 38]، وقوله}:وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا{[الأنفال: 42]، وقال}:وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا{[الفرقان: 2]، وقال}:سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى{[الأعلى: 1 – 3].

وروى مسلم في صحيحه عن طاووس قال:"أدركت ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز".

وروى مسلم أيضًا عن أبي هريرة قال:"جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر"، فنزلت:}يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ{[القمر: 48، 49].

 

وأركان الإيمان بالقدر أربعة:

 وهي العلم والكتابة والمشيئة ثم الخلق.

الركن الأول: علم الله الشامل الكامل:

قال تعالى}:هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ{[النجم: 32].

فعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن كيف كان يكون؛ سبحانه}:عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{[سبأ: 3].

وقوله تعالى}:أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{[الملك: 14].

وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قالسُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال:"الله أعلم بما كانوا عاملين".

الركن الثاني: الإيمان بأن الله كتب في اللوح المحفوظ كل شيء:

كما في *صحيح مسلم* عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة".

وفي حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة"(6)

وقال سبحانه}:أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{[الحج: 70]، وقال}:وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ{[يس: 12].

ويدخل في الإيمان بكتابة المقادير خمسة من التقادير كلها ترجع إلى العلم، التقدير الأول: كتابة ذلك قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، عندما خلق الله القلم وهو التقدير الأزلي.

 الثاني: التقدير العمري، حين أخذ الميثاق يوم قال:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}[الأعراف: 172].

 الثالث: التقدير العمري أيضا عند تخليق النطفة في الرحم، وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".

 الرابع: التقدير الحولي في ليلة القدر، قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}(الدخان: 3-4).

 الخامس: التقدير اليومي، وهو تنفيذ كل ذلك إلى مواضعه.

الركن الثالث: الإيمان بمشيئة الله تعالى:

قال تعالى}:وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{[التكوير: 29]، وقال}:وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ{[الأنعام: 111]، وقال}:وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ{ [الأنعام: 112]، وقال}:إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{[يس: 82]، وقال}:مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{[الأنعام: 39].

الركن الرابع: الإيمان بأن الله خالق كل شيء:

قال تعالى}:اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ{[الرعد: 16]،}بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ{[يس: 81]،}الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور {[الأنعام: 1]، وقال تعالى}:وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ{[الصافات: 96].

قال الإمام أبو المظفر السمعاني: سبيل معرفة هذا الباب - يعني القدر - التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول، فمن عدل عن التوقيف فيه، ضل وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء النفس، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب؛ لأن القدر سر من أسرار الله تعالى التي ضربت من دونها الأستار، اختص الله به وحجَبه عن عقول الخلق ومعارفهم؛ لِما علمه من الحكمة، وواجبنا أن نقف حيث حد لنا ولا نتجاوزه، وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم، فلم يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، وقيل: إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة، ولا ينكشف قبل دخولها، والله أعلم؛[شرح مسلم للنووي (16/ 196) ].

قوله صلى الله عليه وسلم:"رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" أي كتبت المقادير منذ القدم، والفراغ منها  ليس الآن  ولكن منذ أمد بعيد، لأن الصحف إنما تجف أو بالأحرى يجف المداد الذي كتبت به  إذا فرغ من الكتابة وارتفعت الأقلام عنها مدة.

وأخرج البخاري عن أبي هريرة أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ".

وفي رواية الأمام أحمد، قوله :"جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ".

النهي عن ترك العمل اتكالًا على ما سبق من القدر:

وقد ثبتت الأحاديث بالنهي عن ترك العمل اتكالًا على ما سبق من القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد بها الشرع، وكل ميسر لما خُلِق له.

وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه، قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة فنكس، فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال:"ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة، إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا وقد كتبت شقيةً أو سعيدةً"، قال: فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نمكث على كتابنا، وندع العمل؟ فقال:"من كان من أهل السعادة، فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة، فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة"، فقال:"اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فيُيسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيسرون لعمل أهل الشقاوة"، ثم قرأ}:فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{[الليل: 5 – 10].

وفي لفظ:"ما منكم من نفس إلا وقد عُلِم منزلُها من الجنة والنار"، قالوا: يا رسول الله، فلِمَ نعمل؟ أفلا نتَّكل؟ قال:"لا، اعملوا، فكل ميسر لما خُلِق له"، ثم قرأ}:فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{[الليل: 5 – 10].

وعن جابر رضي الله عنه، قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم قال: يا رسول الله، بيِّن لنا ديننا كأنا خُلقنا الآن، فيمَ العمل اليوم؟ أفيمَا جفَّت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيمَ نستقبل؟ قال:"لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير"، قال: ففيم العمل؟ فقال:"اعملوا فكل ميسر"؛ رواه مسلم.

هل يتغير القدر؟

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى(14/490) سؤالا طويلا وفيه: قَوْله تَعَالَى:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أم الْكِتَابِ} هَلْ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَالْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ فِي الصَّحِيحِ "أَنَّ اللَّهَ تعالى كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ عِنْدُهُ عَلَى عَرْشِهِ" الْحَدِيثَ. وَقَدْ جَاءَ:"جَفَّ الْقَلَمُ" فَمًا مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ؟

فكان مما أجاب به رحمه الله: 

وَالْجَوَابُ الْمُحَقَّقُ: أَنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ لِلْعَبْدِ أَجَلًا فِي صُحُفِ الْمَلَائِكَةِ فَإِذَا وَصَلَ رَحِمَهُ زَادَ فِي ذَلِكَ الْمَكْتُوبِ. وَإِنْ عَمِلَ مَا يُوجِبُ النَّقْصَ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكْتُوبِ. وَنَظِيرُ هَذَا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّ آدَمَ لَمَّا طَلَبَ مِنْ اللَّهِ أَنْ يُرِيَهُ صُورَةَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فَأَرَاهُ إيَّاهُمْ فَرَأَى فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ بَصِيصٌ فَقَالَ مَنْ هَذَا يَا رَبِّ؟ فَقَالَ ابْنُك دَاوُد. قَالَ: فَكَمْ عُمُرُهُ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً. قَالَ: وَكَمْ عُمْرِي؟ قَالَ: أَلْفُ سَنَةٍ. قَالَ فَقَدْ وَهَبْت لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنَةً. فَكُتِبَ عَلَيْهِ كِتَابٌ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِي سِتُّونَ سَنَةً. قَالُوا: وَهَبْتهَا لِابْنِك دَاوُد. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَأَخْرَجُوا الْكِتَابَ". قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَنَسِيَ آدَمَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَجَحَدَ آدَمَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ".

 وَرُوِيَ أَنَّهُ كَمَّلَ لِآدَمَ عُمُرَهُ ولدَاوُد عُمُرَهُ. فَهَذَا دَاوُد كَانَ عُمُرُهُ الْمَكْتُوبُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ جَعَلَهُ سِتِّينَ؛ وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ:"اللَّهُمَّ إنْ كُنْت كَتَبَتْنِي شَقِيًّا فَامْحُنِي وَاكْتُبْنِي سَعِيدًا فَإِنَّك تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ". وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ؛ فَهُوَ يَعْلَمُ مَا كَتَبَهُ لَهُ وَمَا يَزِيدُهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْمَلَائِكَةُ لَا عِلْمَ لَهُمْ إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ اللَّهُ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا وَبَعْدَ كَوْنِهَا؛ فَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الْمَحْوَ وَالْإِثْبَاتَ فِي صُحُفِ الْمَلَائِكَةِ وَأَمَّا عِلْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَبْدُو لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ فَلَا مَحْوَ فِيهِ وَلَا إثْبَاتَ.

 

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك(7128) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي(1017)
وابن ماجة (4178) وإسناده ضعيف.

(2) اخرجه البخاري (5999) ومسلم (2754).

(3) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1200) وأبو داود (5074) عن ابن عمر
رضي الله عنهما.

(4) انظر: جامع العلوم والحِكم (1/ 467) .
(5) أخرجه البخاري (4106).
(6) أخرجه أبو داود (4700)، والترمذي (3319)، وأحمد (22705(، وصحَّحه الألباني.
 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply