محددات عامة لاختيار موضوع الماجستير والدكتوراه


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

كثيرة هي الأسئلة التي ترد إلى المشتغلين في الشأن الأكاديمي والإشراف العلمي عن الموضوع المقترح لدراسته في مرحلتي الماجستير والدكتوراه. وهنا أود تقديم بعض الإرشادات العامة التي قد تساعد الباحث على حسن الاختيار.

أولًا: من الجيد أن تدرك أن السؤال عن أي موضوع لدراسته في مرحلتي الماجستير أو الدكتوراه ربما يكشف عن خلل وقصور علمي لدى الباحث، إذ إن الباحث الذي يصل لهذه المرحلة من الدراسة تالعلمية يفترض أن يكون على دراية جيدة ومعرفة كافية في مجال تخصصه ومصادره ومراجعه، وما يحتاج إليه بحثه.

نعم، سؤال أهل الاختصاص عن تفاصيل دقيقة بين المواضيع والترجيح بينها، مما يحمد للباحث، ويدل على علميته، إنما الخلل أن يرمي الباحث في الدراسات الأكاديمية نفسه على الآخرين كالغريق، يقول: "لا أعرف موضوعًا، وأريد أن تقترحوا لي واحدًا"! فيشرق به ويغرب بين المواضيع المختلفة والمتباعدة.

وأس الخلل البعد والغربة عن الوسط العلمي، وقلة القراءة فيه، وضيق نطاق البحث والدراسة، قبل أن يلتحق ببرامج الدراسات العليا، وربما أثناء الالتحاق بها. ولذا، الدروس العلمية وإدمان القراءة والتوسع فيها، أفقيًّا وعاموديًّا، شرط ضروري لاختيار الموضوع وإنجاز البحث الأكاديمي بصورة متميزة.

ثانيًا: محددات اختيار الموضوع المناسب للماجستير أو الدكتوراه.

هناك محددات ضرورية لحسن اختيار الموضوع المناسب لك، وتلك المحدد هي:

(1) أن يكون الموضوع في ذاته مهمًا قيمًا، سيضيف للساحة العلمية الجديد والمفيد. وهذا ستعرفه بنفسك إذا كنت من أهل العلم والقراءة، وإذا سألت أهل العلم والتخصص. وهذا ديدن الباحث الجاد الذي يبحث عن المواضيع القيمة، لا السهلة أو المكرورة أو سبق بحثها من قبل مرارًا واستهلكت كثيرًا.

(2) أن يقدم الموضوع لك شخصيًّا إضافة علمية نوعية، فقد يكون مهمًا في ذاته لكنه لا يقدم لك جديدًا، لتضلعك الكبير فيه، فهو بالنسبة إليك تحصيل حاصل. وفي مرحلتي الماجستير أو الدكتوراه يعتبر الزمن ذهبًا بالنسبة إلى عمرك، فالمدة طويلة ويمكن أن يكون الموضوع حاسمًا بالنسبة لتخصصك وتعمقك.

فالموضوع لا بد أن يكون إضافة نوعية لك أنت في علميتك ومعرفتك، ويمثل فارقًا بالنسبة إليك، ولا يمكن أن تحصل على ذلك إلا ببذل الجهد الموقوف على هذا الموضوع تمامًا لعدة سنوات في رسالتك، تستفرغ فيه وقتك وطاقتك وعلميتك لخدمته وإكماله، فتقدم إضافة لنفسك وللساحة العلمية المحلية والعالمية.

(3) أن لا يكون الموضوع في مجالٍ لن تتعرف عليه لأول مرة إلا من خلال دراستك في الماجستير أو الدكتوراه، فهذا خلل كبير، ولعله السبب الرئيس في وجود رسائل ضعيفة جدًا، وبها أخطاء فادحة وكارثية. والسبب أن الباحث متطفل على هذا المجال، ودخل إليه يتعلم البدآيات، وليكتب رسالة أكاديمية عليا!

فالموضوع لا بد أن يكون في مجال تحبه وتشتغل فيه مسبقًا، ولديك خلفية علمية جيدة عنه، وعلى دراية بمصادره ومراجعه وكثير من مسائله ومآخذه، ويمثل هاجسًا لديك، وعلى اتصال بالمتخصصين فيه. فاختيارك للموضوع في هذا الحقل هو امتداد لقوتك العلمية، وزيادة في تعمقك وتخصصك النوعي.

فهناك حقول تحتاج من أجل الخوض فيها إلى إتقان علوم آلة، ودراية جيدة بمصطلحات أهلها ومذاهبهم ونظرياتهم، واختيارك لموضوع في هذا الحقل وأنت تفتقد لتلك الآلات العلمية والدراية التخصصية، ليس فقط سيحبطك ويجهدك، وإنما قد يولد بحثك ميتًا، لأنك غريب عن هذا الحقل تمامًا.

(4) لا تقبل المجاملة في اختيار الموضوع، فبعض الطلبة يجامل مشرفه أو شيخه فيختار الموضوع بناء على ذلك، ثم يشقى به طوال دراسته. أو ينضم إلى مشروع علمي قائم في القسم، مجاملة أو اضطرارًا، وهو غير مقتنع به، فيتحسر على نفسه ووقته، ثم يتمنى أن يدس رسالته بعد الانتهاء منها في التراب!

ما سبق، كله موجه إلى الباحث الذي يريد أن يكور نفسه علميًّا أثناء محلة الدراسات العليا، وليس للشخص الذي هدفه فقط تحصيل الشهادة ولا يهتم بالعلم. فترة الدراسات العليا فترة ذهبية في حياتك، إياك أن تلتفت إلى من يقول لك: "اسلقها، خلص، وبعدين تتفرغ للعلم إذا تحبه"! فمعظم هؤلاء يخجلون من رسائلهم، ولن تكن أحدهم.

فترة الدراسات العليا فترة ذهبية، وتصنع فارقًا عظيمًا في مسيرتك العلمية، عدد سنواتها كفيل بمشيئة الله أن يقفز بك إلى المتانة العلمية، إذا كنت جادًا حريصًا على العلم، في الجامعة وخارج الجامعة، ومرحلة الدراسات العليا القوية هي امتداد لمشرعاتك العلمية القوية بعدها.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply